أربع وعشرون سنة مرّت على رحيل الصادق النيهوم (1937 - 1994) وما يزال اسمه راهناً، خصوصاً في سياقه الليبي.إذ طالما جرت عادة العودة إلى تجربته بوصفه أحد أعمدة الأدب الليبي وظاهرة أدبية غير مسبوقة،حيث تميز بأسلوب كتابة اتسم بالحيوية والانطلاق، وأجاد عديد اللغات وكتب في عديد الموضوعات وكان سفيرا مشرفا للفكر الليبي في الخارج.

ولد "الصادق النيهوم"، في مدينة "بنغازي" عام 1937. ودرس جميع مراحل التعليم بها إلى أن انتقل إلي الجامعة الليبية، بكلية الآداب والتربية- قسم اللغة العربية، وتخرج عام 1961 وكان ينشر المقالات في جريدة "بنغازي" بين عامي 1958-1959 ومن ثم عُين معيداً في كلية الآداب.

أعدَّ أطروحة الدكتوراه في "الأديان المقارنة" بإشراف الدكتورة "بنت الشاطيء" جامعة القاهرة، وانتقل بعدها إلى ألمانيا، وأتم أطروحته في جامعة "ميونيخ" بإشراف مجموعة من المستشرقين الألمان، ونال الدكتوراه بامتياز. تابع دراسته في جامعة "أريزونا" في أمريكا لمدة عامين.

نشر أول مقالاته "هذه تجربتي أنا" في صحيفة الحقيقة الليبية مع بداية صدورها اليومي، كما نشر فيها:- الكلمة والصورة- الحديث عن المرأة- عاشق من أفريقيا- دراسة لديوان شعر محمد الفيتوري. ونشر سنة 1967 مجموعة دراسات منها "الذي يأتي والذي لا يأتي" و"الرمز في القرآن"، وأصبح في هذة الفترة يمثل ظاهرة أدبية.

شارك في مؤتمر أدباء وكتاب المغرب العربي في طرابلس سنة 1969 حيث ألقى بحثا بعنوان "نقاش مشاكلنا" ونشر دراسة "العودة إلى البحر" وفي نفس العام نشر مجموعته القصصية "من قصص الأطفال".ونشر روايته "من مكة إلى هنا" في عام 1970.

ودرَّس "الصادق النيهوم" مادة الأديان المقارنة كأستاذ مساعد بقسم الدراسات الشرقية بجامعة "هلنسكي" بفنلندا من عام 1968 إلى 1972. وهو يجيد، إلى جانب اللغة العربية، الألمانية والفنلندية والإنجليزية والفرنسية والعبرية والآرامية المنقرضة.وتزوج عام 1966 من زوجته الأولى الفنلندية ورُزق منها بولده كريم وابنته أمينة، وكان وقتها مستقراً في هلسنكي عاصمة فنلندا.

.أقام من 1974 إلي 1975 في بيروت، وكتب أسبوعيا بمجلة الأسبوع العربي، وأشرف على إصدار موسوعة (عالمنا -صحراؤنا -أطفالنا - وطننا - عالمنا)، ومن ثم صدرت رواية (القرود).وانتقل للإقامة في جنيف عام 1976 وأسس دار التراث، ثم دار المختار، وأصدر سلسلة من الموسوعات أهمها (موسوعة تاريخنا - موسوعة بهجة المعرفة)، وتزوج للمرة الثانية من السيدة (أوديت حنا) الفلسطينية الأصل. وعمل بجامعة جنيف أستاذاً محاضراً في الأديان المقارن.

وفي العام 1986 صدرت له رواية "الحيوانات"، وفي 1987 صدر له كتاب "صوت الناس"، وعام 1988 بدأ الكتابة في مجلة الناقد منذ صدور أعدادها الأولی في لندن. کما صدر له كتاب "محنة ثقافة مزورة" عن دار نجيب الريس في لبنان عام 1991 وساهم في الكتابة في مجلة "لا" الليبية، كما صدر له كتاب "الإسلام في الأسر" عن دار نجيب الريس بلبنان، كذلك وعن نفس الدار صدر له كتاب "إسلام ضد الإسلام".

وفي مقالة بعنوان "قراءة في تجربة النيهوم الإبداعية والفكرية" يقول "إبراهيم حميدان":"على مدى ثلاثين عاماً هي عمر التجربة الأدبية للصادق النيهوم تنوعت أشكال الكتابة وأنماطها عند هذا الأديب، فلقد جرب أجناساً أدبية عدة.ويقول حميدان أن  مسيرة النيهوم الكتابية التي امتدت لثلاثة عقود مرت بعدة  مراحل:

المرحلة الأولى تمتد منذ عام 1966وحتى أواخر عام 1971 وهي المرحلة الأكثر خصوبة وتنوعاً وأهمية في تجربة هذا الكاتب، ففيها ارتبط بصحيفة "الحقيقة" وتدفق على صفحاتها نتاجه الأدبي والفكري بغزارة لافتة، وغير مسبوقة لكاتب ليبي. فنشر مقالاته الاجتماعية التي تمحورت حول الشأن الليبي، ومقالاته الفكرية التي تناول فيها قضايا التقدم والتخلف الحضاري، والغرب والإسلام والمرأة، إضافة إلى ترجماته ودراساته الأدبية عن بعض الشعراء العرب ونصوصه الإبداعية وبحوثه في القضايا الفكرية والاجتماعية، واستمر في النشر في هذه الصحيفة دون غيرها من المطبوعات الأخرى منذ العام 1966 وحتى توقفها عن الصدور في يناير من عام 1972

المرحلة الثانية وتمتد منذ النصف الثاني من السبعينيات وحتى منتصف الثمانينات؛ انصرف خلالها النيهوم إلى تجربة أخرى مغايرة تماماً، وهي تجربة الإشراف على نشر موسوعات علمية من جنيف، وتوقف عن النشر في الصحافة، وأصدر خلال هذه المرحلة الموسوعات التالية موسوعة "تاريخنا" المصورة، موسوعة "بهجة المعرفة" المصورة موسوعة "أطلس الرحلات" المصورة موسوعة "السلاح" المصورة موسوعة "الشباب" المصورة.

المرحلة الثالثة وتبدأ منذ منتصف الثمانينات وحتى السنوات الأولى من التسعينات وفيها يعود النيهوم إلى الصحافة ليطل هذه المرة على القارئ متوجهاً إلى القراء العرب عبر مجلتي "كل العرب" الباريسية، ومجلة "الناقد" اللندنية حيث ينشر فيهما مقالات فكرية تتعلق بتجديد الفكر الديني باحثاً عن رؤية جديدة ومعاصرة للإسلام، وتعتبر هذه المقالات امتداداً لما سبق أن طرحه من قضايا أواخر الستينات.

يعتبر الصادق النيهوم المفكر والأديب الذي مثل بالفعل ظاهرة أدبية وفكرية جديدة بسبب غزارة انتاجه الذي أثار اهتمام القراء بمختلف مستوياتهم بين مؤيد ومعارض. وفي حوار أجراه معه الكاتب الليبي "إبراهيم الكوني" يقول الصادق النيهوم عن هدفه من الكتابة:"لأنني أؤمن بأن التعامل مع الأفكار لا يمكن أن يؤدي مهمته إلا إذا تم داخل إطار العمل المحدد، ذلك يشبه التعامل مع الثروة، فأنت لا تستطيع أن تضع نقودك في الخزانة ثم تفرض أنها ذات قيمة حقيقية على الدوام، إنك لابد أن تضعها في السوق لكي تعرف قيمتها على وجه الضبط، والكتابة نوع من وسائل العرض لتحديد قيمة الفكر".

توفي الصادق النيهوم يوم 15 نوفمبر 1994 عن عمر يناهز 51 عاما في جنيف – سويسرا،ودفن في مدينة بنغازي يوم 20 نوفمبر من ذلك العام، ولم يحضر جنازته سوى القليل من الأصدقاء والأقارب، لكنه يضل واحدا من الأعلام الليبية والعربية في الأدب والفكر، ومن أعظم من كتب المقالة الفكرية في الصحف العربية في القرن العشرين.

وبعد وفاته وفي عام 2001 صدر له عن دار تالة الليبية كتاب "طرق مغطاة بالثلج". ولمناسبة ذكرى رحيله، صدر للنيهوم كتاب حمل عنوان "الدلّال" (دار "برينتشي"، 2014) ، ويضم مقالات كان نشرها صاحب "الحيوانات" بين عامي 1966 – 1974 في صحيفتي "الحقيقة" و"الشورى" في بنغازي ومجلة "الأسبوع العربي" في بيروت. وقد قام بجمع المقالات وقدم لها المؤرّخ سالم الكبتي المعروف بحماسه الشديد للنيهوم والدفاع عنه أمام خصومه.


  • ولد "الصادق النيهوم"،في مدينة "بنغازي" عام 1937.ودرس جميع مراحل التعليم بها إلى أن انتقل إلي الجامعة الليبية، بكلية الآداب والتربية- قسم اللغة العربية، وتخرج عام 1961.
  • درَّس "الصادق النيهوم" مادة الأديان المقارنة كأستاذ مساعد بقسم الدراسات الشرقية بجامعة "هلنسكي" بفنلندا من عام 1968 إلى 1972.
  • يعتبر الصادق النيهوم المفكر والأديب الذي مثل بالفعل ظاهرة أدبية وفكرية جديدة بسبب غزارة انتاجه الذي أثار اهتمام القراء بمختلف مستوياتهم بين مؤيد ومعارض.
  • توفي الصادق النيهوم  يوم 15 نوفمبر 1994 عن عمر يناهز 51 عاما في جنيف – سويسرا،ودفن في مدينة بنغازي يوم 20 نوفمبر من ذلك العام.