لعل قول المتنبي "والهمّ يخترم الجسيم نحافــة... ويشيب ناصية الصبي ويهرم" أصبح ينطبق على الكثير من الشبان الجزائريين، في وقت تعقدت فيه الحياة الاجتماعية وتفاقمت المشاكل وتراكمت الهموم على الرؤوس حتى من هم في بداية حياتهم، إلى درجة أنهم أصبحوا شيوخا وهم دون الثلاثين.. جمال، وسمير، وفاتح وعبد الملك تلاميذ اشتعلت رؤوسهم شيبا وتدهورت حالتهم النفسية، وإن تعددت أسباب ذلك فإن أكثرها، حسب المختصين، يعود إلى الصدمات النفسية.

سمير، طالب في السنة الثانية ثانوي يقطن في حسين داي، شاب رأسه وهو في الـ17سنة، قالت والدته، إنه أصيب بحالة نفسية سيئة، ما اضطرها للبحث عن حلول وطرق علاجية بالأعشاب لعلاج حالة ابنها. ولدى حديثنا معه، اعترف أنه اضطر إلى العلاج عند طبيب نفساني بعد أن أصبح محل سخرية زملائه. ويقول سمير إن السبب لا يعود إلى حالة وراثية حسب ما أكده له الطبيب، مشيرا إلى أنه منذ وفاة والده دخل في حالة حزن وكآبة كانت نتيجتها في الأخير الشيب المبكر.

ولا يختلف الأمر بالنسبة لجمال الذي فتح قلبه لـ"الشروق"، عندما لفت انتباهنا ونحن نجوب أحد شوارع الجزائر الوسطى، حيث كان يحمل محفظة ظهرية، ملامحه تبدو صغيرة إلا أن رأسه أشبه برأس شيخ في الـ70 قال إنه تفاجأ في البداية بظهور بعض الشعيرات البيضاء في رأسه وهو في الـ16سنة ولم يكترث بالأمر حتى ابيضَّ نصفُ شعره في غضون عام ونصف عام. وعن حالته النفسية قال إنه لا يبالي كثيرا بتعليقات زملائه، لكن أحيانا يرفض في داخله ذلك الشيب الذي لازمه وهو في بداية شبابه.

فاتح تلميذ في ثانوية بالقبة، شعره خليط بين الأسود والأبيض، كشف عن حالة نفسية متدهورة، واعترف أنه دخل في شجارات متكررة مع أصدقاء وزملاء له بسبب الإهانات التي يتلقاها والتعليقات الساخرة عن الشيب الذي غطى جزءا كبيرا من شعره. وقال إنه لم يفكر في زيارة طبيب، وأنه يظن أن سبب ذلك هو استعماله المفرط لـ"الجال" وعطور في شعره. أما عبد المالك الذي غزاه الشيب وهو تلميذ في ثانوية بباش جراح، فقال إنه تحمَّل مسؤولية كبيرة بعد مرض والدته بالسرطان ووفاة والده في حادث مرور. وأن الصدمة كانت كبيرة عندما علم أن والدته مريضة بهذا الداء وأنها مهددة في أي لحظة بالموت. 

وعن أسباب انتشار الشيب بين الشبان، أكد الطبيب مزيان بلكحل، مختص في الأمراض الجلدية، أن حوالي 40 بالمائة من الشبان الجزائريين دون الثلاثين مهددون بالشيب المبكر، وأن 15 بالمائة من غير البالغين ابيضت رؤوسهم بسبب الصدمات النفسية، وأسباب أخرى تعود للوراثة، وسوء التغذية والمواد الكميائية التي توضع على الشعر، كما أن تعاطي المخدرات لدى الشباب ساهم بقدر ما في انتشار ظاهرة الشيب المبكر.  

وفي نفس السياق، أشار الدكتور بوسماحة عبد الله، طبيب عام، إلى أن الشيب المبكر عرف "انتشارا مروعا" لدى الجزائريين خاصة خلال العشرية الحمراء وبعدها، وهو- حسبه- يعود لتعرض الفرد إلى نوبات عصبية وضغط نفسي شديد، حيث تبين أن الشد العصبي العنيف ونوبات الخوف والفزع الكبير المفاجئ تؤدي إلى ظهور الشيب رغم صغر سن الفرد، ويتطور في الانتشار باستمرار النوبات العصبية. كما أرجع السبب أيضا إلى نوعية من الخمائر التي تملك قدرة عالية على أكسدة كمية الميلانين في الشعر بسرعة وهذه الخمائر تفرز في الدم نتيجة الاضطرابات النفسية ما يفسر حدوث شيب سريع الانتشار.

 ونبه ذات المتحدث إلى شيء وهو أن الكثير من الدراسات لم تتوصل بصفة واضحة إلى معرفة أسباب أخرى وراء الشيب المبكر مشيرا إلى أن المخدرات والمواد الكميائية كـ"الجال" وأنواع "الشمبوان" و"صبغة" الشعر كلها لها عوامل سلبية تعزز ظهور الشيب بتأثيرها على خلايا بصيلات الشعر.وحذر الطبيب عبد الله بوسماحة، من الوجبات السريعة التي تفتقر إلى فيتامين "ب" والعناصر الغذائية مثل النحاس والزنك وقال إن اختلالات إفرازات الغدة الدرقية بسبب سوء التغذية والصدمات النفسية تلعب دوراً في انتشار الشيب المبكر.وقال إن عامل الوراثة يفرض نفسه ويؤدي إلى ظهور الشيب المبكر رغم صغر السن، ويرجع ذلك لطبيعة الخلايا المفرزة لصبغة "الميلانين" والتي يتم توريث تركيبتها للأبناء.

*عن " الشروق" الجزائرية