قالت مصادر مطلعة في طرابلس أن فائز السراج مصرّ على البقاء في منصبه كرئيس للمجلس الرئاسي، ويجد دعما من متنفذين في العاصمة والمناطق الغربية، التي ترفض علنا تشكيل سلطات تنفيذية جديدة، وتعلن ولاءها التام للسراج، ولبقائها في السلطة، وتؤكد استعدادها لقطع الطريق أمام أية محاولة قد تصل بشخصية من شرق البلاد مقربة من قيادة الجيش الى منصب المجلس الرئاسي، وشخصية من مصراتة، ثاني مدن الإقليم الغربي، لمنصب رئيس حكومة.

وتابعت المصادر أن عملية صيد الأفاعي التي أعلن وزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا عن قرب انطلاقها، تصطدم برفض السراج والموالين له، رغم أنها تحظى بدعم المجتمع الدولي وحلف الناتو، وستشارك فيها تركيا بعد أن تأكدت من أن قرارا دوليا يدعم الخطة التي تستهدف بالخصوص العناصر المتورطة في الإرهاب والتهريب والإتجار بالبشر والمدرجة في لوائح العقوبات الأممية أو المطلوبة للقضاء في الداخل والخارج

وأردفت أن أغلب تلك العناصر ترتبط بعلاقات وطيدة مع الجناح الموالي للسراج في حكومة الوفاق وخاصة وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، وبعضها ينشط ضمن قوة حماية طرابلس المتحالفة من منطلق جهوي مناطقي مع السراج ضد معسكر باشاغا ومسلحي مصراتة وجماعة الاخوان.

ويهدف السراج الى البقاء في منصبه كرئيس للمجلس الرئاسي مقابل تشكيل حكومة موحدة يرأسها أحد المقربين من قيادة الجيش في شرق البلاد، وهو ما يتناقض مع مخطط البعثة الأممية باختيار سلطات تنفيذية جديدة بما في ذلك رئيس جديد للمجلس الرئاسي يكون من إقليم برقة وآخر للحكومة ويكون من إقليم طرابلس

لكن حسن الصغير، وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة الليبية، قال أن فتحي باشاغا وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق حرض المبعوثة الأممية للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز- على رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج.

وتابع الصغير، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”:” ستيفاني حذرت السراج من مغبة السير في تشكيل حكومة بعيداً عن ملتقى الحوار، السراج والمقربين منه سربوا جزءا يسيرا من فساد وزير المليشيات للإعلام”.

وأول آمس الخميس ناقش رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق مع عدد من أعضاء مجلس النواب الموازي بطرابلس تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على الإعداد للانتخابات، وتوحيد مؤسسات الدولة، وقال مكتبه الإعلامي أمس إن أن الاجتماع تناول الصعوبات التي تواجه الحوار السياسي، وفي هذا الإطار أعرب المجتمعون عن ارتياحهم للاتفاق حول إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تحت إشراف الأمم المتحدة، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بموعد إجرائها في 24 ديسمبر 2021، والتزام كافة الأطراف بنتائجها.

كما ناقش الاجتماع تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على الإعداد وتهيئة الأجواء ولبيئة الآمنة لإجراء هذه الانتخابات، وتوحيد مؤسسات الدولة، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتناول قضية تجميد إيرادات النفط وانعكاساته على عمل الحكومة ووضع الميزانية، كما تم التطرق للاجتماع الذي عقد مؤخراً لمناقشة الشأن الاقتصادي والمالي وسبل توحيد وترشيد الميزانية.

ويسعى السراج الى فرض سياسة الأمر الواقع بتشكيل حكومة وفق مواصفاته الخاصة، ليبقى على رأس السلطة القائمة، وهو ما يتناقض مبدئيا مع خارطة الطريق التي أعدتها الأمم المتحدة وتم التطرف إليها في مؤتمر الحوار السياسي بتونس وما تلاه من اجتماعات

وكان السراج قد أدى الأسبوع الماضي زيارة الى روما بلغ من خلال كبار المسؤولين الإيطاليين وجهة نظره المتمثلة في بقائه في رئاسة المجلس مقابل تكليف شخصية سياسية من شرق البلاد بتشكيل حكومة موحدة تدفع نحو توافق دولي برفع التجميد عن إيرادات النفط وخدمة الأهداف المستعجلة في انتظار تنظيم الانتخابات في ديسمبر القادم

وفي الأثناء، قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالوكالة ستيفاني وليامز أنه «تم انجاز الكثير في تونس خلال جلسة الملتقى من إقرار خارطة الطريق للمرحلة التمهيدية للحل الشامل، وشروط الترشح لمهام السلطة التنفيذية، وصلاحيات السلطة التنفيذية الموحّدة والأهم إقرار موعد للانتخابات والذي يفصلنا عنه 345 يوماً من الان. هذا الإنجاز الذي لن نتنازل عنه وهذا الموعد لإعادة القرار السيادي لأصحابه الشرعيين هو أولى أولوياتنا »

وأضافت في كلمة لها أمام أعضاء اللجنة الاستشارية المجتمعين بجنيف «نعم، لقد أنجز الملتقى الكثير ولكننا، ومنذ اجتماعات تونس لم نشهد أي تقدم حول آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة وراوح الملتقى في مكانه ولهذا ارتأيت انشاء لجنتكم الموقرة للخروج بتوصيات لإيجاد سلطة تنفيذية مؤقتة تتحمل المسؤولية بشكل تشاركي، وليس صيغة لتقاسم السلطة كما اعتقد البعض. نريد صيغة تشاركية لا غالب فيها ولا مغلوب، صيغة العيش المشترك لليبيين من شتى الأصول والمنابت لفترة زمنية محدّدة حتى تعود الأمانة إلى أهلها » وتابعت «نريد حلاً ليبيّ المنشأ ولا يفرض من الخارج، حلا ليبيا، ولن ندخل خلال هذا اللقاء في الأسماء المرشحة لتولّي المناصب القيادية في السلطة التنفيذية الموحّدة ولا أقبل أن يكون للبعثة دور في تسمية السلطة كما يروّج له البعض، هذا قرار ليبي. حل ليبي-ليبي، حل ليبي خالص وأدعوكم للتوصل الى توصيات خلاقة نعود بها إلى الملتقى ليتم التوافق عليها هناك. فالملتقى هو صاحب الحق الأصيل في الوصول بالعملية السياسية إلى غرضهاً»

ولفتت وليامز إلى أن الملتقى أنشأ ثلاث لجان فقط، وهي لجان الصياغة التي شكلت خلال اجتماعات في تونس، واللجنة القانونية التي تجتمع من خلال الاتصال المرئي، واللجنة الاستشارية التي تعقد لقاءها في جنيف، وإن ما يشاع وما يروج له البعض بإنشاء لجنة تسويات، لا يمت للأمم المتحدة بصلة.

ويرى المراقبون أن وزير داخلية الوفاق المفوض فتحي باشاغا والذي عن إطلاق عملية «صيد الأفاعي» يواجه بدوره تحديا كبيرا، فهو وإن كان يلقى دعما دوليا لضرب الجماعات المتورطة في الارهاب والتطرف والتهريب والإتجار بالبشر وخاصة العناصر المسجلة في لوائح العقوبات الأممية والمطلوبة للقضاء في الداخل والخارج، إلا أنه يواجه رفضا من قبل قوى اجتماعية وسياسية وحتى ميلشياوية مؤثرة في غرب البلاد، لأسباب جهوية ومناطقية، وكذلك بسبب الدعم الذي يلقاه من جماعة الإخوان

ويضيف المراقبون أن باشاغا المتطلع لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية بعد الإطاحة نهائيا بالسراج، قد يخسر كل رهاناته بسبب علاقته بالإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان التي ينتمي أغلب قياداتها الى مدينة مصراتة كذلك.

واعتبر الناشط السياسي، جمال الحاجي، أن باشاغا واجهة لمشروع جماعة الاخوان للاستخدام فقط كما فعلوا برئيس ما يسمى بمجلس الدولة السابق عبد الرحمن السويحلي قبل أن ينقلبوا عليه لتمرير اتفاق الصخيرات بجرة قلم، مشيرا الى أن ”استخدام باشاغا جاء لضرب عصفورين بحجر واحد لتقسيم مصراته والتمكين للإخوان المرحلة القادمة بعد خسارتهم المؤكدة بالصناديق”، على حد قوله.

وبالمقابل، تواصل حكومة الوفاق تحديها لمشروع باشاغا، حيث قال وزير الدفاع المفوض صلاح الدين النمروش إنه أبرم اتفاقا مع تركيا على إيفاد عدد ممن أسماهم الضباط الليبيين، لتلقي دورات تدريبية متقدمة في بعض التخصصات التي يحتاجها الجيش الليبي، مشيرا الى أنهم يعملون على اختيار قادة المجموعات المسلحة لتخريجهم كضباط وجنود حسب المؤهلات العلمية، ومن لا يرغب ذلك فيمكنه الاندماج في وزارة أخرى مثل الداخلية والعمل.