اعتبر المشاركون في ندوة نظمت، مساء الجمعة بالدار البيضاء، ضمن فعاليات الدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب حول "المكونات الإفريقية في الثقافة المغربية: التشكل التاريخي والأشكال النوعية"، أن العمق الإفريقي للمغرب يستمد أسسه من قوة العلاقات التاريخية التي تربط المملكة ببلدان جنوب الصحراء.

وأضافوا أن المغاربة كانوا دائما يتطلعون نحو الجنوب، واستطاعوا أن ينسجوا روابط ثقافية وعقدية ودبلوماسية مع بلدان المنطقة، علاوة على الصلات التجارية والاقتصادية، بعد أن جعلوا من التجارة قنطرة للتلاقح الحضاري والروحي، مما أسهم في إثراء الثقافة المغربية، وكانت له تجلياته البارزة حتى في المنتج الثقافي الشعبي.

وأبرزوا أن امتداد المغرب في مجاله الإفريقي، والذي يتجاوز البعد الجغرافي إلى ما هو حضاري وإنساني، أكدته العديد من الأبحاث الأركيولوجية التي استهدفت مناطق مختلفة من المغرب، والتي أبانت عن وجود تطابق في النقوش واللقى الأثرية، وهو ما يثبت أن إنسان الجنوب استوطن بتلك المناطق، وأن المغرب جزء من ضمن كلية تاريخية لا يمكن الفصل بين مكوناتها.

وأكدوا، في هذا الإطار، أنه ينبغي الانكباب على إعادة قراءة الوقائع والمعطيات التاريخية، والعمل على ترميم الأعطاب المعرفية الناتجة عن القطيعة التي شهدتها العلاقات بين الجانبين إبان الفترة الاستعمارية، والتي تميزت بتهميش المحاور التجارية التقليدية بكل حمولتها التاريخية والحضارية، وإنشاء مسارات بديلة على طول الساحل الإفريقي، مما أفرز واقعا قاريا جديدا، يستوجب معاودة استكشاف الذات والآخر، بعيدا عن الأحكام النمطية التي ترسبت في الوعي الجماعي.

وفي السياق ذاته، تساءل المتدخلون عن مدى قدرة الثقافة العالمة على الانفتاح على المنجز الثقافي الإفريقي في كافة صوره، والاستفادة منه لإثراء الإنتاج الوطني عبر استلهام صور وأساليب إبداعية مبتكرة، وعن مدى إدراك الفاعل الاجتماعي والثقافي لأبعاد هويته الإفريقية وقدرته على عكس ذلك في شكل علاقات جديدة مع الآخر الإفريقي وفق رؤية متزنة ومنفتحة.

وأجمعوا على أن السؤال الهوياتي يبقى سؤالا محوريا، والإجابة عنه من شأنها أن تشكل قاعدة لاسترجاع الشعور بالانتماء الإفريقي، والتعامل مع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء كامتداد تاريخي وثقافي واقتصادي، يعول عليه لتحقيق التنمية المحلية، مشددين على أن معطى التاريخ والجغرافيا يحتم تقوية التعاون عبر المحور الإفريقي، وإيجاد الآليات البحثية والتواصلية الكفيلة بردم الهوة التي ظلت تفصل بين شمال القارة السمراء وجنوبها طيلة عقود.

ويأتي تنظيم هذه الندوة في إطار احتفاء المعرض بالبلدان الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا باختيارها لتكون ضيفة شرف الدورة العشرين، إيمانا منه بأن قوة القارة الإفريقية ومستقبلها رهين بتقوية وتكامل جبهاتها الثقافية، باعتبارها مدخلا هاما لمجابهة إشكالات التنمية.

وشارك في تأطير هذه الندوة، التي أدارها الكاتب مصطفى النحال، كل من الباحثة في علوم الاجتماع، فاطمة أيت بلمدني، والباحث في علوم التاريخ، أحمد الشكري، والشاعر والناقد بنعيسى بوحمالة والباحث في معهد الدراسات الإفريقية بالرباط، خالد الشكراوي.