عرف التدخل التركي في الساحة  الليبية منعرجًا خطريًا إثر توقيع حكومة الوفاق الليبية والحكومة التركية، قبل أيام، في اسطنبول، على مذكرتين تنصان على تحديد مناطق النفوذ البحري بين الطرفين، وتعزيز التعاون الأمني بينهما.

 هذا الإجراء الذي اعتبرته مصر واليونان وقبرص، إجراء لا يترتب عليه أي أثر قانوني، فيما اعتبره البرلمان الليبي خيانة عظمى من جانب رئيس حكومة الوفاق وخطراً على الأمن العربي، ورغم أن التدخلات التركية في ليبيا ليست حديثة، إلا أن مراقبين يرون في الخطوة الأخيرة محاولة تركية لشرعنة دعمها العسكري لحكومة الوفاق من جهة، وضمان الوصول إلى مصادر الطاقة في المتوسط والداخل الليبي من جهة ثانية.

من جانبها،تراجعت السلطات الفرنسية عن تسليم 6 قوارب سريعة لجهاز خفر سواحل ليبيا، التابع لحكومة الوفاق الليبية بعد توقيعها اتفاق مع تركيا لحماية حدودها البحرية.

وحسب تقرير نشرته صحيفة "لوموند"، فإن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي كانت قد أعلنت في شهر فبراير/ شباط عن التبرع بالقوارب السريعة التي يبلغ طول الواحد منها 12 مترًا، وهي من طراز "سيلينجر"إلى خفر السواحل الليبي".

وجاء في التقرير، أن "وزارة الدفاع الفرنسية وجهت مذكرة إلى محكمة الاستئناف الإدارية، في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، جاء فيها: إذا كان النقل قد تم اعتباره لمصلحة ليبيا، فقد قرر الوزير عدم تسليم القوارب إلى هذه الدولة".

ومن المرجحأن الاتفاق الجديد بين تركيا وليبيا قد يزيد من تعقيد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة أن الاتحاد يعد عمليات التنقيب التركية شرق المتوسط غير قانونية، وفرض عقوبات اقتصادية على تركيا مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري لمعاقبتها على عمليات التنقيب قبالة ساحل قبرص.

في ذات الصدد،في سياق ذلك، قال الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس، إن بلاده طلبت من محكمة العدل الدولية في لاهاي حماية حقوقها في الموارد المعدنية البحرية، التي تنازعها تركيا السيادة عليها.

وذكر الرئيس القبرصي إن بلاده ملتزمة بحماية حقوقها السيادية بكل الوسائل القانونية الممكنة، مضيفاً:"هذا بالتحديد هو الغرض من شكوانا إلى لاهاي"، موضحاً أن قبرص سعت لتوجيه مذكرة بنياتها للسفارة التركية في أثينا؛ لكنها لم تقبلها، ولذلك أرسلت في وجهة أخرى. وتابع: "هناك دليل على تسلمها، وهذا يعطي قبرص حق التظلم".

في الجانب المقابل،جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الثلاثاء، تشبثه بتنفيذ الاتفاق المبرم بين بلاده وليبيا مؤخرا حول تحديد النفوذ البحري في المتوسط، مهددا حلف شمال الأطلسي "الناتو" بمعارضة أي خطط تعرقله رغم الرفض الليبي والإقليمي للخطوة في مؤشر جديد على الانقسامات العميقة بين تركيا والحلف الذي يستعد لعقد قمة بمناسبة مرور 70 عاما على إنشائه.

جدير بالذكر أن تركيا تدعم الجماعات المتطرفة في ليبيا سرّا منذ سنوات، لكن تدخلاتها في الأشهر الأخيرة باتت علنية فمنذ بدأ العملية العسكرية التي يقودها الجيش الوطني الليبي ضد الجماعات المتطرفة والميليشيات التي تقاتل إلى جانب حكومة السراج في طرابلس منذ أبريل الماضي، زادت أنقرة في وتيرة تسليح الميليشيات في ليبيا وحتى المشاركة ميدانيا بقوات خاصة في مواجهة قوات الجيش التي يقودها المشير خليفة حفتر.

من ذلك،يرى مراقبون أن الأمر لا زال في صيغة مذكرات تفاهم لم ترقَ إلى مستوى اتفاقية دولية نهائية مُودعة لدى الأمم المتحدة إلا أن أنقرة تسعى لاستغلال إعتراف المجتمع الدولي بحكومة الوفاق لوضعه أمام الأمر الواقع حيث تعي السلطات التركية جيدًا وضع الوفاق الهش أمام تقدم الجيش الليبي في محاور طرابلس فهي بالتالي في صراع مع الوقت لحصد أكثر غنائم إلا أن التغييرات المنتظرة في المشهد الليبي ستحول دون كل ذلك خاصة مع هشاشة وضع الحلفاء الإسلاميين في المنطقة بأسرها فضلا عن ضعف الجبهة الداخلية التركية و كثرة خلافاتها مع القوى الدولية.