إن الذي يمعن النظر في التدخلات الأمريكية في ليبيا في ظاهرها الخارجي وبروباغاندتها الإعلامية، يرى عنوان عريضا واضحا اعتبره الكثيرون "تعلة لتبرير الفشل الفادح" في العلاقة الأمريكية مع الملف الليبي منذ اندلاع أحداث 2011، و دخول البلاد في "فوضى عارمة مع كثرة الأطراف الخارجية المتداخلة ،فكان الغطاء الأمريكي للتدخلات "المحدودة" ظاهريا محاربة التنظيمات الإرهابية،لإعادة استقرار البلاد حيث استهدفت القوات الأمريكية  في محطات عدة، 13 نوفمبر 2015 و 19 فبراير 2016 و 1 أغسطس 2016،و غيرها من الغارات الموجهة على عدة أهداف لداعش في ليبيا.لكن ذلك لم يساهم في حلحلة الأزمة الليبية العالقة، ما يطرح تساؤولات كثيرة عن دور إدارتي الرئيسين السابقين لأمريكا باراك أوباما و دونالد ترامب في الملف الليبي.
أوباما..الملف الليبي"أسوأ" أخطائي
"أخطأنا في ملف ليبيا.. الفشل كان في التخطيط للأيام التي تأتي بعد سقوط القذافي" هكذا اعترف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما (الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية من 20 يناير 2009 وحتى 20 يناير2017) أشهرا قليلة قبل نهاية ولايته، اعتراف اعتبره الخبراء والمحللون دليلا على فشل الإدارة الأمريكية، باعتراف من رئيسها، في التعامل مع الملف الليبي.
تعرض باراك أوباما لانتقادات داخلية منذ بداية الأزمة الليبية ومشاركته في التدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا حيث تقدم نواب أميركيون بشكوى أمام محكمة فدرالية في واشنطن على قرار الرئيس باراك اوباما الذي تجاوز موافقة الكونغرس للبدء بعمليات عسكرية في ليبيا. وتدعو الشكوى إلى "حماية الشاكين والبلاد" في مواجهة سياسة أوباما في ليبيا. وآخذ أصحاب الشكوى،وهم عشرة نواب من الحزبين أبرزهم الديمقراطي دنيس كوزينيتش وزميله الجمهوري والتر جونز، على الرئيس اتخاذ قرار "بشكل أحادي" عبر إرسال قوات أميركية لمقاتلة نظام معمر القذافي "من دون إعلان حرب من جانب الكونغرس"، الأمر الذي يشكل في رأيهم انتهاكا للدستور.
وأكد النواب أيضا أن سلوك الإدارة ينتهك معاهدة حلف شمال الأطلسي التي صادق عليها الكونغرس الأميركي، وان استخدام الأموال للعمليات في ليبيا من دون موافقة الكونغرس يناقض الدستور معتبرين أن اوباما لم يحترم قانون 1973 الذي وضع للحد من سلطات الرئاسة في شأن إعلان الحروب. من جانبه، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الأميركية أن البيت الأبيض سيسلم الكونغرس وثائق لتوضيح الخطوة التي قام بها في ليبيا، بينها تفسير قانوني يؤكد أن الرئيس باراك أوباما لم يتجاوز صلاحياته.
اعتبر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن التدخل في ليبيا من أجل إسقاط نظام معمر القذافي، قد حقق "النتائج المرجوة منه وهي تنحية القذافي من الحكم"، مستدركا بأن الوضع في ليبيا خرج عن السيطرة و تحول إلى "فوضى". هذه التصريحات" السلبية إلى حد ما" و التدخلات المحدودة التي لم ترقى إلى تطلعات الليبيين و لا التطلعات الإقليمية و العالمية و كشفت رغبة الرئيس الأمريكي في"تنحية القذافي من الحكم" أكثر منها تهدئة البلاد و حل أزمتها" المزمنة". و ألقى أوباما بشماعات الفشل على الأوروبيين حيث قال في إحدى تصريحاته أنه كان يعول عليهم بشكل كبير"للقيام باستثمار التدخل والتفكير في مرحلة ما بعد القذافي"، وذلك بالنظر إلى القرب الجغرافي من ليبيا، معبرا عن انتقاده للأوروبيين "لأنهم لم يقدموا على أي خطوة لإنهاء الفوضى".
ولعل وثائق هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة التي أفرج عنها من قبل داخلية ترامب ليطلع عليه الرأي العام، فجرت كل الحقائق و أجابت بوضوح عن التساؤولات و كشفت للعيان أسرار العلاقات بين أوباما وهيلاري وكلا من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي و قطر وجماعة الإخوان، بهدف نشر الفوضى في الشرق الأوسط والإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي بليبيا، الذي بدأت شعبيته تزداد و ثروته ومخزون بلاده النفطي يزداد خاصة بعد تأميميه للنفط و كل القطاعات الاقتصادية مضيقا بذلك الخناق على الشركات العالمية، فكان لا بد لهذه الأطراف من "الحفاظ على مصالحها و فرض هيمنتها على إفريقيا" فأحدثت الفوضى في ليبيا لكنها لم تحسن"التخطيط" لكبح جماحها ما أدخل البلاد في سراديب الصراعات و التشتت.
دونالد ترامب..لا أرى" دورا لأمريكا في ليبيا"
لم يكن للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مساهمات تذكر في حلحلة الأزمة الليبية و قد اعترف بفشله في ذلك قبيل تنحيه. و مع تولي دونالد ترامب زمام الولايات المتحدة الأمريكية (الرئيس الخامس و الأربعون لأمريكا من 20 يناير 2017 إلى 20 يناير 2021)،تطلع الكثيرون بآمال كبيرة لعهدة جديدة ستقطع مع "الفوضى" وتحد من تمركز الإخوان. لكن ترامب صدم الجميع بتصريحه الشهير في 20 أبريل 2017، مع رئيس الوزراء الإيطالي السابق باولو جينتيلوني حين طالبه بدور أكبر في الملف الليبي فأجاب ترامب بأنه لا يرى "دورا لأمريكا في ليبيا"، وأضاف أن الولايات المتحدة "تقوم حاليا بالعديد من الأدوار بما فيه الكفاية في أماكن مختلفة من العالم"، مفيدا في تصريح لاحق أن" الدور الأمريكي هناك يقتصر على محاربة الإرهاب، والجماعات المسلحة فقط". فوضع بذلك الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب نقاط استراتيجيته" السلبية" على حروف الأزمة الليبية التي تعمقت ودخلت في منعرجات خطيرة من الحروب و الصراعات.
ورغم تنامي التدخلات التركية عسكريا واقتصاديا وتغلغل ميليشياتها في المشهد الليبي بطرابلس، وقفت الإدارة الأمريكية في عهدة ترامب موقف المراقب رغم ما تمثله العاصمة طرابلس من أهمية للشريك الأمريكي"الغائب". وقد أصدر بريكينج ديفينس، الموقع الأمريكي المعني بالتحليلات السياسية، والمتخصص في القضايا العسكرية والجيواستراتيجية، تقريرا يندد بالموقف الأمريكي "الضبابي" وأوصي فيه الإدارة الأمريكية بضرورة صياغة موقف مباشر من الأزمة الليبية المحتدمة.
لم تلاقي المناشدات المتواصلة من العديد من الدول على غرار مصر لحث الرئيس الأمريكي على الإنخراط في كواليس الصراع آذانا صاغية رغم سعيه أحيانا و تحركه في مناقشة الأزمة مع أطراف الصراع المحلية و الدول المتداخلة، لكن تلك النقاشات لم تتجاوز الشكلي إلى الفعلي مع أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ترحب في بياناتها بكل خطوة إيجابية يتقدمها الملف الليبي محافظة بذلك على"ضبابية" موقفها في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقد شاركت وزارة الخارجية الأمريكية في بعض المحادثات بشأن مستقبل ليبيا، حيث شارك وزير الخارجية مايك بومبيو، هذا العام، في قمة ليبيا التي استضافتها برلين، والتي وضع خلالها خطة لوقف إطلاق النار، و التي فشلت لاحقا،و من بين الدول المشاركة فرنسا وروسيا وتركيا.
كشف العديد من المسؤولين و قادة بعض الدول في تصريحات خاصة أن دونالد ترامب أكد بأنه يفضل تجنب التورط في الحرب الليبية قبيل الانتخابات الرئاسية، خاصة أنَّ كثيرا من القضايا الداخلية تثقل كاهله، وحثَهم على تسوية المسألة بأنفسهم، مفيدا أنه سيدعم الحلول التي يتوصلون إليها، مما زاد من "غموض" موقفه تجاه الملف الليبي.
من جانب آخر يرى الخبراء و المحللون أن تدخل إدارة ترامب كان"نشيطا" خاصة في الآونة الأخيرة حينما عمقت الأزمة مشاكل النفط و أوقفت إنتاجه، و مع تراجع مخزونات النفط الخام الأمريكي، حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وجدت أمريكا نفسها ملزمة على التدخل في الأزمة الليبية، حيث أعلنت واشنطن في بيان لها معارضة البيت الأبيض بشدة التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا وحقولها النفطية، مشيرة إلى متابعة شخصية من الرئيس دونالد ترامب للملف الليبي بالتواصل مع عدة قادة حول العالم.و تباحث وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو مع نظيره المصري سامح شكري في محادثات سبل وقف دائم وفوري لإطلاق النار في ليبيا للحفاظ على استقرار المنطقة بأكملها.
وفي حركة أخرى، كانت العقوبات المالية التي فرضتها الخزانة الأميركية على شبكة تهريب ليبية في مالطا كانت إشارة لتعمق الإدارة الأمريكية في الصراع الليبي،إذا أكدت بشكل مباشرأنها ستواصل اتخاذ إجراءات ملموسة ضد أولئك الذين يقوضون السلام والأمن والاستقرار في ليبيا. وقال مستشار الأمن القومي لترامب، روبرت أوبراين، في بيان له، إن الولايات المتحدة تعارض بشدةٍ "التدخل العسكري الأجنبي، ومن ذلك استخدام المرتزقة والمتعاقدين العسكريين الخاصين، من جانب أي طرف".و شدد أوبراين على أن الولايات المتحدة "طرف فاعل ولكنه محايد" في الصراع الليبي، مشيرا في بيانه، إلى أنه "من الواضح أنه لا يوجد جانب رابح" في الأزمة الليبية.
حسب الآراء والتقارير وتصريحات الخبراء لم يكن التدخل الأمريكي في عهد الرئيسين السابقين "مهما إلى حد ما" فبعد تدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومساهمته في الإطاحة بالعقيد معمر القذافي وجد نفسه"عاجزا عن حلحلة الأزمة" بعد تفشي "الفوضى" و اكتفى بمطاردة أوكار داعش، أما الرئيس دونالد ترامب فتميز موقفة بالغموض والضبابية و "الفاعل المحايد" حسب تعبير مستشار أمنه القومي، فانتهت فترة كلا الرئيسين دون أن تثمر مساهمة ملموسة في حل جذري للأزمة الليبية.ومع انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن تبقى تطلعات المجتمع المحلي والإقليمي والدولي لتدخلات جادة وبناءة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية قائمة للدفع بالاتفاقات والحلول التي توصلت إليها الأزمة الليبية"المرتحلة" من بر لآخر بحثا عن "الحل السياسي السلمي" الذي يعيد لليبيا، صاحبة أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا، استقرارها.