رغم فقدان التنظيمات الارهابية وعلى رأسها تنظيمي "داعش و"القاعدة" لمراكزها الثابتة في ليبيا،فإن هذه التنظيمات مازالت تتمتع بحضور وانتشار في الداخل الليبي، يسمح لها بالعمل الدائم على تنفيذ عملياتها الارهابية التي تستهدف تعويض الانكسارات والخسائر التي منيت بها خلال الفترة الماضية،مستغلة في ذلك عامل الفوضى الذي مازال يعصف بالبلاد في ظل تواصل الانقسامات.

إلى ذلك،عادت العناصر الإرهابية للظهور مجدداً في ليبيا؛ من خلال هجوم على بلدة غدوة جنوبي مدينة سبها، فجر اليوم الاثنين، ما أدى إلى مقتل شاب وخطف 3 أشخاص آخرين.وقالت تقارير إعلامية إن المجموعة المهاجمة كانت تستقل 10 سيارات دفع رباعي أغلبها مصفحة، واشتبكت مع الأهالي، ما أدى إلى مقتل الشاب محمد عبد الله هنقام.

وأضافت المصادر أن القوة المهاجمة داهمت منزلين لشخصين مطلوبين بالاسم لديها، وقامت باحتجازهم، إضافة إلى احتجاز شاب ينتمي للتيار السلفي ، وقطع الاتصالات عن المنطقة.وأفاد المواطن أحمد أبو عزوم في منشور له على صفحته بموقع "فيسبوك" بأن عناصر من داعش داهموا منزله ومنزل جده، ومنازل أخرى، وأقدموا على خطف شخص وقتلوا جاره محمد عبدالله هنقام.

يشار إلى أن بلدة "غدوة" (60 كم جنوب) تعرضت لعدة هجمات مسلحة من قبل عناصر داعش وعصابات تشادية، كان آخرها الأسبوع الماضي،حيث شن مسلحون هجوما عنيفا على المدينة وقاموا بمداهمة بيوت أحد عائلات المدينة، واخذ المطلوبين وهم ثلاثة أشخاص من عائلة الصالحين وسرقة كل ما يصادفهم من مال واكل.

ونقلت وسائل إعلامية عن شاهد عيان أن المجموعة كانت ملثمة ولهجتهم من الشرق وهم من بقايا سرايا بنغازي مع أفراد من المرتزقة التشادية، وتم اختطاف ثلاثة أشخاص من المدينة وهم عبدالسلام محمد الصالحين، ومسعود على سعد، وناصر عبدالسلام عبدالله، وإصابة إبراهيم على سعد أخ المخطوف مسعود على سعد، وهو في حالة حرجة، تم نقله إلى مركز سبها الطبي.

ودفع الهجوم بآمر منطقة سبها العسكرية اللواء المبروك الغزوي،لإصدار تعليماته لكافة الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية المكلفة بالعمل بالغرفة بالتعامل مع أي مصدر للنيران بالمثل فور وقوعها.وطالب الغزوي في بيان أصدره الأحد الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية بالضرب بيد من حديد لأي مجرم يتطاول على المكلفين بتوفير الأمن للمواطن أثناء تأديتهم لواجبهم الوطني.

يشار إلى أن مدينة غدوة تقع على بعد 60 كم جنوب شرقي مدينة سبها،وكان الجيش الليبي قد أعلن،مطلع فراير الماضي،سيطرته على هذه المنطقة إثر اشتباكات دامت 7 ساعات مع ميليشيات تشادية ألحق بها خسائر كبيرة فيما فقد 3 من عناصره خلال هذه المواجهات. 

ومهدت سيطرة الجيش الوطني الليبي على منطقة غدوة الطريق نحو السيطرة على مناطق أم الأرانب ومرزق وتراغن،وتحرير الجنوب بالكامل من العصابات وشبكات الإرهاب والتهريب والاتجار بالبشر، وإعادة أجهزة الدولة الليبية لحدودها الجنوبية التي كانت تشكو الاستباحة على امتداد أكثر من سبع سنوات.

ويأتي الهجوم الأخير على بلدة غدوة في أعقاب تحذير كل من بريطانيا والولايات المتحدة مواطنيها من السفر إلى ليبيا؛ بسبب "هجوم إرهابي" وشيك قد يستهدف مؤسسات حكومية في طرابلس.وحذرت وزارة الخارجية البريطانية،الأحد، عبر سفارتها في طرابلس،مواطنيها من السفر إلى ليبيا، مطالبة في ذات الوقت الرعايا البريطانيين الذين ما زالوا في ليبيا بمغادرتها فوراً.ورجحت الخارجية حدوث هجمات إرهابية في ليبيا، موضحة أن هذا التحذير مستمر منذ عام 2014، بسبب الحالة الأمنية الهشة في البلاد.

وبدورها حذرت السفارة الأمريكية،من وقوع عمليات إرهابية في العاصمة الليبية، داعية المواطنين الامريكيين الى عدد من الإجراءات الواجب اتخاذها منها تجنب المناطق المحيطة بالحكومة والمباني والمؤسسات الوطنية الأخرى خاصة قرب مكتب البريد المركزي . كما طالبت السفارة رعاياها بمتابعة وسائل الإعلام الليبية المحلية للحصول على التحديثات الإعلامية للاوضاع الأمنية في محيطهم.

وتؤكد هذه العمليات الإرهابية،من جديد تخوفات كثير من السياسيين والمحللين، بشأن عدم انتهاء الحرب عملياً ضد التنظيمات الإرهابية، وأن عناصرها الهاربة من درنة وبنغازي وسرت تلملم نفسها وتتمركز في مناطق عديدة من البلاد، ومن ثم الانطلاق لتنفيذ عمليات خاطفة ومباغتة ضد أهداف تختارها بدقة.

المخاوف المحلية من خطورة تواجد التنظيم الإرهابي في ليبيا،توازيها مخاوف إقليمية ودولية من هذه الحقيقة، خاصة أن التنظيم تلقى ضربات وهزائم كبيرة في كل من العراق وسوريا،وسقطت كبرى معاقله هناك،وبذلك تعززت فرضية هروب عناصره من مناطق الحرب هناك وتسربهم إلى ليبيا، ومنها إلى دول الجوار والدول الغربية.

وكان رئيس الحكومة الإيطالي، جوزيبي كونتي،أعلن خلال   لقاء مع طلاب جامعة "لويس غويدو كارلي" في روما، الأربعاء الماضي،أن مقاتلي تنظيم "داعش" الأجانب العائدين من سورية يشكلون خطرًا في مناطق جغرافية قريبة من إيطاليا جنوب المتوسط، بينها ليبيا.وقال كونتي،إن "من بين التهديدات الرئيسية، تلك ذات الطابع (الجهادي)"، معتبرًا أنه مع تطور الوضع في سورية، وزوال التنظيم الإرهابي جغرافيًا، فإن "الكثير من المقاتلين الأجانب يتنقلون في مناطق قريبة جغرافياً منا، ولهذا السبب أشعر بالقلق إزاء ليبيا ولن أستهين، على الإطلاق، من مخاطر عدم الاستقرار في الجزائر.

وقبل ذلك نشر مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية المقرب من الاستخبارات،تقريرا حذر فيه من انتقال عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد هزيمته شبه النهائية في سورية والعراق، إلى دول الساحل الإفريقي، محذرة من "بيئة خصبة" في ليبيا مع بقاء انتشار تنظيمات مسلحة في عدة مناطق.

ومنذ منتصف يناير الماضي،أطلق الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عمليات عسكرية في الجنوب الليبي بهدف تطهيره من التنظيمات الارهابية والعصابات الاجرامية التي تمركزت فيه.وحققت القوات المسلحة انتصارات متتالية وتمكنت من تحرير أغلب مدن الجنوب لكن العديد من العناصر الارهابية الفارة مازالت تمثل خطرا في البلاد وهو ما أثبتته الهجمات الأخيرة على منطقة غدوة.

ويمكن القطع بأن الحرب على التنظيمات الارهابية والعصابات الاجرامية في ليبيا لم تنتهِ بعد، بالفعل،وتبقى بذلك إمكانية حدوث عمليات إرهابية في عدد من مناطق البلاد قائمة، كرسائل يؤكد بها أنه لايزال موجودا وقادراً على الفعل.ويبقى السبيل الأضمن للقضاء على التنظيم نهائيا بحسب المراقبين مرتبطا بتوحد الليبيين وإنهاء حالة الفوضى.