في جزء ليس ببعيد من الشمال الغربي لليبيا، بين خطي طول (15.00 و15.30) شرقاً، وما بين دائرتي عرض (32.00 و32.30) شمالاً، تقع مدينة ليبية تاريخية عـــريقة، تمتد جنوب مدينة مصراتة على بعد 38 كم ويـحدها من الشرق "خليج سرت" ومن الغرب الحدود الإدارية لبني وليد ومن الجنوب الحدود الإدارية لسرت، وتتخذ شكلاً أقرب إلى المثلث، قاعدته في الشمال ورأسه في الجنوب، تسمى بـ "تاورغاء". مرت هذه المدينة وأهلها -تاورغاء-بالعديد من المحن عبر مر العصور، بداية من الحملات العباسية إلى الاحتلال الايطالي لليبيا مرورا بـ معركة فندق الجمل، ومعركة السوق القديم، وصولا إلى نشوب عداوة بينها وبين مدينة مصراتة سنة 2011، تسببت في تهجير أهالي تاورغاء من المدينة لنحو 9 سنوات.


ومن جديد عدنا لمدينة تاورغاء لتسليط الضوء على أحد أهالي المدينة والتي تلقب بـ" المرأة التاورغية الحديدية" نظرا لما تحملته من معاناة وواجهته بكل صبر وإيمان.

الحاجة "سالمة فرج المصراتي" أو "المرأة التاورغية الحديدية"، أبت أن تقضي عطلة العيد بعيدة عن بيتها ومدينتها يوما أخر بعد التهجير القسري الذي لحقها لـ 9 سنوات، فقامت بنسج بيتا من الشعر لتقيم فيه هي وعائلتها بعد أن تدمر بيتها بالكامل في 2011.

وتحكي الحاجة سالمة، إنها قضت شهران متكاملان في صناعة وحياكة بيتها، حيث قضت عاما كاملا في جمع 27 شوال شعير، ثم بدأت في جرد وطرح الكتان الأحمر ثم الأبيض عليه، وبعد ذلك انتقلت لمرحلة ضرب الكتان لحياكة الخيمة بالكتان المنقرش، ليظهر لنا في النهاية بيتا أو خيمة ليبية أصيلة تحمل عبق التاريخ والموروث الليبي.


وعن قصة معاناتها خلال سنوات التهجير قالت الحاجة سالمة باختصار شديد، أنها أقامت قبل أن تقرر العودة لمدينتها الأم، نحو أربعة أشهر بمخيم قرارة القطف، سبقتها أشهر أخرى في مدن ليبية مختلفة من بينها سبها وسرت، متقدمة بالتحية والدعاء لكل ما عاونها وأعانها خلال مدة تهجيرها.

وقالت الحاجة سالمة، أن الأوضاع في قرارة القطف كانت في غاية الصعوبة خاصة في ظل الرياح والأمطار في فصل الشتاء، ولكنها سعيدة بالفوز والتتويج في النهاية بالعودة الصورية لمدينتها، حيث نصبت بيتها أو خيمتها في باحة مزرعتها وبجوار بيتها المدمر والذي تم حرقه بالكامل، لتقضي إجازة العيد داخل هذا البيت هي وأفراد أسرتها وأحفادها لتحاكي ماضي جميل وحاضر ملئ بالأحزان، وخاصة بعد تصفية أحد أبنائها إبان أحداث عام 2011 بحادثة الصور المعروفة بمدينة سرت.

الحاجة سالمة رغم آلامها وبكلمة واحدة قالت لنا "اللهم هني البلاد ونجي العباد" ولم تدعى على من ظلموها وقتلوا ابنها وسجنوا ابنها الآخر إلا بالهدايا... واختتمت حديثها معنا بدعوة قائلة "ربي يبعد عنا المصائب، ويهدي من خلق، يا فتاح يا وهاب، يا خالق الأرض والسحاب، افتح علينا الأبواب المصكرات يا الله".