يشن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي عملية عسكرية بهدف تحرير العاصمة الليبية من قبضة المليشيات المسلحة التي تسيطر عليها منذ سنوات.وفي الوقت الذي تستمر في الاشتباكات في عدة محاور في طرابلس،يوجه الجيش الليبي بين فينة وأخرى ضربات قوية تمركزات قوات الوفاق في مدينة سرت.
الى ذلك،أعلن الجيش الوطني الليبي أنه قصف مواقع للميليشيات في قاعدة القرضابية الجوية في منطقة سرت، الأربعاء، مما أدى إلى تدميرها بالكامل.وأضاف الجيش في بيان أن مقاتلاته "تمكنت في صباح الأربعاء من ضرب المواقع المستهدفة بدقة"، وهي "غرفة عمليات عسكرية تستخدم للتحكم في الطائرات المسيرة وبعض المواقع تستخدم للتخزين وإخفاء الطائرات المسيرة وملحقاتها من الهوائيات ووسائل القيادة الجوية".
وأكد الجيش إلى أن الضربات الجوية أدت إلى "تدمير الأهداف المختارة حسب أمر العمليات بالخصوص وتم القضاء على التهديد الذي تشكله".مشيرا الى إن الهدف الرئيسي من "تنفيذ هذه الضربات الموجعة هو تدمير القدرات والإمكانات، وحرمان الميليشيات الإرهابية والإجرامية من بناء قدراتها ومن المناورة واستهداف قواتنا ومنع تحركاتها".
 ومنذ حوالي شهرين، امتد القصف المتبادل بين طرفي النزاع إلى مدينة سرت، بعد أن كان مقتصراً على العاصمة طرابلس، وتعرضت مواقع الوفاق في سرت إلى عدة هجمات جوية من طرف الجيش الليبي، علما أن المدينة تسيطر عليها "قوة حماية وتأمين سرت" المشكلة من قوات عملية "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة السراج.
وتعتبر مدينة سرت من أهم مناطق تمركز القوات الموالية لحكومة الوفاق،وعانت المدينة الساحلية من ويلات الإرهاب بعد سقوطها في قبضة تنظيم "داعش" الارهابي الذي جعل منها أهم معقل له في ليبيا والمنطقة،حيث مارس فيها جرائمه البشعة التي مازالت عالقة في اذهان الليبيين.وعلى الرغم من الاستقرار النسبي الذي تشهده المدينة منذ تحريرها،الا أنها ما زالت تئن من مخلفات الحرب،والمخاوف المتواصلة من مخاطر مازالت قائمة.
وكانت التقديرات تشير الى أن وجهة الجيش الليبي بعد تحريره مدينة درنة ستكون مدينة سرت،فقبيل الإعلان الرسمي عن انطلاق معركة طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، نشر المكتب الإعلامي للجيش الوطني الليبي تسجيلات مصورة لقوات تتحرك على طريق ساحلي من بنغازي، المدينة الرئيسية في شرق البلاد، نحو الغرب.ونقلت وكالة "رويترز" حينها عن أحد سكان رأس لانوف، وهي بلدة نفطية في شرق البلاد تقع على الطريق الساحلي، قوله إنه رأى "دبابات وأرتالا عسكرية مدججة بالأسلحة الثقيلة متجهة نحو غرب ليبيا في اتجاه مدينة سرت".
لكن سرعان ما فاجأ الجيش الليبي الجميع،باعلانه عن اطلاق معركة "طوفان الكرامة" في العاصمة الليبية طرابلس، انطلاقا من الجنوب، بينما ظلت القوافل التي أظهرها تسجيل مصور نشره مكتب الإعلام بالجيش، وتضم مركبات مدرعة وشاحنات عليها أسلحة ثقيلة مرابطة على الحدود مع سرت.
وفي أواخر أبريل الماضي،وجهت غرفة عمليات سرت الكبرى التابعة للجيش الوطني الليبي تحذيرًا شديد اللهجة إلى قوات حكومة الوفاق المتواجدة داخل مدينة سرت.وأمهلت الغرفة التي يقودها اللواء سالم ذرياق الفرجاني، مليشيات ما يسمى "قوات البنيان المرصوص وقوات حماية سرت" 48 ساعة لتسليم أسلحتها للجيش ومغادرة المدينة.
ونقل موقع "ارم نيوز" عن المتحدث باسم غرفة الخليج العسكرية التابعة للجيش الليبي حسن بن طاهر تأكيده صدور التحذير، مشيرًا إلى أن كل من يخالف الأوامر من المليشيات ولا يمتثل لها يتحمل مسؤولية ما سيحدث.فيما قالت مصادر إعلامية محلية إن أرتالا مسلحة شوهدت تخرج من مدينة مصراته باتجاه مدينة سرت، التي تعد البوابة الشرقية لمدينة مصراته، تحسبًا من هجوم وشيك للجيش الوطني الليبي.
ويشير مراقبون الى أن الجيش الليبي لا ينظر إلى سرت على أنها معقل للإرهابيين فحسب، بل لأهميتها الاقتصادية أيضًا؛ حيث تطل المدينة على البحر المتوسط شمالا، من ثم تسمح السيطرة عليها بتضييق الخناق على الإرهابيين وتغلق أمامهم أهم أبواب ومنافذ التمويل والدعم، يضاف إلى ذلك قربها الجغرافي من الهلال النفطي، وهو ما يقلق الجيش الليبي من احتمالية تنفيذ هجمات مرتدة منطلقةً من المدينة على الهلال.
وأكد الناطق باسم القيادة العامة للجيش الوطني، اللواء أحمد المسماري، إن القوات البحرية قامت بمسح على سواحل سرت لمنع أي خروقات،مبينا أن هناك أهداف تحت الدراسة لتدميرها، داعيا المواطنين للابتعاد عن مواقع الجماعات المسلحة.وأضاف المسماري موجها حديثه للجماعات المسلحة،"تحركاتكم بالكامل تحت أعين القوات المسلحة وسيتم استهدافكم بأي لحظة وبأي مكان تتواجدون فيه".
وفي غضون ذلك،تتواصل المعارك على تخوم العاصمة الليبية وسط تقدم ملحوظ للجيش الليبي مع سيطرته على مواقع جديدة في مقابل تقهقر القوات الموالية لحكومة الوفاق.حيث أعلن الناطق باسم الجيش الليبي  أحمد المسماري، الأربعاء ، سيطرة قوات الجيش على عدة محاور أثناء الاشتباكات الدائرة مع قوات الوفاق جنوب العاصمة طرابلس.
وأوضح المسماري،خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي أن قوات الجيش تنفذ مهامها في طرابلس بشكل ممتاز،وأن تحركات قوات الوفاق بالكامل تحت أعين الجيش وسيتم استهدافها في أي وقت وأي مكان.وأضاف أن قوات الجيش تسيطر الآن على المحور الرابط بين العزيزية وطرابلس، وطريق وادي الربيع بالكامل،وقد أحبطت تقدما لقوات الوفاق نحو مصنع الأسمنت بسوق الخميس، مشيرا إلى أن قوات الوفاق تنهار وتتخبط أمام ضربات قوات الجيش.
وكانت غرفة عمليات الكرامة، التابعة للجيش الليبى،أعلنت الأحد 10نوفمبر 2019، سيطرتها  الكاملة على منطقة سوق الخميس مسحيل جنوب طرابلس، مع استمرار مطاردة الميليشيات بشكل كامل من المنطقة ومحيطها، وذلك بعد محاولات فاشلة من الميليشيات؛ لوقف تقدم الجيش الوطني الليبى.في وقت سابق الخميس 7 نوفمبر 2019 تمكن الجيش الليبي من السيطرة على "مشروع الهضبة" جنوبي وسط طرابلس، الذي يضم منطقة أحياء سكنية، بعد السيطرة على معسكر اليرموك، كما سيطر بالكامل على منطقة العزيزية.
وفي وقت سابق، دفع الجيش الوطني الليبي بتعزيزات من قوات المشاة، إلى محاور القتال بالعاصمة طرابلس؛ لدعم صفوفه، واستمرار التقدم في مواقع جديدة، فدفع باللواء 73 مشاة، وسريتين من الكتيبة 409، حسب بيان المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة.وقبل ذلك أعلن الجيش الليبي وصول قوة الاقتحام 35 التابعة للواء 73 مشاة إلى محاور القتال في طرابلس، لدعم قوات الجيش الوطني المرابطة هناك.كما بثت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش، لقطات مصورة لتحرك سرايا الإسناد باللواء المُجحفل 106 والكتيبة 166 بعد استكمال تجهيزها، دعماً لوحدات قوات الجيش المُنتشرة في محاور العاصمة.
وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع تصريحات مسؤولين عسكريين حول قرب حسم المعارك في طرابلس،ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،الأحد الماضي، عن قائد عسكري بارز في الجيش الوطني الليبي، قوله أن قوات الجيش "أفقدت الميليشيات قدرتها على القيام بأي هجوم كبير"، مشيراً إلى أن "الأيام المقبلة" ستشهد ما وصفه بـ"طفرة نوعية في مستوى العمليات القتالية لمختلف وحدات الجيش بمحاور القتال" قرب طرابلس.
 وكان القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر قد أكد في وقت سابق في حوار مع صحيفة "اندبندنت عربية" أن موعد تحرير طرابلس قد حان وسيتم دحر الميليشيات من المدينة عاجلاً وليس آجلاً، لافتا إلى أن الجيش يحارب وفق خطة عسكرية دقيقة تضع في أولوياتها سلامة المواطنين من سكان العاصمة ومنشآت المدينة ومرافقها.وأوضح حفتر أن الجيش الليبي يعمل على استدراج المجموعات المسلحة خارج العاصمة لتجنيب المدينة الدمار وتجنيب سكانها الأذى، قائلا "نجحنا في ذلك وألحقنا بها خسائر فادحة، وهي الآن تحتضر".
وتتوصل المعارك في العاصمة طرابلس منذ اشهر،وفشلت كل الدعوات الأممية لوقف اطلاق الار والعودة الى الحوار.وانتقد المبعوث الأُممي إلى ليبيا "غسان سلامة"، مجلس الأمن الدولي واصفا إياه ب "العقيم"، وعبر عن انتقاده لما وصفه ب "عجز" مجلس الأمن الدولي، في التعامل مع الملف الليبي.
وقال سلامة، في تصريحات مع الإذاعة الجزائرية:"مجلس الأمن الدولي عقيم، وعجز عن إيجاد حلول للعديد من الملفات المطروحة على طاولته أبرزها الملف الليبي الذي عجز بعد 14 اجتماعا عن الخُروج بقرار حول القضية".ودعا سلامة، الدول الكبرى إلى ضرورة الاتفاق حول الملف الليبي دون اتخاذ القرارات بدل الليبيين.
وتسعى ألمانيا الى عقد مؤتمر دولي في وقت لاحق في محاولة جديدة لاختراق جدار الأزمة الليبية وانهاء حالة الصراع والانقسامات في البلاد.ويشير مراقبون الى أن جهود التسوية في ليبيا تبقى غير مجدية في ظل استمرار وجود المليشيات المسلحة التي تسيطر على مؤسسات الدولة وتقف عائقا أمام توحيدها،ويؤكد هؤلاء أن انهاء سطوة المليشيات من شأنه اعادة البلاد الى الطريق الصحيحة نحو اعادة البناء وتحقيق الأمن والاستقرار.