مازالت التدخلات الخارجية تلقي بظلالها على الصراع الليبي مع دعوات دولية للعودة الى طاولة الحوار للخروج من الأزمة المتصاعدة في وقت يصر فيه الجيش الوطني الليبي على مواصلة عملياته العسكرية التي تسعى لانهاء نفوذ المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية في العاصمة طرابلس واستعادة مؤسسات الدولة.
 وفيما يبدو أنه بمثابة استجابة لطلب من حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فائز السراج، بالوساطة لوقف القتال في العاصمة طرابلس، أعلنت واشنطن "استعدادها لدعم الحوار السياسي الليبي".وقال بيان للسفارة الأميركية، مساء أول من أمس، إنه "وبناءً على طلب ليبيا، فإنّ السفارة الأميركية مستعدة لتقديم دعمها الكامل لهذا الحوار السياسي الليبي.
وأشار البيان إلى أن السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، أكد أيضاً أنّ الصراع المستمرّ "يقوّض الحرب الأميركية - الليبية المشتركة ضدّ الإرهاب، ويضرّ باحتمالات تعافي النمو الاقتصادي في ليبيا"، على حد تعبيره. وكشف نورلاند أنه عقد ما وصفه باجتماع مفيد مع فائز السراج في العاصمة البريطانية لندن، مساء أول من أمس، لمناقشة الجهود المبذولة لإنهاء الصراع في طرابلس.
وأكد السفير الأمريكي لدى ليبيا،تصاعد تورط جهات حكومية خارجية في الصراع الدائر بالبلاد.مشيرا الى أن الولايات المتحدة تُعارض هذا التصعيد، وتلتزم بالعمل مع الشركاء الليبيين والدوليين بتوجيه من الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة، لكسر هذه "الحلقة المدمرة المتمثلة في الهجوم والهجوم المضاد"، التي أودت بحياة الكثير من الليبيين الأبرياء.
وفي وقت سابق،أعربت المغرب وايطاليا عن رفضهما للتدخل الأجنبي في ليبيا،وجاء ذلك في بيان أصدرته الحكومة المغربية عقب لقاء جمع بين رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني مع وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو،حيث استعرض الطرفين السبل الكفيلة بإنهاء الأزمة السياسية في ليبيا.
وبحث الجانبان، بحسب البيان، عددا من قضايا المنطقة، مع تأكيد القاسم المشترك بين البلدين برفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان التي تعرف صراعات أو توترات.وأعرب الطرفان عن "الاستعداد لتقديم بعض الحلول والاقتراحات التي من شأنها المساهمة في تجاوز الأزمات".وفق البيان.
وتأتي هذه المشاورات الدولية بشأن الملف الليبي بالتزامن مع التحركات الألمانية في دول الجوار الليبي قصد التباحث بشأن مؤتمر برلين.حيث تسعى ألمانيا لحشد الدعم أملا في تحقيق تسوية للملف الليبي فيما يرى البعض بأن مؤتمر برلين سيكون مصيره الفشل أسوة بباقي المؤتمرات.ويرجع هؤلاء ذلك الى غياب التوافق حول عدة قضايا رئيسية وفي مقدمتها مسالة المليشيات المسلحة التي تمثل عائقا أمام تحقيق أي تسوية في البلاد.
وفي هذا السياق،أ الدكمستشار القانوني للجيش الليبي، صلاح الدين عبد الكريم، إن الجيش لن يسمح بوقف إطلاق النار حتى يتم تحرير العاصمة طرابلس.ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن عبد الكريم قوله: "مسرح العمليات العسكرية في المنطقة الغربية بالكامل من سرت إلى الحدود الغربية شاملة مصراتة والزاوية وبعض مناطق طرابلس أصبحت الآن تحت سيطرة القوات المسلحة، فالجيش الليبي عازم على تحرير طرابلس".
وأكد عبد الكريم وجود "حشد إرهابي كامل في طرابلس ومصراتة والزاوية  وزوارة، وهي مناطق تشكل خطرا على الأمن والاستقرار وسيادة ليبيا وبؤر إرهابية خطيرة قد تكون لها انعكاسات اقليمية ودولية، حتى على الأمن الروسي".وأوضح "تم نقل مجموعات إرهابية بالمئات إلى ليبيا، من بينها مجموعات تنتمي إلى الجنوب الروسي من الشيشان وداغستان".
وحول دعوات وقف إطلاق النار ودعوة السفير الامريكي للعودة إلى الحوار،  قال عبد الكريم، إن "الجيش الليبي لن يسمح بإيقاف إطلاق نار أو وجود طرابلس جنوبية وشمالية ووجود خطوط حمراء بينها".وحذر المستشار القانوني للجيش الليبي من "خطورة أي وقف لإطلاق النار بالتوازنات الحالية، لأنه سيؤدي إلى تقسيم العاصمة لمدة غير محدودة".
وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتطبيق الإجراءات الأمنية المتفق عليها في كافة اللقاءات، وهو تجميد  صادرات السلاح للجماعات الإرهابية، وإعادة الأمن للعاصمة.مشيرا إلى أن المفاوضات ستكون  بين أطراف مدنية لها خصومات سياسية وليس مع ميليشيات إرهابية حملت السلاح، ولا يوجد طرفي نزاع في ليبيا، قائلا " هناك شعب وقواته وحكومته المؤقتة وبرلمانه في مواجهة الإرهاب".
وكثف الجيش الوطني الليبي من ضرباته الجوية مستهدفا تمركزات قوات الوفاق في عدة مناطق.ونشرت شعبة إعلامه الحربي، أمس، ما وصفته بمشاهد توثيقية لاستهداف مدفعية الجيش لمواقع مجموعات "الحشد الميليشاوي" بمحاور جنوب العاصمة. وكان الجيش أعلن أنه استهدف مجدداً، في ساعة متقدمة مساء أول من أمس، دشماً لـ"الميليشيات الإرهابية" بقاعدة معيتيقة الجوية بطرابلس ودشماً أخرى في مطار الكلية الجوية بمصراتة غرب البلاد".
وقال الواء أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش،في بيان صحفي إنه "تم تنفيذ ضربة جوية مزدوجة على القسم العسكري بقاعدة معيتيقة الجوية والكلية الجوية مصراتة، والتعامل مع هذا التهديد من خلال طائرات سلاح الجو التابع للقيادة العامة للجيش"، لافتاً إلى أن هذه الحملة الجوية "حققت أهدافها بكل دقة"، ودمرت المرافق المستخدمة في تخزين وتجهيز الطائرات في معيتيقة ومصراتة "بنسبة 100 في المائة".
ويأتي ذلك بالتزامن مع وصول تعزيزات متتالية الى تخوم العاصمة الليبية لمساندة الجيش الليبي،في مؤشر على اصرار الجيش على حسم المعركة قريبا.وهو ما أكده القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر،بقوله أن الجيش الليبي سيدخل العاصمة طرابلس عاجلا وليس آجلا، لتخليصها من المجموعات الإرهابية التي تسيطر عليها وتستنزف مقدرات أهلها وجميع الليبيين، تحت راية المجلس الرئاسي.
وأوضح حفتر، في حوار مطول مع صحيفة "إنديبندنت عربي"، أن "القوات المسلحة تحارب وفق خطة عسكرية دقيقة، تضع في أولوياتها سلامة المواطنين من سكان العاصمة، ومنشآت المدينة ومرافقها، مشيرا إلى أن المجموعات المسلحة التي تحكم العاصمة تمتلك كميات كبيرة من الأسلحة، كانت قد كدستها طيلة السنوات الماضية، عندما كان الجيش منشغلا بتحرير بنغازي ودرنة والمنشآت النفطية من الإرهاب، إضافة إلى الدعم الخارجي الكبير الذي تتلقاه هذه المجموعات من قبل دول تدعم الإرهاب والفوضى في ليبيا.
وصنف حفتر المجموعات التي يحاربها الجيش الليبي الى ثلاثة أنواع،الأولى "مجموعات إرهابية تحمل أفكارا متطرفة وتتستر برداء الدين وتنتمي إلى تنظيمات إرهابية كالإخوان المسلمين و داعش والقاعدة والجماعة الليبية المقاتلة، ولها فروع عدّة تحت مسميات مختلفة"،وعن المجموعة الثانية، أوضح حفتر: "إنها لا تحمل أي أيديولوجية ويظل المال هو الهدف الأساسي لها، وهي تتألف من أعداد كبيرة من الشبان الذين استهواهم جمع المال بالقوة"، فيما وصف النوع الثالث من المجموعات المسلحة التي يقاتلها الجيش، بـ"المرتزقة الذين يستجلبهم المجلس الرئاسي من بعض الدول الأفريقية ويدر عليهم أموالا طائلة لمحاربة الجيش، وليس لهم من هدف سوى المال".
وطالب المشير "برفع حظر توريد السلاح عن الجيش الوطني فورا واتخاذ إجراءات صارمة تمنع تدفق السلاح لدعم الإرهابيين في ليبيا"، مؤكداً أنه "لولا هذا الحظر لتمكن الجيش من القضاء على الإرهاب منذ سنوات وبتكاليف أقل بكثير".وأشار حفتر إلى "الخطر الجسيم الذي يشكله انتشار المجموعات الإرهابية في ليبيا على الأمن القومي لعدة دول، كون الإرهاب لا حدود له، وهو ما يؤكد أن محاربة الإرهاب تتطلب تظافر الجهود الدولية والتعاون الأمني والاستخباراتي المشترك".
ويتهم الجيش الوطني الليبي كلا من تركيا وقطر، المتحالفتان مع حكومة الوفاق، بدعم الإرهاب في ليبيا وإرسال أسلحة وقوات إلى البلاد،وهو ما أكدته شحنات السلاح التي أرستها أنقرة الى طرابلس ومصراتة ناهيك عن الطائرات التركية المسيرة التي تجوب سماء ليبيا وتسفك دماء أبنائها.وأكدت تصريحات من مسؤولين أتراك ومسؤولين في حكومة الوفاق على وجود الدعم العسكري في أكثر من مناسبة.
ومنذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،أطلق الجيش الوطني الليبي عملية "طوفان الكرامة" بهدف تحرير العاصمة طرابلس من سلطة المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية المنتشرة في المدينة.وبالرغم من الدعوات المتكررة لوقف القتال في طرابلس،يصر الجيش الليبي على اتمام عملية التحرير،ويرى مراقبون أن انهاء نفوذ المليشيات التي تشكل خطرا على الليبيين والتي ترتب بأجندات خارجية مشبوهة، يشكل أولوية قصوى في طريق تحقيق التسوية واعادة البناء في ليبيا.