تشهد محاور القتال على تخوم العاصمة الليبية طرابلس، اشتباكات عنيفة منذ أيام بين قوات الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق.وتستمر هذه المواجهات للشهر الثامن على التوالي منذ اعلان الجيش الوطني اطلاق عملية عسكرية تخت مسمى "طوفان الكرامة" للسيطرة على العاصمة طرابلس وانهاء سطوة المليشيات المسلحة فيها واستعادة مؤسسات الدولة.
وكثف الجيش الليبي من تحركاتها في مؤشر على استعداده لدخول العاصمة في قادم الأيام.وأعلنت شعبة الإعلام الحربي، التابعة للجيش الوطني، عن "تحرك قوة الاقتحام بالكتيبة 166 مشاة من مواقعها، بعد تجهيزها وتلقيها التدريبات على أعلى مستوى لرفع كفاءتها للمشاركة في عمليات تحرير العاصمة طرابلس"، لافتة إلى أنها "تمتلك خبرة كبيرة في حرب الشوارع، حيث سبق لها أن قاتلت في حرب تحرير درنة والجنوب، ونجحت في المهام الموكلة إليها كافة".
وتاتي هذه التعزيزات في اطار استعداد الجيش الليبي لدخول طرابلس،وتحضيره للدخول في حرب الشوارع.وتحدث الجيش الليبي عن جاهزيته لاجتياح العاصمة طرابلس، وتحريرها من قبضة الميليشيات المسلحة،وقالت شعبة الإعلام الحربي، التابعة للجيش الوطني، إن "قواته الجوية والبرية والبحرية في كامل جاهزيتها، وفي أعلى معنوياتها بعد أن تلقت تدريباتها على أكمل وجه، ما جعلها على أهبة الاستعداد، وما مكنها من تنفيذ الأوامر وكافة المهام بكفاءة ودقة"، موضحة في بيان لها أن "قوات الجيش التي تتقدم بخطى ثابتة في كافة محاور العاصمة، لم تستخدم إلى الآن كامل قوتها".
ونجحت قوات الجيش خلال اليومين الماضيين في التقدم في عدة مواقع حيث تمكنت قواته الأحد، من فرض سيطرتها على كوبري الزهراء جنوب العاصمة طرابلس.وأوضح مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي خالد المحجوب، في تصريح لـ بوابة إفريقيا الإخبارية، أن قوات الجيش الليبي كبدت المجموعات المسلحة خسائر كبيرة، في العتاد والسلاح، حيث تم تدمير عدد 6 آليات مع أسر عدد كبير من عناصر المجموعات المسلحة في المنطقة.
وأضاف المحجوب، أن سلاح الجو التابع للجيش الليبي شن غارات جوية على محاور طرابلس، حيث نفذ عمليات استهداف مباشرة بنيران الطيران العمودي، فيما أحرزت القوات تقدمات على الأرض، كما تم استكمال السيطرة على منطقة الساعدية مع هروب المجموعات المسلحة إلى الكريمية وغوط بوساق.وأكد المحجوب، أن قوات الجيش تمكنت أيضا من دحر محاولة للمجموعات المسلحة للتقدم في محور عين زارة، وإلحاق القوات المعادية خسائر في المعدات والأفراد.
وبالتزامن مع ذلك،يتحضر الجيش الليبي لمواجهة التدخل التركي المحتمل في ليبيا والذي كشفت عنه مؤخرا الاتفاقية التي وقعتها حكومة الوفاق مع أنقرة والتي تتضمن جوانب اقتصادية وعسكرية تتمثل بمواصلة تركيا تسليح القوات الموالية لحكومة الوفاق، ومنح الأولى تسهيلات لإقامة معسكرات على التراب الليبي.
وطلب الجيش الليبي تدخل مجلس الأمن لمواجهة أطماع تركيا في ليبيا،  مؤكدا أن تركيا أصبحت طرفا مهددا لمصالح الشعب الليبي.وأوضح الجيش الليبي في بيان له أن "أردوغان يحاول استغلال "الموت السريري" لحكومة السراج لعقد اتفاقات". مؤكدًا أن "حكومة السراج في طرابلس لا تملك حق توقيع تفاهمات خارجية".
واتهم الجيش الليبي، في بيانه، أنقرة بدعم "الميليشيات والمجموعات الإرهابية في طرابلس".وأشار الى أن حكومة فائز السراج حق توقيع الاتفاقيات، بما يجعل مثل هذه الاتفاقيات والتفاهمات باطلة لا تنتج أي أثر في مواجهة الدولة الليبية"، مؤكدا أن الاتفاق "يهدد السلم والأمن الدوليين والملاحة البحرية".
من جهة أخرى أكد الجيش الليبي استعداده لمواجهة التدخل التركي في ليبيا،وقال العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي في تصريحات لقناة "العربية" الفضائية مساء الإثنين، أن "الجيش لن يترك ليبيا للأتراك"، مهما قدمت أنقرة من دعم عسكري  لقوات الوفاق، أو سياسي لتنظيم الإخوان.
واعتبر العميد المحجوب، أن الاتفاقيات الأخيرة التي تم توقيعها بين تركيا وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق،"تكشف عن طموح تركي للتوسع في إفريقيا وفي المتوسط"، مضيفا أن تركيا "لن تترك ليبيا وستحاول بقدر الإمكان التوغل فيها، لأنها ترى فيها مصدر مهم للأموال".وشدد على أن الجيش الوطني الليبي "سيدافع عن سيادة البلاد ومحاولات نهب ثرواتها، ولن يهاب تركيا ولا غيرها".
وكانت حكومة الوفاق الليبية وقعت في 28 نوفمبر/تشرين الثاني،اتفاقيتين مع تركيا: الأولى حول التعاون الأمني والأخرى في المجال البحري، خلال لقاء جمع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول، جدد خلاله الرئيس التركي استمرار دعم بلاده لحكومة الوفاق.
وتحدثت تقارير اعلامية عن أن الاتفاقية تمثل بداية دعم تركي جديد للقوات الموالية لحكومة الوفاق،وهو ما أكدته تصريحات قيادي في قوات الوفاق ألمح فيها إلى قرب وصول شحنة أسلحة ومعدات عسكرية وطائرات مسيّرة تركية جديدة إلى العاصمة طرابلس، لدعم الميليشيات المسلّحة في مواجهة تقدم قوات الجيش الليبي.
وقال  آمر سلاح المدفعية في عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، العقيد فرج مصطفى إخليل:"قريبًا سوف نملك المبادرة من جديد بوصول دعم نوعي، وفي انتظار رجوع باقي الكوادر التي يتم تدريبها بالخارج".وكتب إخليل، على صفحته بموقع فيسبوك:"كذلك ستشهد الساحة رجوع الطيران الحربي والمسير لقواتنا بكثافة، إضافة إلى قوة بأطقم ليبية".
وتعتبر تركيا الداعم العسكري الأوّل والأكبر للقوات الموالية لحكومة الوفاق، في قتالها ضدّ قوات الجيش الليبي في العاصمة طرابلس،،حيث أرسلت العديد من صفقات الأسلحة والمدرعات إلى الميليشيات، أشهرها سفينة "أمازون" التركية، التي وصلت إلى ميناء طرابلس في 16 مايو الماضي، قادمة من ميناء سامسون التركي، وتحمل على متنها نحو 40 مدرعة، ثم أرسلت بعد أيام طائرة تركية من طراز "أنتينوف" تابعة لشركة أوكرانية قادمة من أنقرة وعلى متنها طائرات بدون طيّار.
ونجح الجيش الليبي في اسقاط العديد من الائرات التركية المسيرة التي مارست العديد من الجرائم في حق أبناء ليبيا من المدنيين والعسكريين.كما تمكن من تدمير العديد من غرف العمليات التركية التي يقودها ضباط أتراك لدعم القوات الموالية لحكومة الوفاق في عدة مناطق أهمها مدينة مصراتة التي تمثل قاعدة خلفية للوجود التركي في ليبيا بحسب مسؤولين عسكريين.
 وفي ظل الحديث عن محاولات تركية جديدة لارسال السلاح الى ليبيا،أدان مجلس الأمن في بيان له، انتهاك قرار حظر التسليح عقب جلسته بخصوص ليبيا، مطالبًا  جميع الأطراف بوقف التصعيد والالتزام بوقف إطلاق النار.وأكد البيان دعم أعضاء مجلس الأمن لعمل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة لعمله على حل النزاع في ليبيا.
كما رحب بالجهود الدولية المستمرة لدعم عمل المبعوث الخاص للأمين العام للمضي في العملية السياسية بقيادة ليبية تدعمها الأمم المتحدة وبإشراك الدول الأعضاء والأحزاب الليبية ، وفق الخطوات الثلاث التي اقترحها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.وأشار البيان إلى ضرورة التزام الأطراف الليبية بالعمل بشكل بناء مع الأمم المتحدة، وفق ما أتفق عليه في باريس وباليرمو وأبوظبي؛دون الاشارة الى اتفاق الصخيرات.
ويشير مراقبون الى أن حكومة السراج أوقعت نفسها في مأزق مع المجتمع الدولي بتوقيعها الاتفاقية الجديدة مع تركيا وهو ما يتعارض مع الصلاحيات التي يخولها لها اتفاق الصخيرات.وتزايدت الأزمة في ظل الرفض المحلي والدولي الواسع للاتفاقية التي اعتبرتها أطراف محلية بمثابة "خيانة عظمى" فيما أكدت أطراف خارجية أنها تمس من حقوق دول أخرى في المنطقة.
ودعا المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، إلى سحب اعتماد الجامعة لحكومة الوفاق.وطالب صالح، في خطاب وجهه إلى أبو الغيط، ونشره المجلس عبر موقعه الإلكتروني الرسمي، إلى عرض الاتفاقيات التي أبرمها السراج مع تركيا على مجلس الجامعة، تمهيداً لإصدار قرار بإنهاء شغلها لمقعد ليبيا في الجامعة، وعدم الاعتراف بمذكرة التفاهم، واعتبارها كأنها لم تكن، مشدداً على أن السلطة التشريعية لا تعترف بالمذكرة، وما يترتب عليها من التزامات، ولذلك فإن الدولة الليبية في حل منها، ولا تتقيد بها.
ونبه صالح إلى خطورة التدخل التركي في الشؤون العربية، الذي "بدأ في سوريا، ثم الآن ليبيا، وسيمتد إلى دول عربية أخرى".وعد صالح أن هدف المذكرة "استباحة أراضي الدولة الليبية وأجوائها وموانئها ومياهها الإقليمية من قبل الجيش التركي".ورأى أن التوقيع على هذه الاتفاقية دون التصديق عليها من مجلس النواب يهدف إلى التنازل على سيادة الدولة الليبية، وحقوقها المشروعة بالاستثمار في هذه المنطقة، كما أن المذكرة مخالفة لما جاء في الاتفاق السياسي المبرم في منتجع الصخيرات بالمغرب نهاية عام 2015.
يأتي ذلك فيما يتصاعد الغضب الشعبي في ليبيا حيال الاتفاقية،حيث عد المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة اتفاق السراج مع الرئيس التركي باطلاً، داعياً الشعب الليبي إلى وحدة الصف، عبر لقاء وطني، ودون أي تدخل خارجي.فيما حذر مجلس مشايخ وحكماء قبائل ترهونة من خطورة ما تمارسه حكومة طرابلس، بحسب وصفه، قائلاً إنها تعقد "كثيراً من الصفقات المشبوهة التي تهدف إلى إطالة أمد الأزمة في ليبيا".
ويرى مراقبون، إن حكومة الوفاق رهينة للميليشيات والتنظيمات الارهابية التي تتلقى الدعم التركي في محاولة لعرقلة تحرير العاصمة طرابلس.ويؤكد هؤلاء أن الخناق بدأ يضيق على هذه الجماعات المسلحة في محيط العاصمة الليبية خاصة بعد نجاح الجيش الليبي في التقدم على جميع المحاور والجبهات،وتزايد الخسائر في صفوف المليشيات،وهو ما يؤكد اقتراب الحسم في معركة الدفاع عن سيادة الدولة واستقرار البلاد وأمن المواطن.
 ويشير الكثيرون الى أن المحاولات التركية لمد أذرعها في ليبيا أملا في تحقيق حلم أردوغان المزعوم باستعادة ما أسماه "ارث أجداده" وتحقيق رغباته الاستعمارية ستتحطم أمام ارادة الليبيين وستكون هزيمة أردوغان وحلفائه في ليبيا نهاية لمخططاتهم في المنطقة وبداية لاعادة بناء ليبيا قوية من جديدة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية واستعادة مكانتها بين الدول.