يعد الجنوب الليبي همزة وصل جيوسياسية بين ليبيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء، وتلتقي تلك المنطقة جغرافيا مع حدود أربع دول: تشاد والسودان والنيجر والجزائر.لكن هذه المنطقة الهامة تشهد منذ سنوات طويلة أوضاعا صعبة ومعاناة مستمرة في ظل التشرذم السياسي والصراع العسكري والاستقطاب الحاصل بين الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي.

فصل جديد من فصول معاناة الجنوب الليبي جاء هذه المرة من خلال كارثة جسيمة حصدت عشرات الضحايا بسبب انفجار صهريج وقود في بلدية بنت بية في مدينة أوباري.الحادثة التي وقعت يوم الإثنين 1 أغسطس 2022،اسفرت عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة أكثر من 50 آخرين، بينهم حالات خطرة وفقاً لتقارير اعلامية

بلدة بنت بيه التي لا يتجاوز عدد سكانها 10 آلاف نسمة،تقع في منتصف الطريق الرابط بين مدينتي أوباري وسبها التي تعد أكبر مدن جنوب ليبيا وتبعد من العاصمة طرابلس نحو 750 كيلومتراً.

تفاصيل الحادثة نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول قال،أن" شاحنة نقل وقود انقلبت على الطريق الرئيس لبلدة بنت بيه، وعقب انقلابها تجمع العشرات من المدنيين سكان المنطقة حولها، وملأوا غالونات صغيرة منها مباشرة، وبعد مرور نصف ساعة انفجرت الشاحنة وهم متجمعون حولها".

وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً تظهر عدداً كبيراً من الأشخاص يتجمعون حول شاحنة نقل وقود منقلبة على الطريق.كما أظهرت صور أخرى انفجار الشاحنة واشتعال النيران في عدد من السيارات المحيطة بها.وقال مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية إن "حصيلة انفجار شاحنة نقل الوقود في بلدة بنت بيه بلغت ستة قتلى وأكثر من 50 جريحاً، بينهم حالات حرجة.

ويرجع تجمع الأهالي حول الصهريج الى أزمة شح الوقود في مناطق الجنوب الليبي الأمر الذي جعلهم يتسارعون للحصول على البنزين لقضاء حاجاتهم اليومية.وتعاني مناطق ومدن جنوب ليبيا من شح الوقود منذ سنوات، إذ تنشط هناك عمليات التهريب، بخاصة تهريب الوقود وعمليات الإتجار بالبشر.

 وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية،أعلنت أنها باشرت التحقيقات في الحادثة،ووصفت وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية في بيان لها الحادثة ب "فاجعة ومصابا جللا".فيما أعلن عثمان عبد الجليل وزير الصحة بحكومة فتحي باشاغا أنه تم نقل 37 حالة من الحالات المصابة المتواجدة في مركز سبها الطبي، ومستشفى بنت بية إلى مدينة بنغازي لتلقي العلاج وذلك بسبب قلة الإمكانيات الصحية بمستشفيات المنطقة الجنوبية.

هذه الكارثة القت الضوء مجددا على تأثير الانقسامات السياسية التي تعيشها ليبيا منذ سنوات والتي يدفع ثمنها المواطن الليبي وخاصة في الجنوب الليبي الذي يطلق عليه "الجنوب المنسي".وهو ما أكده المجلس البلدي بنت بية،الذي اعرب عن استيائه من التعامل مع أزمة انفجار صهريج في بلدية بنت بية ومساعدة المصابين في هذا الحادث من خلال اشتداد الخلاف بين حكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا التي يدفع ضريبتها المواطن الجنوبي.

وأضاف المجلس،أن فزان عموما ووادي الحياة خصوصا كتب عليها التهميش المتعمد من قبل الحكومات المتعاقبة مشيرا إلى ما تعرض له أبناء فزان من إهمال في الصحة وصيانة وتحديث الطرق.وحمل المجلس البلدي بنت بية المسؤولية لشركة البريقة لتسويق النفط والجهات المشرفة على توزيعة وعدم متابعة محطات التوزيع والجهات التابعة لها كما حمل الجهات الأمنية مسؤولية عدم إيقاف تهريب الوقود.

من جانبه،أكد مجلس الدولة أن حادث انفجار صهريج وقود في منطقة بنت بية وقع نتيجة الانقسام في البلاد وتعدد الحكومات وعدم قدرة أي منها على بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي.وأوضح المجلس في بيان له أن هذه المعطيات أدت إلى ضعف الخدمات المقدمة للشعب الليبي وصعوبة وصولها إلى مستحقيها وخاصة في الجنوب وفي أطراف البلاد والدواخل وهوما يؤكد الضرورة الملحة لوجود حكومة واحدة تهتم بالمواطن وتقدم خدماتها له في جميع أرجال ليبيا دون استثناء.

وشهد الجنوب الليبي صراعًا قبليًا له طابع سياسي،واشتدت الصراعات المسلحة، في منطقة تعيش أوضاع معيشية صعبة جدًا، وذلك بسبب النقص الحاد في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.وهو ما تجسده معاناة المواطنين للحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة، مع توقف غالبية الخدمات العامة والخاصة، وشلل المؤسسات الاقتصادية، وتوقف الآلاف عن العمل واستفحال الفقر في مناطق الجنوب.

واعتبر رئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب يوسف العقوري أن السبب في حادث انفجار صهريج وقود في بنت بية هو نقص الوقود في الجنوب الليبي داعيا لتحقيق عاجل في أسباب الحادث.فيما حمل علي السعيدي وزير الإستثمار في حكومة فتحي باشاغا المسؤولين عن انقطاع الوقود والخدمات بمدن الجنوب المسؤولية القانونية عما يحدث من أزمات مفتعلة تمس جميع نواحي الحياة.

وتتصاعد يوما بعد يوم موجة الإحتجاجات على الظروف الصعبة والأوضاع المعيشية القاسية الغير الإنسانية التي يعيشها الليبيون في الجنوب الليبي.وتأتي معاناة الجنوب وسط معاناة ليبيا من أزمة سياسية حادة حيث تتصارع حكومتين الاولى برئاسة عبدالحميد الدبيبة والثانية برئاسة فتحي باشاغا على السلطة في البلاد.

ورغم ان مساع محلية ودولية بُذلت لحلحلة النزاع بين الدبيبة وباشاغا، لكنها لم تفلح في التوصل إلى صيغة تفاهم؛ ما جعل المخاوف تتفاقم من حدوث حرب خاصة في ظل الاحتقان المتصاعد.وهدّد رئيس المخابرات العسكرية المقال من الدبيبة، أسامة الجويلي، في مقابلة تلفزيونية محليّة، باستخدام القوّة من أجل تأمين دخول حكومة باشاغا إلى العاصمة طرابلس لتسلمّ السلطة، معتبرا أن حكومة الدبيبةة أصبحت "فاقدة للشرعية"، مضيفاً أن الحل الوحيد هو أن يقوم الأخير بتسليم السلطة.

وفي المقابل،أكد محسن الزويك، آمر "قوة دعم الدستور والانتخابات" التابعة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، استعدادهم لمواجهة أيّ تحرك عسكري، مشددا على أنّ الردّ سيكون على الأرض وليس عبر وسائل الإعلام، معتبرا أن لجوء الطرف الآخر وتهديده باستعمال القوّة جاء بعد فشل مشروع حكومة باشاغا التي وصفها بـ"الموازية".

وتثير هذه التصريحات والاتهامات المتبادلة،مخاوف من صدام قادم داخل العاصمة طرابلس، قد يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار في البلاد، خاصة مع استمرار التحشيدات والاستعراضات العسكرية للمجموعات المسلّحة، رغم الاتفاق على هدنة في آخر اجتماع لهم، والتحذيرات الدولية من تداعيات الدخول في قتال جديد.

وكان عدد من قادة المجموعات المسلحة في الغرب الليبي، قد اتفقوا الأسبوع الماضي، على سحب تحشيداتهم المسلحة من مناطق غرب وجنوب غربي العاصمة طرابلس، وعلى التهدئة وخفض حدّة التوتر.وذلك بعد مقتل 16 شخصاً جراء اشتباكات بين مجموعتين مسلحتين في العاصمة الأسبوع الماضي، وإثر اندلاع مواجهات مسلحة في مصراتة. 

المخاوف من تجدد الصراع المسلح خاصة في ظل الوضع الأمني المتوتر الذي تعيشه البلاد، على وقع أعمال العنف المتكررة بين المجموعات المسلّحة،عبّر عنها السفير الأميركي في ليبيا،حيث أكدّ أن "الوضع الحالي بات لا يحتمل"، داعيا المسؤولين الليبيين إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار، والعمل على التوافق على قاعدة دستورية للانتخابات.

وعلى وقع الأزمات التي يتخبط فيها المشهد الليبي منذ سنوات، يأمل الليبيون في فض الصراع على الشرعية والسلطة الدائر بين الفرقاء،عبر توافقات بشأن الاستحقاقات الانتخابية المدفوعة سياسيا من قبل المجتمع الدولي.وفي الوقت الذي يؤكد فيه بعض المتابعين للشأن الليبي أهمية إجراء انتخابات في أقرب الآجال لإخراج هذا البلد العربي من الأزمات التي يعيش على وقعها منذ سنوات، يرى البعض الآخر، أن اتسام الوضع الليبي الراهن بالتعقيد والفوضى وسط تنازع السلطة وتهديدات المليشيات المسلحة وتهريب الأسلحة والبشر، تحول دون إنجاز انتخابات ناجحة.