تصاعدت الأحداث في الجنوب الليبي،حيث تعيش المنطقة وضعا صعبا مع إشتداد هجمات الميليشيات التشادية التي تمارس العديد من الانتهاكات من التهريب والنهب إلى الخطف والحرابة والقتل والتعدي على الممتلكات الخاصة والعامة في هذه المنطقة التي تعرف عدم استقرار أمني وانتشار الفوضى فيها.

وتمركزت الاعتداءات هذه المرة في منطقة "أم الأرانب" وشرق بلدة القطرون وتجهري جنوب ليبيا، وعرفت هذه المناطق اشتباكات مسلحة بين السكان ومجموعة من عصابات المرتزقة التشادية المسلحة التي تمارس السطو والخطف والتعدي على الممتلكات الخاصة،وسط مخاوف من تصاعد الأزمة.

وتضررالجنوب الليبي كثيرا في ظل غياب الأمن حيث بات نهبا للعصابات لأجنبية،وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن عددا من المحللين يؤكّدون أنّ مناطق جنوب ليبيا وشرق السودان باتت تشهد انتشار كثير من المجموعات التشاديّة المتمرّدة المسلّحة، التي تزدهر بفضل المساعدات المالية وعمليات التهريب.

عملية عسكرية

وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة،بات تدخل الجيش الليبي ضروريا للقضاء على هذه العصابات.وفي هذاالسياق،أكّد الناطق باسم قيادة الجيش الوطني العميد أحمد المسماري عزم القيادة على إطلاق عملية عسكرية واسعة للقضاء على المجموعات الإجرامية في الجنوب.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،عن المسماري،قوله أن المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش يخطط فعلا للقضاء على جماعات المعارضة السودانية والتشادية وعصابات إجرامية محلية، باتت تهدد الأمن القومي والاستراتيجي لليبيا في الجنوب، الذي يمثل نحو ثلث مساحة الدولة الليبية.مضيفا أن الجيش لن يسمح لهذه العناصر باستخدام الأراضي الليبية، أو البقاء فيها ما دامت تهدد أمن واستقرار البلاد.

وأشار المسماري، ،إلى أن المعضلة الحقيقية التي تواجه الجيش في فرض سيطرته على المنطقة الجنوبية بالكامل "تكمن في استمرار الحظر الذي يفرضه المجتمع الدولي على تسليح الجيش الوطني الليبي". ولذلك طالب المسماري برفع الحظر فورا، حتى يتمكن الجيش الوطني من القيام بمهامه الحيوية في حماية وتأمين حدود البلاد، خاصة في المنطقة الجنوبية التي تعاني من انتشار عناصر مسلحة تعمل على تهديد الأمن والاستقرار.

وكان مجلس النواب الليبي،طالب القيادة العامة للجيش بشكل عاجل " إرسال تعزيزات عسكرية لتطهير جنوب البلاد من عصابات المعارضة التشادية التي دخلت في مواجهات مسلحة مع أهالي جنوب ليبيا. وأدان المجلس،في بيان له الخميس،ما أسماه " انتهاك المعارضة التشادية لحرمة التراب الليبي بتواجد قواتها في مناطق الجنوب وممارستها لعمليات النهب والخطف والقتل".

يذكر أنه في إطار عملية فرض السيطرة الأمنية في الجنوب، أصدر القائد العام المشير خليفة حفتر قرار بتشكيل غرفة عمليات بالجنوب الليبي برئاسة العميد محمد المهدي.وبحسب بيان الجيش الليبي في الشرق يشمل التشكيل 8 عمداء، ومهام الغرفة هي تطهير الجنوب الليبي بالكامل من العصابات المسلحة التي تمتهن الحرابة والخطف والسرقة.

وتتكون القوة العسكرية المشتركة الجديدة من "اللواء العاشر مشاة" و"الكتيبة 181 مشاة" و"الكتيبة 177 مشاة" و"الكتيبة 116 مشاة" وكتيبة سبل السلام لتطهير الجنوب بالكامل من العصابات التشادية.ويشير مراقبون إلى أن قرار المشير حفتر،والجهود التي بدأ يبذلها الجيش الوطني الليبي في الفترة الأخيرة بالجنوب الليبي، تؤكد أن القيادة العامة للجيش عازمة على تحرير كل مدن الجنوب من العصابات التشادية الإجرامية المسلحة.

وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع زيارة بدأها الثلاثاء،قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر إلي تشاد، قالت عنها مصادر إعلامية أنها تندرج في سياق التوتر الأمني الذي يشهده جنوب البلاد،وفي إطار التنسيق بين المشير حفتر والرئيس التشادي إدريس ديبي للقضاء علي مسلحي المعارضة التشادية علي الأراضي الليبية.

وضع معقد

وفي ظل المخاطر الكبيرة،دعت البعثة الأممية في ليبيا،السلطات الليبية الى اتخاذ إجراءات فورية وفعالة حيال حالة الانفلات الأمني التي تشهدها المنطقة".وأدانت البعثة،الجمعة،"الانتهاكات التي تقترفها المجموعات المسلحة الأجنبية داخل الأراضي الليبية"، وحثت "الأطراف الفاعلة الإقليمية على دعم السلطات الليبية لمعالجة للوضع الراهن على نحو يصون سيادة ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها". معربة "عن قلقها البالغ إزاء تصاعد معدل الجريمة، لاسيما موجة حوادث الخطف والأعمال التخريبية الأخيرة التي طالت البنية التحتية للنهر الصناعي العظيم.

وأشارت البعثة، إلى أن حالة الانفلات الأمني قد تفاقمت؛ من تراجع مستوى الخدمات المتردي أصلاً في الجنوب الليبي ما أدى إلى زيادة معاناة الأهالي في المنطقة".وقالت إن العمل قائم مع السلطات المحلية لتقديم المساعدات الإنسانية حيثما دعت الحاجة، داعية "حكومة الوفاق الوطني إلى بذل مزيد من الجهود لتوفير الخدمات في المنطقة.

وأدى تجاهل الحكومات المتعاقبة لإقليم قزان الذي يمثل الضلع الثالث - مع إقليمي برقة في الشرق وطرابلس في الغرب - إلى غرقه في حالة من الفوضى والأوضاع المعيشية الصعبة وفي مواجهة تهديدات أمنية كبيرة بسبب ما تعيشه البلاد من حالة انقسام، رغم ما يزخر به من موارد طبيعية كالنفط والمعادن.

ويصف كثيرون المشهد في الجنوب بالمعقد ويرى هؤلاء أنه من الصعب السيطرة عليه في ظل ما تعيشه البلاد من انقسامات.وفي هذا السياق، قال عبد الحكيم معتوق المحلل السياسي الليبي، إن أزمة الجنوب لن تحل إلا بتفعيل المؤسسة العسكرية، خاصة أن الحكومات المتعاقبة ما بعد 2011 حتى الآن لم تفلح في تسوية الأوضاع التي تفاقمت عبر محطات وصلت بها إلى مستوى  متقدم في عملية الصراع الدائر حاليا.

وأضاف معتوق،في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن الإهمال الذي عانى منه الجنوب وعدم التعامل بحكمة باهتمام معه، أدى لتوطين الكثير من المسلحين من خارج ليبيا هناك، كما أن الصراع القبلي الذي تفاقم زاد من حدة الأزمة التي باتت تحتاج إلى حلول عاجلة وحاسمة.

وتابع معتوق أن الأزمة لم تقتصر على الصراع القبلي أو الصراع الداخلي، ولكن هناك بعض الأطراف الخارجية تتدخل في المشهد منذ سنوات، وتدعم التكتلات القبلية والجماعات المسلحة، وهو الأمر الذي خلق كيانات مدججة بالسلاح في مساحة تقترب من نصف الجغرافيا الليبية وبها معظم الثروات الليبية، وهو ما يحتم على المؤسسة العسكرية حسم القضية من خلال توفير الخدمات وفرض الأمن والاستقرار.

توحيد الجيش

وتأتي هذه التطورات،في وقت يتواصل فيه الجدل حول توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا.فبعد أن أكد العميد أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، أن الضباط المجتمعين في القاهرة اتفقوا على توحيد الجيش الليبي، على أن يكون المشير خليفة حفتر قائدا عاماً، بالإضافة للاتفاق على تأسيس ثلاثة مجالس عسكرية، نفى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بطرابلس، المدعومة دولياً، ذلك معتبراً تصريحات المسماري "غير مسؤولة.

وقال المجلس الرئاسي، في بيان له ليل الجمعة، إنه "لا صحة لما يتم تداوله من قبل بعض وسائل الإعلام وتصريحات لبعض الشخصيات التي لا تتبع حكومة الوفاق من أنه تم التوصل إلى اتفاق نهائي في المحادثات الجارية بخصوص توحيد المؤسسة العسكرية" في إشارة لبيان المتحدث الرسمي باسم القيادة العام للجيش.

وأشاد المجلس الرئاسي بالجهود الرامية لتوحيد المؤسسة العسكرية مؤكد على أهميتها "لإنهاء الانقسام الحالي في البلاد".كما أكد المجلس في بيانه أنه ملتزم بالثوابت التي نص عليها الاتفاق السياسي وعلى رأسها مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة تبعية المؤسسة العسكرية لسلطة مدنية تنفيذية.

وكان العميد أحمد المسماري ، المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، أكد في وقت سابق إن ضباط المنطقتين الشرقية والغربية لا يزالون يواصلون اجتماعاتهم في القاهرة برعاية مصرية، مشيرا إلى أنهم اتفقوا حتى الآن على ثلاث بنود:تشكيل قيادة مجلس الأمن القومي، ومجلس الدفاع الأعلى ومجلس القيادية العامة، ومناقشة مقترحات وسبل معالجة الميليشيات المسلحة في المنطقة الغربية، والاتفاق على أن يكون مجلس القيادة العامة الذي يترأسه المشير حفتر هو واجهة المؤسسة العسكرية للبلاد.

ودخلت ليبيا منذ العام 2011،في دوامة من العنف والفوضى ساهم فيها إنتشار السلاح بصفة كبيرة علاوة على ظهور التنظيمات الإرهابية التى جعلت من هذا البلد مركزا لتجميع عناصرها.وتثير الأوضاع الأمنية المتردية،مخاوف من إنزلاق البلاد نحو الأسوأ،ويجمع المراقبون،على أن  توحيد المؤسسة العسكرية نقطة نقطة البداية لحل الأزمة الليبية وإعادة الإستقرار والأمن.