انهارت السلطة المركزية في ليبيا وسط النزاع المسلح وانعدام الأمن،وأثر ذلك على جميع القطاعات الحيوية في ظل غياب الدولة وسيطرة الميليشيات على القرار. بل أن مفهوم الدولة أفرغ من معناه مع عدم وجود سلطة سياسية موحدة قادرة على إرساء الإستقرار والأمن في البلاد.

وتردت الأوضاع بشكل كبيرفي البلاد وخاصة في الجنوب،الذي يعتبر من أكثر المناطق تأثرا بحالة الفوضى السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد منذ سنوات، حيث ظلت هذه المنطقة تعاني من انعدام الاستقرار، وترزح تحت وطأة النزاعات الأهلية، ونقص الخدمات الأساسية، وتفشّي التهريب، وانقسام المؤسسات أو انهيارها، نتيجة بقائها على هامش الحياة السياسية.

مسلسل العنف

وفي ظل هذه الظروف القاسية والصعبة، يواجه المواطن في الجنوب الليبي مشاكل صعبة حيث يعيش  داخل حلقة من التهديدات والمخاطر على غرار الإختطاف والإغتيال.

وفي مشهد دموي جديد،أكد رئيس مجلس إدارة منتدى ارتقاء ليبيا للتوعية والتثقيف احمد الفرجاني مقتل مواطن في سبها على يد مجهولين.وقال الفرجاني في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية إن المواطن عبد العظيم صالح امبية قتل،الخميس، في حي الجديد بمدينة سبها على يد أشخاص ملثمين.وأوضح الفرجاني انه لا تعرف إلى الآن أسباب الجريمة والمتورطين فيها.

وكان الصحفي موسى عبدالكريم،قد قتل في مدينة سبها على يد مجهولين،حيث كان في مهمة لتغطية النزاع القائم بين الأطراف المختلفة في المنطقة، لصالح إحدى الصحف التي تتخذ من مدينة سبها مقراً لها، وقد تلقى هو وزملاؤه تهديدات متكررة بسبب عملهم الصحفي، حيث جرى اختطاف موسى عبدالكريم في 31 يوليو الماضي، قبل أن يتم العثور على جثته في وقت لاحق من نفس اليوم.

وتتصاعد أعمال الاختطاف في جنوب ليبيا، ويوما بعد آخر تزداد تحركات العصابات الإجرامية العابرة للحدود والمرتبطة بنظيرتها الليبية بالداخل، الأمر الذي يمثل تهديدا للأهالي،الذين باتوا عرضة لخطر الإختطاف بدافع الحصول على فدية.وكان رئيس مجلس إدارة منتدى ارتقاء ليبيا للتوعية والتثقيف احمد الفرجاني،كشف في وقت سابق، إن مجهولين اختطفوا طفلة في منطقة قعيد بمدينة سبها إلا أنها تمكنت من الهرب.

وتهدد لعنة الإرهاب منطقة الجنوب،حيث تشن التنظيمات الإرهابية هجماتها والتي كان آخرها، استهداف بوابة الكتيبة 116 مشاة التابعة للجيش الليبي بسبها،مطلع سبتمبر الجاري،حيث قامت سيارة معتمة بالرماية على البوابة بقنابل يدوية نوع  رمانة  وقوادف أر بي جي،فيما أفادت مصادر أخرى بأن الهجوم تم باستخدام سيارة مفخخة تم تفجيرها عن بعد أمام مقر الكتيبة.

عصابات تشادية

على صعيد آخر،تشهد منطقة الجنوب تحركات خطيرة للعصابات الأجنبية،التي تتهم بأنها تحرك مشهد الاقتتال في المنطقة،حيث تمكن أفراد دورية مشكلة من كتيبتي سبل السلام والمهدي السنوسي التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي ،من القبض على مجموعة مسلحة من 5 أشخاص يحملون الجنسية التشادية،كانوا قد تسللوا الى البلاد عن طريق التهريب،بغية مرافقة 12 شاحنة تحمل سلعاً تموينية إضافة الى شحنة من الوقود. 

وقال المكتب الإعلامي لكتيبة سبل السلام،على صفحته الرسمية بموقع التواصل "فيسبوك" أن الدورية ضبطت أيضاً مركبة من نوع تويوتا صحراوية وبداخلها 5 قطع أسلحة من نوع "دوشكة" كانت مهربة إلى منطقة أم الأرانب،جنوب مدينة سبها.وأضافت الكتيبة إلى أنه تم القبض على سائقي الشاحنة والمركبة أيضاً،مشيرة إى أن وجهتهم كانت لدعم الميليشيات التشادية في أم الأرانب.

وتأتي الحادثة الأخيرة لتؤكد ضلوع العصابات الأجنبية في تأجيج الصراع في المنطقة،حيث أعلن مسؤولون ليبيون في أكثر من مناسبة على إنتشار هذه العصابات لتي أسهمت أنشطتها في تعميق الانقسام وإذكاء الصراعات بين القبائل، وزيادة الفوضى الأمنية من خلال عمليات النهب والتجارة بالمخدرات والأسلحة واختطاف الرهائن، ونهب حقول النفط وتوسيع عمليات الهجرة غير المشروعة.

وفي أغسطس الماضي،قال وزير الداخلية الليبي عبد السلام عاشور،في مقابلة مع وكالة أنباء الصين "شينخوا"، إن جميع مشاكل بلاده الأمنية تأتي من حدودها المنتهكة خصوصا الجنوبية، مؤكدا أن الأجهزة والمؤسسات الأمنية أصبحت "تتعافى" في السنوات الأخيرة بعد أن عانت انهيارا منذ عام 2011

وأضاف عاشور،أن الجنوب الليبي "أصبح يعاني كثيرا، والحدود من ناحية الجنوب أصبحت منتهكة"، معتبرا أن الجنوب "تم استغلاله بشكل سيء جدا من قبل العصابات الإجرامية التابعة للمعارضة في بعض البلدان وغيرها من التشكيلات المعارضة الأفريقية التي كانت تتواجد خارج الحدود الليبية".

إحتجاجات ومطالب

وأمام الأزمة المستفحلة،نظم مجموعة من النشطاء السياسيين،الجمعة 14 سبتمبر 2018،وقفة احتجاجية للتعبير عن رفضهم لسوء الأوضاع التي يعيشها المواطن في مدينة سبها خاصة والجنوب عامة.واستنكر المحتجون في بيان لهم تجاهل وسلبية الحكومات شرقا وغربا معلنين ان مدينة سبها مدينة منكوبة داعين في بيانهم المنظمات الإنسانية لدولية لمد يد العون.كما أعلنوا أن جميع الممثلين والمسؤولين والنواب والوزراء لا يمثلون أهل الجنوب وأنهم بهذا البيان قد سحبوا منهم الثقة في السلطة التشريعية والتنفيذية ابتداء من تاريخه.

ولفت الموقعون على البيان أن "هناك بعض الممثلين لم يقوموا بزيارة المدينة من أجل الاطلاع على أحوالها و حال مواطنيها إلى جانب سحب الثقة من اللجنة التسيرية للمجلس البلدي لبلدية سبها  نتيجة عدم تنفيد رغبة ناخبيهم".

كما أعلن الموقعون "دعمهم  لمسار  بعثة الأمم المتحدة فى ليبيا بجمع الليبيين لتشكيل حكومة وحدة وطنية وبثقة عالية أنها سوف تحل جميع المشاكل التي تواجه الليبيين سواء كانت اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية".وطالب الموقعون على البيان بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا بـ"فتح مكتبها فى سبها من أجل متابعة الأوضاع عن كثب".

وأوضح الأعيان  أن هذا الموقف جاء نتيجة الوضع المتردي الذي وصل إليه الجنوب وانقطاع الكهرباء عن المنطقة لأكثر من خمسة أيام، وكذلك انقطاع مياه الشرب وتوقف المصالح الحكومية والخدمات وتلف المحاصيل الزراعية وموت الحيوانات وتردي الوضع الصحي، إضافة إلى الوضع الأمني المتدهور منذ سنوات ونقص السيولة وشح الوقود وارتفاع أسعار السلع التموينية والمواد الغذائية.

وتعيش منطقة جنوب ليبيا،بين الحين والآخر صراعًا قبليًا له طابع سياسي،وتشتد الصراعات المسلحة، في منطقة تعيش أوضاع معيشية صعبة جدًا، وذلك بسبب النقص الحاد في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.وهو ما تجسده معاناة المواطنين للحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة، مع توقف غالبية الخدمات العامة والخاصة، وشلل المؤسسات الاقتصادية، وتوقف الآلاف عن العمل واستفحال الفقر في مناطق الجنوب،بسبب التهميش والفوضى.

وفي إنتظار الخروج بالبلاد من الأزمة الحالية، وبعد أكثر من 7 سنوات من الأزمة التي أرهقت الليبيين، يجد الجنوب الليبي نفسه ملاحق بشبح الازمات،التي تظل نتيجة طبيعية للوضع السياسي والأمني الهش في ليبيا.ويبقى تحقيق تسوية شاملة في البلاد وإرساء سلطة موحدة تدير مصالح كل المدن الليبية بشكل عادل، الأمل الوحيد في انتشال الجنوب الليبي من وضعه المتردي واعادة الاعتبار لمنطقة حيوية في البلاد.