رغم الخسائر الكبيرة التي منيت بها التنظيمات الإرهابية في ليبيا،فإنها مازالت تحافظ على وجودها مع تواصل حالة الفوضى في البلاد،وتشير العديد من التقارير الإعلامية على أن مدن الجنوب الليبي،باتت تمثل الملاذ الأنسب للعناصر الإرهابية الفارة،وهو ما تؤكده الغارات الجوية التي تستهدف المنطقة من حين إلى آخر. آخر هذه الغارات،نفذتها طائرات بدون طيار مساء الأربعاء 25 تموز/يوليو 2018،مستهدفة سيارة ومنزلا بصاروخين في مدينة أوباري جنوب غربي ليبيا.وأظهرت الصور التي نشرت في وسائل التواصل الاجتماعي اشتعال النيران في السيارة المستهدفة وحطام المنزل الذي كانت رابضة أمامه.

ونقلت وسائل إعلامية عن مصادر قولها، إن طائرات بدون طيار نفذت الساعة 9 ليل الأربعاء الماضي،غارتين في منطقة "شارب" غرب مدينة أوباري، استهدفت الغارة الأولى سيارة محملة بالذخيرة، ما أدى إلى احتراقها بالكامل وتفحم سائقها، فيما استهدفت الغارة الثانية منزلاً لعناصر يعتقد أنها إرهابية، موضحاً أنها أدت إلى مقتل وإصابة عدد غير معلوم من الأشخاص، لأن عناصر غير ليبية قامت بأخذ الجثث والجرحى. وتضاربت الأنباء بشأن حصيلة القصف الجوي،ففيما تحدثت تقارير عن مقتل عدة أشخاص،أعلنت مصادر محلية مقتل شخص وإصابة آخر بجروح خطيرة.وكان عضو مجلس النواب عن منطقة الشاطئ علي السعيدي،أكد في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية،سقوط 6 قتلى،وهم من جنسيات مختلفة 3 من الجزائر و2 من مالي وليبي يدعى "ابو ليث الليبي" مرجحا أن تكون القوات الأمريكية هي من نفذت الغارة.

وفي المقابل،نقلت وسائل إعلامية عن مصدر أمني في حكومة الوفاق،فضل عدم نشر اسمه،"إن القصف أسفر عن مقتل شخص واحد على الأقل، لم تُعرف هويته حتى الآن".ورجَّح المصدر، أن يكون المُستهدف قياديًا في تنظيم القاعدة.وأشارت تقارير إعلامية،إلى أن مدينة أوباري،قد شهدت تحليقًا كثيفًا لطيران حربي مجهول، خلال الأيام القليلة الماضية.

أوباري هدف للقصف 

وهذه ثاني ضربة جويّة تستهدف مدينة أوباري، ففي 24 مارس الماضي، نفذّت طائرة أميركية، غارة على منزل في حي الفرسان بمدينة أوباري كذلك، أسفرت عن مقتل القيادي في تنظيم القاعدة موسى أبو داوود، وشخص آخر، في عملية تبناها البنتاغون، وقال إنها تمّت بالتنسيق مع حكومة الوفاق الوطني. وأوضحت "أفريكوم" حينها في بيان أن "أبو داوود" كان يعمل في أوباري على تدريب عناصر، والتخطيط لشن عمليات جديدة في المنطقة، بعدما شارك في توفير أسلحة ودعم لوجستي لخلايا التنظيم في أكثر من منطقة في المغرب العربي، ما يعتبر تهديداً للمصالح الأميركية والغربية في المنطقة.

وصارت مدينة أوباري هدفا للطائرات الأميركية وللقصف الجوّي، منذ أن تحولت إلى قاعده خلفية للإرهابيين والمهربين،بحسب ما أفاد به مصدر عسكري بمدينة سبها "العربية.نت"، مرجعا ذلك إلى الانفلات الأمني، وعدم وجود يد ضاربة من حديد، لافتا إلى تورّط بعض أبناء المدينة في إيواء قيادات في تنظيم القاعدة في الأحياء السكنية الآمنة مقابل مبالغ مالية كبيرة. وبحسب المصدر نفسه،فإن "عناصر تنظيم القاعدة لديهم وجود بالمدينة، بسبب المصالح المشتركة بينهم وبين تجار البشر والمخدرات والحاملين للسلاح، بالتالي فإن أكثر العناصر المتطرفة الموالية لهذا التنظيم تقطن بالمدينة، وغالبا ما يتردد قيادات القاعدة عليها لعقد اجتماعات فيما بينهم، وهذا الأمر تعلمه حتى السلطات".

وتوّقع أن تشنّ الطائرات الأميركية غارات جويّة أخرى، على مواقع تنظيم القاعدة سواء في مدينة أوباري أو في مدن الجنوب الأخرى، حيث تتعزّز أنشطة التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم القاعدة الذي بات يمتلك نفوذا قويا في الأراضي الليبية المفتوحة على الساحل والصحراء الإفريقية. وتلاحق الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات، أمراء تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي على غرار القيادي "مختار بلمختار" زعيم تنظيم "المرابطون"، و العقل المدبر للهجوم الإرهابي الذي استهدف مصنع غاز جزائري عام 2013 وأسفر عن مقتل 38 أجنبيا، و"إياد آغ غالي" أمير تنظيم أنصار الدين، الذي ذكرت تقارير غربية، أنه تحوّل للنشاط في ليبيا، منذ التدخل الفرنسي ضد القاعدة في مالي.

الجنوب المنتهك

ويفتح استهداف عناصر تنظيم "القاعدة" في أوباري،الباب أمام حقيقة تواجد التنظيم في الجنوب الليبي وصحة تمركز قياداته في هذه المنطقة للنشاط والتخطيط.وطالما حذر مسؤولون ليبيون وغربيون من خطر المتشددين المرتبطين بتنظيم "الدولة الإسلامية" وتنظيم "القاعدة" والذين يستخدمون جنوب ليبيا قاعدة لهم. ففي ظل الخسائر التي منيت بها في عدة مناطق من البلاد،تحولت العناصر الارهابية بإتجاه الجنوب الليبي في محاولة لتجميع صفوفها.وفي هذا السياق،أكد رئيس ديوان وزارة الداخلية بالمنطقة الجنوبية بالحكومة المؤقتة أحمد بركة، أن الإرهاب يسيطر على مساحات كبيرة من الجنوب الليبي. وقال بركة في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"،في وقت سابق، إن "هناك أعداد كبيرة من الفارين من ساحات القتال في الشرق والغرب جاءت لتختبئ في الجنوب الليبي خاصة في المشاريع الزراعية بالإضافة إلى فرار عناصر من المقاتلين في درنة الى الجنوب".

ويشهد الجنوب الليبي منذ فترة توترا أمنيا كبيرا،لا يمكن حصره بأنه صراع قبلي، خاصة بعدما ظهرت ميليشيات إفريقية وأجنبية تقاتل بجانب بعض القبائل.ففي ظل الفراغ الذي يضرب مفاصل الحياة في ليبيا،وغياب دولة القانون و المؤسسة العسكرية والأمنية،ولكونها منطقة منسية من طرف الحكومات المتعاقبة،أصبحت منطقة جنوب ليبيا بؤرة لتهديدات خطرة ومستدامة تطال ليبيا وأجوارها. وبحسب الناشط بمدينة أوباري، وليد دوكن،فإن غياب المؤسسات الحكومية في منطقة الجنوب كذلك، ساعد في سهولة اختراقها من قبل التنظيمات الإرهابية.وأوضح دوكن في تصريح لـ"العربية.نت"، أن "الدولة الليبية هي التي تحمي الإرهاب في الجنوب وليس القبائل فحسب"، لأنه ليس هناك أي أثر لوجودها"، في ظل الغياب الكلّي للمؤسسات الأمنية والحكومية عن المنطقة، ولذلك من الطبيعي أن تتحول إلى مزيج من القاعدة والمنظمات الإرهابية والإجرامية الأخرى.

وتصاعدت في الفترة الماضية مخاوف وتحذيرات من مساعي تنظيم "القاعدة"،لترتيب صفوفه في ليبيا واستغلال حالة الفراغ الأمني وغياب الدولة،للعودة مجددا الى واجهة الأحداث في بلد يعاني منذ سنوات من أزمة خانقة.وتشير تقارير إعلامية إلى أن مدن الجنوب الليبي تُعتبر من أهم معاقل "القاعدة"، الذي يحمل مسميات أخرى في المغرب العربي، أبرزها تنظيم "الموقعين بالدم"، الذي يقوده مختار بلمختار الجزائري. ويعد الجنوب الليبي أكثر الجبهات تأثرا بحالة الفوضى السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد،ويعتبرالعديد من المراقبين،أن هذه المنطقة هي الحلقة الأضعف أمنيا،حيث تمثل بيئة جاذبة لعمل الجماعات المتطرفة التي تعمل على اتخاذه معقلا له،محاولة الإستفادة من الأزمة الأمنية والسياسية في ليبيا لتعزيز قوّتها وإعادة تدعيم وتنظيم صفوفها،ناهيك عن الحصول على التمويل من خلال عمليات التهريب.