ثلاث سنوات على انتهاء أزمة ما بعد انتخابات 2010 في كوت ديفوار، كانت كافية لاستعادة نمط الحياة الطبيعي في البلاد.. جنوح نحو الاستقرار لم يبعثر أوراقه سوى "الجراثيم" أو "الميكروبات" كما يصطلح على تسميتها في العاصمة الاقتصادية للبلاد..

هي ليست تلك الكائنات الدقيقة التي لا ترى –في أحيان كثيرة- بالعين المجرّدة، وإنما هي مجموعات مسلّحة تتألّف من مراهقين وعاطلين عن العمل، ممن تتراوح أعمارهم بين الـ 10 و20 سنة.. ميليشيات ظهرت إبّان الأزمة في منطقة "أبوبو" شمال أبيدجان، وتحوّلت بمرور الزمن إلى فزّاعة  لسكان المدينة وضواحيها.. ينهبون ويسرقون ويقتلون مستخدمين السكاكين والسواطير وبقايا الزجاجات المكسّرة.. 

تستهلك "الجراثيم" المخدّرات بشراهة، وهذا سبب إضافي يدفعها إلى ارتكاب جرائمها في حالات الغياب عن الوعي.. وتقوم عملياتها على إستراتيجية بسيطة، وغير محترفة بالمرّة.

"حامد ديكو"، تقني يعمل في مركز بريد "أبوبو"، حيث يعيش ما يقارب على المليوني نسمة، فسر للأناضول، أسلوب عمل المجموعة المسلّحة حيث "يقف أحد أفرادها في زوايا الشوارع وخلف المباني الضخمة في المدينة مادّا يده للتسوّل. وبمجرّد أن يقترب منه أحدهم لمنحه ما تيسّر من المال، يجد نفسه محاطا بعناصر العصابة، مسلّحين بالمديات، للاستيلاء على كلّ ما يملك".

وأضاف "أيامنا غدت مليئة بالرعب في أبوبو.. أنا أتجنّب التنقّل ليلا في الشوارع، وهذا على عكس ما كنت أفعله قبل خمس سنوات".

"ديكو" ذهب لأبعد من ذلك، حيث رسم صورة قاتمة للوضع قائلا "في حيّنا بـ مارلي (تابعة لمنطقة أبوبو)، تخلو الشوارع من روادها منذ السابعة مساء.. لن تجد بعد هذا الوقت شخصا واحدا في الخارج.. في الواقع، فقدنا طعم الحياة، ولم يعد بإمكاننا الجلوس أمام منازلنا لتناول الشاي كما كنّا نفعل، لأنّه، وفي كلّ لحظة، يمكن أن تهاجمنا مجموعات الشباب بالمديات لنهب كلّ ما نمتلك".

الكثير من سكان هذه المنطقة وقعوا ضحية همجية ووحشية "الجراثيم".. و"إبراهيم" أحد هؤلاء، اكتفى بذكر اسمه الأولّ، خشية أن يتم التعرّف عليه، وتعريض نفسه لانتقام المجموعة المسلّحة.. "ابراهيم" روى للأناضول تفاصيل حادثة حزينة، ما تزال –لهولها- عالقة في ذاكرته "كنت، صبيحة ذات يوم (الساعة الخامسة فجرا بالتوقيت المحلي)، في طريقي إلى عملي، حين اعترضت طريقي مجموعة من الأشخاص المتفرّقين.. حين اجتزت الصفّ الأول منهم، سرعان ما التفّ الصفّ الثاني في حركة آلية لأجد نفسي محاطا بعناصر الصفّ الأول والثاني معا.. لم يمهلوني كثيرا، حيث مرّوا مباشرة إلى عملهم، مهدّدين باللجوء إلى مدياتهم إن اقتضى الأمر ذلك.. لم يكن بوسعي فعل شيء إزاء وضع بتلك الخطورة، فكان أن سلبوني هاتفي المحمول وكلّ ما بحوزتي من مال".

ورغم تمركز أغلب عملياتها على أحياء "أبوبو" في أبيدجان، إلاّ أنّ الجراثيم وسّعت، شيئا فشيئا، من مجال "نشاطها"، ليشمل أحياء "يوبون" و"أدجامي" (شمال أبيدجان)، وأحيانا "بورت- بويه" (جنوب).

كنيسة "يوبون- أناكويا" لم تسلم هي الأخرى من بطش هذه العصابات. طالب في جامعة "فيليكس هوفوات بوانيه" في  أبيدجان، يدعى "ن. يابي" كان شاهدا عما حدث، وروى للأناضول تفاصيل ذلك قائلا "حين اقتحموا الكنيسة، أصابوا أحد حراس الأمن الثلاثة الذين كانوا موجودين بالمكان، قبل أن يقوموا بشدّ وثاق الاثنين الآخرين.. ثمّ قاموا بنهب كلّ ما وقعت عليه أيديهم، قبل أن يلوذوا بالفرار".

ولمواجهة هذه المعضلة التي أقضّت مضاجع سكان أبيدجان، لم تبق السلطات الإيفوارية "مكتوفة الأيدي"، على حدّ تعبير المسؤول عن الاتصالات لدى وزارة الداخلية والأمن في كوت ديفوار "كوليبالي بازومانا".

وقال "بازومانا"، للأناضول "تمّ الشروع في تشكيل قوة مشتركة، تتألّف من الجنود والدرك والشرطة تحت اسم "مركز تنسيق القرارات التشغيلية"، تعمل على التنسيق بين دوريات منتظمة تستهدف مختلف الأحياء في أبيدجان.

ومن بين الإنجازات التي حققتها "القوات الخاصة"، بحسب "بازومانا" دائما، اعتقال 30 "جرثومة" بداية العام 2014 ..

بعض السكان في كوت ديفوار يرون أنّه لا ينبغي توظيف القوة فحسب لمحاربة هذه الظاهرة الاجتماعية، وإنما يتعين "على الحكومة التركيز على التحسيس والتوعية عوضا عن استخدام القوة، لأنّ مثل هذه العصابات تمتلك الكثير من الأسلحة التي خلّفتها فترة الأزمة التي شهدتها كوت ديفوار"، بحسب أحد سكان حي "أبوبا" يدعى "دومبيا ياكوبا" في تصريح للأناضول.

ورأى "إيتالي ماثيو"، مهندس مقيم في منطقة "يوبوغون" أنه "ينبغي على الدولة مساعدة هؤلاء الشباب للعثور على الصراط المستقيم، فأن تعهد مصيرهم إلى المحاكم، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع".

ومن أجل الاستفسار عن الأخبار على الأرض، أكمل للتوّ وزير الدفاع الكونغولي "بول كوفي كوفي"، جولة في مختلف البلديات في منطقة أبيدجان، دعا، خلالها، الفاعلين الاجتماعيين إلى تأطير هؤلاء الشباب لتسهيل إعادة إدماجهم.

وكان رئيس الوزراء الكونغولي "دانييل كابلان دونكان" وعد، في 28 نيسان في تصريح صحفي، بتعزيز القدرات التشغيلية لـ "قوات الأمن لمكافحة أكثر فعالية لظاهرة الجراثيم الحديثة".

مبادرات تبدو حثيثة بالنسبة للحكومة الكونغولية، بيد أنها "بعيدة كل البعد عن ردع المجرمين" بحسب المتضرّرين من فظائع الجراثيم، وهذا ما يحتّم على الدولة "تكثيف إجراءاتها ضد" الجراثيم"، بحسب شهادات مختلفة لعدد من سكان أبيدجان وضواحيها، ممّن طالتهم عمليات العصابات المسلّحة.