إثر سقوط نظام معمر القذافي شهدت المناطق الحدودية الشاسعة لليبيا أزمة مزمنة حيث عجزت مختلف الحكومات المتعاقبة على ضبطها ما أدى إلى تنامي ظاهرة التهريب التي أضرت بشكل رهيب بالإقتصاد الليبي. و أدى ذلك العجز إلى مشاكل كبيرة لجيرانها، فتهريب الأسلحة والبشر الذي يعبر الأراضي الليبية، يتدفق بحرّية في جغرافيا المغرب العربي، وذلك بفضل الجماعات العرقية وعلاقاتها الوثيقة بشبكات الإجرام المنظَّم، والتي تعمل على ربط المنطقة بعضها ببعض.

اتهامات

أثارت مسألة التهريب تشنجا بين رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع و وزير داخلية الوفاق فتحي باشاآغا، حيث وجه صنع الله خطاباً لباشاآغا بشأن لجنة أزمة الوقود التي وصفها بـالوهمية. وأشار إلى ان اللجنة كانت تعمل كواجهة إعلامية للتستر على عصابات تهريب الوقود ودأبت على سرقة جهود الآخرين في مجال مكافحة التهريب وبث أخبار كاذبة من خلال تلك الصفحة، منوهاً إلى قيام المؤسسة بتقديم بلاغات رسمية إلى مكتب النائب العام بهذا الخصوص.

وشدد صنع الله على وجود عدة لجان لديهم تعمل تحت إشرافهم وهي القائمة فعلياً على رصد عمليات التهريب وشبكاته ووضع حلول لمكافحة التهريب وجمع الأدلة وتقديمها للنائب العام والأمم المتحدة والمجتمع الدولي والتي كان لتعاونها عظيم الأثر في مكافحة التهريب وجميع هذه الجهات تشهد بذلك في حين لم يسبق  للجنة الوهمية المعروفة بلجنة أزمة الوقود والغاز تقديم أية بيانات أو معلومات أو تقارير لأية جهة من الجهات المذكورة.

ولفت إلى أن عماد بن كورة رئيس شركة البريقة قد تعرض للتهديد من قبل مليشيات مسلحة في العاصمة طرابلس ومن عرابي التهريب في محاولة لإجباره على إعادة النظر في قرار حل ما يسمى بمكتب مراقبة توزيع الوقود والغاز بالشركة والذي كان يرأسه الهجرسي.

ويرى صنع الله أنه من المفترض قيام الأجهزه الامنيه بدورها في مكافحة التهريب لأن هذا هو واجبها دون انتظار أحد، منوهاً لنشر ذات الصفحة صوراً لإجتماعات قال أنها لإحاطة اللواء عبدالرحمن الطويل رئيس الأركان واللواء علي ابوديه رئيس الأركان الجوية ومعاونه العميد حسني الإمام لإحاطتهم علماً بالترتيبات التي يدعيها مع وزارة الداخلية.

مساع لمقاومة التهريب

أعلنت شركة البريقة لتسويق النفط، عن استكمال استعداداتها لإطلاق قافلة شاحنات محملة بكميات من بنزين السيارات وقود الديزل وغاز الطهي المسال من مستودع مصراتة إلى مدن الجنوب الليبي، وذلك بناء على المتابعة الحثيثة من جانب المؤسسة الوطنية للنفط. ونوهت الشركة، إلى أنها قد توصلت لاتفاق هام مع حكماء وبلديات المنطقة الجنوبية حيث سيتم حساب الكميات اللازمة بشكل يومي بالتنسيق مع الحكماء وبلديات المنطقة، وذلك سعيا منها لضمان وصول الوقود إلى أهالي الجنوب والحيلولة دون استخدام هذه الكميات في عمليات التهريب، بحسب البيان.

وذكر البيان، أن شركة ستقوم بنشر الكميات المسلمة يوميا مع كافة التفاصيل، فيما ستراقب البلديات التزام المحطات الواردة في القوائم المعلنة، والتأكد من أن عمليات البيع تتم بالسعر الرسمي، وأن هذه المحطات مفتوحه وتبيع للعامة وانها ليست وهمية. 

وتعهدت شركة البريقة لتسويق النفط، بوقف التزويد المحطات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاهها في حال ضبط أي مخالفة. وأثنت عن كل الجهود المبذولة من قبل جميع الجهات الأمنية المشاركة، وهي المنطقة العسكرية الوسطى، ومنطقة براك العسكرية، ومنطقة سبها العسكرية، ومنطقة الجفرة العسكرية، التي ستقوم بتأمين مسار شاحنات الوقود التابعة للجمعية التعاونية العربية لنقل النفط ومشتقاته، وذلك بالتنسيق مع عميد بلدية مصراتة وعمداء بلديات الجنوب.

في سياق متصل،شددت وزارة داخلية بحكومة الوفاق على كافة مديريات الأمن المحاذية للحدود مع تونس بضرورة تسيير دوريات على طول الحدود الغربية، لمكافحة عصابات التهريب هناك. وأشار بيان صدر عن الوزارة إلى أن التكليف شمل مديريات أمن باطن الجبل ونالوت والجميل ورقدالين على أن يتم التنسيق مع دوريات حرس الحدود والمنشآت النفطية. وأشاد البيان بجهود عناصر الشرطة الذين استجابوا لقرار الوزارة الذي يهدف إلى تأمين كامل الحدود.

وكانت لجنة أزمة الوقود والغاز فرضت سيطرتها على منفذ رأس اجدير الحدودي ، وتمكنت من منع كافة مهربي الوقود من عبور المنفذ مع تونس. وذكرت اللجنة أن المركبات الآلية لمهربي الوقود تصطف لعدة كيلو مترات ، ويقومون بنهب كميات تتجاوز المليون لتر من الوقود يومياً.

مؤشرات مرعبة

قدّرت منظمات تابعة للأم المتحدة قيمة الاقتصاد الموازي في ليبيا بأكثر من 10 مليارات يورو في العام، وجاء هذا ضمن تقرير مُفصّل رصد تغوّل التهريب في ليبيا. وأرجع التقرير الصادر عن وكالة الأنباء الإسبانية، أن فرنسا وإيطاليا عزّزتا الانقسام السياسي في ليبيا، ما أدّى إلى توسّع نشاط التهريب في الوقود والأسلحة في ظل غياب الحكومة والدولة الموحّدة. موضحا في ذات الوقت أن التهريب يعتبر مصدرا لبعض العائلات في مناطق جنوب غرب وشمال غرب ليبيا.

وأوضح التقرير أن قرابة 1.5 مليار يورو، كانت قيمة الأرباح في "الأعمال القذرة" المتصلة بالهجرة السرية لأوروبا، مشيرا إلى أن الاتفاق الذي وقّعته إيطاليا مع الجماعات المسلحة "العمّو" ساهم في خفض عدد المهاجرين في الفترة الماضية. وتمكّن 24 ألف شخص تقريبا من الوصول لإيطاليا ومالطا عبر  الطريق الأوسط بالبحر المتوسط وكانت ضحايا العام 2018 من المهاجرين تزيد عن 1200 شخص.

واعتبر التقرير أن عام 2017 كان أكثر من ناحية أعداد الواصلين المسجلة إلى إيطاليا ومالطا، الذي تجاوز 120 ألف شخص، و2900 شخص لقوا حتفهم في المتوسط. مشيرا إلى أن تجارة تهريب البشر لم تتأثر بهذه الأرقام. وما زال المهاجرون يصلون إلى ليبيا تحت رحمة الجماعات المسلحة.

وحول الوقود المهرب، قدّرت منظمات حقوقية قيمة الأرباح بملياري يورو نتيجة البيع في دول الجوار لليبيا، وذكر التقرير أيضا أن التهريب الممنهج للوقود، تسبب أيضا في تمرير البنزين والديزل إلى ليبيا بشكل سري من دول الجوار، ويباع بكميات فلكية. وحذّر التقرير أن طرق التهريب استغلتها الجماعات الإرهابية الموجودة في ليبيا، وبلدان الساحل القريبة منها، في تهريب عناصرها والسلاح في آن معا.

وحمّل التقرير الأوضاع المأساوية ونهب الثروات، إلى الانقسام السياسي الذي ازدادت حدّته في العام 2018 وعزّز وجود تلك العصابات في غرب ليبيا، معتبرا إن ليبيا بلدا فاشلا لم ينجح ساسته في ترسيخ الاستقرار مند احداث فبراير في العام 2011، وما أدّى إلى تفاقم الانقسام السياسي، هو تنافس الحكومتان في ليبيا الوفاق والمؤقتة على الموارد النفطية في البلاد، إضافة غلى تداخل الجغرافيا مع النفوذ الجهوي لدى بعض المدن والمناطق الساسعة في ليبيا.

يرى مراقبون أنه هذه الآفة مرتبطة بشكل أساسي بضعف الدولة التي أمست غير قادرة على السيطرة على إقليمها إذ أصبحت مرتعا لأهواء أمراء الحرب.