هي ابنة كلية الفنون والإعلام في طرابلس، درست في قسم الفنون التشكيلية قسم الرسم والتصوير وتخرجت عام 2002م، وعبر رحلة عمل وفن تواصل رسم ملامح تجربتها، معارض جماعية كثيرة شاركت فيهاو معارض خاصة، وبين هذا وذاك تتلمس بعضا من وجعها لكنها ترسم بأنامل الإبداع ألم هذا الكائن الباحث عن روحه التائهة، وكونها مبدعة لن تغيب المرأة وأوجاعها عن ريشتها الملونة الريشة التي كأنها أزميل تحفراللوحة بشراستها، لتعلن لهذا العالم عن تميزها. 

هي سعاد أحمد اللبة التي تحصلت على درجة الاجازة العالية /الماجستير 2011م تخصص رسم وتصوير من جامعة طرابلس،لتواصل رحلتها العلمية في ايطاليا ليكون دبلوم الدرجة العلمية الثانية في تخصص الفن الايطالية من الاكاديمية الايطاليةللفن، (Accademia diBelleArt Italia).

هذا الحوار معها بدأ بمراسلة في منتصف يوليو، الفضاء الافتراضي يجمعنا ذات حين ولكن يراوغنا في أحيان.

 هكذا اترك أسئلتي وأنتظر الإجابة أحيانا تتأخر ولكن سأجدها بانتظاري حتما، ويعنّ لي سؤال آخر فأتركه بانتظارها وأترقب، وأخيرا كان هذا اللقاء هذا الحوار مع الفنانة التشكيلية التي ترى أن الخيال والعمل هما أساس الفن والحياة بأكملها:

* المرأة ذات حضور لافت في أعمالك ؟


__ تجربتي الفنية التي مازالت ممتدة منذعشرين سنة، أجد أنه من الرائع التمتع بنجال تعشقه وتحقق فيه ذاتك وأن تستجمع مفردات من خيالك وتعمل على نسجها سويا، لتترجم بعد ذلك خطوطا وألوان على أسطح مختلفة الاحجام، أشعر بشعور ممتع لايوازيه شئ، وأصبحت أكثر ايمانا بأن الفرصة ربما تأتي للانسان، لكن النجاح لابدّ أن يسعى إليه، أدرس الفن وأتنفسه بشغف في كل مكان من حولي، ما أجمله من عالم ساحر، العالم الذي أجسد فيه أشكالا وأبطالا ينسجها حالة انسجامي وطقوسي الخاصة، نعم المراة ذات حضور لافت في أعمالي، لكن أعمالي الفنية ليست مقتصرة على المرأة فقط أو المرأة والرجل، رغم أن هذا طبيعي لأن آدم وحواء منذ بدء الخليقة لاينفصلان، ومن أعمالي لوحة بعنوان " آدم وحواء "، وربما كانت أعمالي عن المرأة أكثر، كونها تحكي قصة وتهدف لرسالة، فالمرأة شمعة كانت ومازالت تحترق من أجل البشرية ولهذا أحبّ ان أظهرها في لوحاتي، ولكن التنفيذ العملي للوحة يرتبط بالحالة المزاجية والوجدانية التي أمرّ بها والشعور الحقيقي والطموح، والتمرد والولادة الجديدة في بنية مجتمع يعيش غرابة التكوين، نحن في عالم صار يجيد ارتداء الأقنعة، بينما الفنان رمز الشفافية، هو من يزيل الأقنعة ليعبر بصدق عن أحلامه الذاتية وأحلام مجتمعه وانسانيته، والنور قادم لامحالة وكلنا ننتظر هذا البصيص من الأمل، كي لا أجسد المرأة في لوحاتي وبالنسبة لي كل هذا النجاح الذي حققته ومازلت أطمح في المزيد .بسبب دعم الملاك الطاهر والمدرسة الأولى _ كنز المحبة الخالص _نهر الحنان الدافق التي وضعت اللمسات الإلهية على حياتي وسعت وشقيت لأنعم بالراحة والهناء، أمي الحبيبة أطال الله في عمرها وأمدها بالصحة والعافية، وطبعا أسرتي الجميلة وأصدقائي .

* وأنا أتأمل لوحاتك لاحظت أن المرأة في لوحاتك ذات ملامح مشوشة وغائمة .؟!


_ ربما، ولكن عبارتك هذه ذكرتني بيوم مناقشة رسالتي للماجستير في ليبيا، وتحديدا في طرابلس في عام 2011م،والتي كان عنوانها ( المرأة كعنصر تشكيلي في الوحة الليبية المعاصرة) طبعا بعد دراسة وتحليل ومقارنة للوحات الفنانيين الليبيين وجدت أن الفنان الليبي لم يرسم منذ بداية القرن العشرين إلا نوعين من اللوحات التي تمثل المرأة،وطبعا كانتا واقعيتين وليس (كموديل عاري يرسم مباشرة مع الفنان ) بل كانت باللباس التقليدي والحلي العائلي والنظرة الفوتوغرافية الثابتة لتأكيد السلطة والجاه،ومن جهة أخرى كانت المرأة " الغجرية " بالزي البدوي وكانت هذه اللوحات بالنسبة لمجتمعنا المحافظ مناسبة وترضيه ولكن لاترضي الفنان، لذا حاول هذا الفنان أن يرضي غروره لاظهار الجمال الذي تتميز به المرأة عن غيرها من الكائنات،فكانت النتيجة تحولا كبيرا وجريء نوعا ما،من المرأة الجامدة بنظرتها الثابتة، إلى المرأة ذات الحضور بثوبها الثراتي وألوانها الجريئة،إلى أن أصبحت ألوانا وخطوطا ومكعبات وحالة ابداعية مبتكرة من الفنان وكانت ولا زالت ليس له حدود بخياله واحساسه العميق، فكان الكثير من اللوحات بالاسلوب التجريدي والتعبيري الذي يتضمن اللون والمعنى والشكل،وهذا ماوصلت إليه من خلال رسالتي، وايضا كانت لوحاتي بنفس النمط لأني ابنة هذا المجتمع، رغم أن من قرأ رسالتي قال : أنها جريئة جدا وحتى دكتوري المشرف في الدكتوراة في ايطاليا طلب مني أن استمر في هذاالموضوع وشجعني عليه، لأن الفنان يجب أن يكون كل شيء أمامه مباح،  بالنسبة للفن طبعا لأن نظرته وعالمه تختلف عن الانسان العادي، ولكن اتضح في المجتمع العربي دائما يكون مقسوم بين فنه  ورغبته في اظهار كل طاقته من خلال ابداعه، ومجتمعه الذي يجب أن يرضيه قبل أن يرضي نفسه.


* لديك لوحة تذكرني برسومات الكهف التي رسمها الانسان الليبي القديم،ألوانها وما توحي به مع موضوعك الأثير المرأة طبعا، 

ماالذي ستخبرني الفنانة سعاد اللبة عن لوحتها وهل وضعت لها اسما.؟ 


_ كل لوحاتي لابد أن تكون لها قصة او حدث مضى أو مازلت أعيشه، لهذا أشعر أن لوحاتي يشعر بها المتلقي حتى لوكان ليس فنانا أو متذوق للفن، لأني عندما أرسم أشعر أني في لقاء مع الحبيب أكون باحساسي وفي حالة انسجام تامة وبطفوس خاصة، أجسد ألواني المثيرة النابعة من الروحانية العالية وفي مرحلة صدق وحزم أعيشها مع اللوحة قبل البداية والغوص في ألواني، وهي ردة فعل حيث يخرج ما بداخلي في لحظة توحد مع الذات ليصبح متعة مرئية، تنبثق الفكرة من صراع نفسي داخلي، ناشئ عن معاناة أو ألم أو غير ذلك مما يسهم في ايجاد رؤيا فنية تبدأ في التشكل ذهنيا وتنمو رويدا في جنبات الذات الحاضنة لهذا الصراع البركاني، وقد يتأثر التنفيذ العملي للوحة بالحالة المزاجية والوجدانية التي أمرّ بها، فإذا كنت سعيدة تأتي اللوحة مبتهجة، وإذا كنت حزينة جاءت اللوحة ممزوجة برائحة الحزن ومذاق المعاناة، كل فنان حساس يمتلك الأدوات والأفكار التي يستطيع التعبير من خلالها بطريقة مختلفة، لذلكرسمت الواقعية بعدها الانطباعية ومنها إلى الفن التجريدي، وقد عرفت أنني خيالية أكثر من كوني واقعية حتى عندما اخرج عن الموضوع الذي أرسمه وأتوه في بحور الأفكار والألوان، ربما لأن الواقع يقيدني ويشعرني أنني غير حرة، وأنا بطبعي متمردة أخبّ الخروج عن المألوف والتمرد على الواقع.

ومن خلال الفن التجريدي والتعبيري وكلاهما أشكال مجردة ولهما عناصر تحرك الروح و تنقل المشاعر والأحاسيس إلى حالة متبدلة،فالفن التجريدي متعمق باللون ويفرض الاحساس به وهو عمل يمكن أن تقرأه من بعد ومن قرب،وفيه توافق وتوازن لوني بين المكونات التي تتشكل منها اللوحة، فهو يهتم بجوهر العلاقات إلا أنه نداء داخلي ينادي بالتخلص من آثارالواقع والارتباط به، ولكن لا نفرط بالمبالغة في الغموض كمعنى والتجريد كشكل بدون دراسة حقيقية والابتعاد عن الموضوع وارتباطه بقصة وهدف، هذا يوقع الفنان في مأزق وبعدها تصبح أعماله مسموعة أكثر منها مرئية، بمعنى أنها لامعنى لها إلا إذا شرحها ولأن اللوحة لابد أن تعبّرعن نفسها بشكل يشدّ المتلقي ويؤثر فيه عاطفياومعنويا،وليست أن أحد المدارس الفنية  أفضل من غيرها، لكن المهم أن يتحقق معنى الابداع والتميز وليس على مايصاحبها من تأثير صوتي تقوم به للشرح عن المعاني المقصودة منها، وبشكل عام أنا لا أحب أن أشرح عن أعمالي لأن ذلك قد يشوّه اللوحة، وأشعر أن اللوحة أشبه بالقصيدة والأغنية فالحن والأغنية أحيانا يخدمان القصيدة وقد يطمسان معناها، لهذا الأفضل أن ترك المتلقي يتأملها ويشعر بها بطريقته ويغوص في آفاقها، واترك له البراح في القراءة وأتحاورمعه،واتركه ينقل لي نظرته الروحانية، مثل ما أخبرتني أن هذه اللوحة تذكرك برسومات الكهوف،احساسك انتقل إلى دون أي حاجزوشعرت بنفس شعورك وهذا الاحساس يختلف من متذوق إلى آخر هذا يبعث فيّ النشوة لأنك سكنت لوحتي بداخلك وبداخل الآخرين وأخذتكم إلى البعيد .. أنت أخذتك إلى عصر ماقبل التاريخ وأنا رجعت معك لذاك العصر،تسألين عن اسم هذه اللوحة. 

بعض اللوحات أسميتها وكانت الاسماء تحمل الكثير من المعاني "الحياة""الولادة "وغيرها من الاسماء.

* ثمة صراع وتضاد في علاقة الرجل بالمرأة يبدو جليا في لوحاتك،  ولديك هذه اللوحة التي توحي بالشرخ في هذه العلاقة .؟

__ فني هو ملاذي الوحيد الذي يعبر عن مشاعري وأحاسيسي الداخليةوعن وجداني، لهذا تتكون عندي عملية اعادة بناء العالم المرئي وفق ذوق وخيال وقصة مررت بها، كما أخبرتك حينما أكون في عالمي وأمام لوحتي حديثة الولادة، تنبثق الفكرة لدي أساسا من صراع نفسي داخلي ناشئ عن معاناة أو ألم أو غير ذلك مما يسهم في ايجاد رؤية فنية، تبدأ في التشكل على اللوحة بالخطوط والألوان، وهذه اللوحة رسمتها باحساس ومعاناة مررت بها سابقا وظلت مخزونة داخلي جتى جاءت هذه اللحظة وخرجت بهذه الصورة،الروح مليئة بالتراكمات الحزينة والمفرحة،هذه اللوحة أحبها كثيرا وتلمس روحي من الداخل، وحتى عندما عرضتها في أحد المعارض كان عليها اقبال كبير، لكن لم أبعها حتى الآن،وقد وضعت كغلاف لكتاب شعر للكاتبة الليبية لطيفة القذافي، وقد اقنت سيدة ايطالية تسخة من هذه اللوحة، أحبتها كثيرا وأحست أنها هي الموجودة داخل اللوحة، رغم أني لم أحل لها عن قصة اللوحة، لكن هي أخبرتني أني رسمت قصتها والشرخ العميق الذي كان في حياتها .

* وأنت تدرسين في إيطاليا وتقيمين في روما مدينة الجمال والفن، ما تأثير ذلك عليك كفنانة تشكيلية .؟

_ إيطاليا بلاد الفن والجمال والتاريخ والموضة والأكل الطيب أيضا، وإرث زخم وامتداد لاجيال تركوا بصمة في لوحة الحياة، لهذا بالنسبة لي النقلة روحية ومعنوية أكثر منها مادية، سواء أكان ابداعي انطلاقامن انعكاس احساسي ومشاعري المخزونة التي حملتها معي من بلدي الحبيب ليبيا، مهما كانت المعاناة والمواجهة اليومية والدائمة من أجل الخروج الخروج والبحث عن الابداع، وطبعا من اشكاليات أخرى كالتقاليد المحلية التي تقيد كل فنان في فنه، ولم يستطع حتى الان التحرر من من التمزقات العديدة التي تواجهه في مجال ابداعه المحضة، للتعبير عما يختلج في نفسه من صور وانعكاسات تلقائية والتي تعتبر منبعا هاما من منابع العطاء الانساني منذ ما قبل التاريخ، لقد وجدت في هذه النقلة كل ما كنت أفتقده في فني، لأن الفن رحب وكل ما في الكون يمكن أن يجسد في عمل فني ابداعي جميل، ولابد أن تكون له حرية التعبير، وكل شيء مباح أمام الفنان في فنه، وأشعر أحيانا بالغربة في المجتمع الذي أحيا في ظله والذي أتفاعل معه على نحو وآخر وأثأتر به وأيضا أؤثر فيه، ولكن لا أستطيع أن أذوب في تياره أو أتجانس تجانسا كاملا مع اتجاهاته ومواضعاته، شعوري يظل بصفة دائمة كيانا مستقلا قائما بذاته وغير ذائب في المزيج الاجتماعي الذي يوجد به، لهذا في نظري كل فنان يمثل عالما خاصا في مقابل العالم المحيط به،له خصائصه واتجاهاتهوكل بلد في العالم أشعر أنها وطني استنشق فنها وتاريخها وأتلذذ بثقافتها وأستفيد من تجارب الفنانين، هذا يضيف لرصيدي الفني واكتسب خبرة واسعة في الفن .