خصص الصحفي والسياسي اللليبي الدكتور مصطفى الفيتوري مقاله الأسبوعي ليخبرنا حكاية الاستاذ الجامعي الليبي السابق حسين خير الذي أصبح بيته في مدينة بني الوليد ملاذا للمهاجرين واللاجئين خلال رحلتهم المحفوفة بالمخاطر نحو أوروبا. 

واستهل الدكتور الفيتوري مقاله بقول على مدى السنوات الثماني الماضية أصبحت مدينتي بني وليد -التي تبعد 180 كيلومتراً جنوب غرب طرابلس- أحد الطرق المفضلة للمهرّبين والمهاجرين غير الشرعيين الذين يتوجهون شمالاً نحو ساحل البحر المتوسط في رحلتهم الخطرة إلى أوروبا عن طريق البحر. ويمتد الطريق من الصحراء الليبية الجنوبية لأكثر من ألف كيلومتر. وعادة ما يصل المهاجرون على دفعات تتراوح بين 100 وأكثر في شاحنات صغيرة ينظمها المهربون ويقودها في الغالب السكان المحليون الذين يعرفون المنطقة ويمكنهم تجنب الكشف بسهولة.

وأضاف الصحفي الليبي عندما يتوجه المهاجرون إلى بني وليد  -ومعظمهم من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء- يبحثون عن وظائف يومية للحصول على ما يكفي من المال لمواصلة رحلتهم نحو طرابلس و القره بوللي على البحر الأبيض المتوسط. البعض لديهم ما يكفي من المال لذلك يواصلون رحلتهم مباشرة إلى صبراتة والقرة بوللي  غرب وشرق طرابلس على التوالي. وبمجرد الوصول إلى هناك  من المرجح أن يضطروا إلى الانتظار ما بين أسبوعين وشهرين قبل أن ينظم المهربون رحلة بحرية إلى جنوب إيطاليا باستخدام قوارب مطاطية وتضعهم في الجزء الأكثر خطورة من رحلتهم المحفوفة بالمخاطر بالفعل.

وعلى مدار هذه الرحلة اليائسة يموت العديد من الجوع والجفاف ، والبعض الآخر يتم قتلهم بالرصاص إذا علقوا  في تبادل لإطلاق النار بين مختلف المهربين الذين ينخرطون في قتال من حين لآخر حول السيطرة على طريق الإتجار الطويل.

أما في بني وليد فيمكن للمهاجرين التأكد من حصولهم على بعض الراحة والطعام والرعاية الطبية المجانية وحتى الملابس بفضل منظمة محلية تسمى "البيت العام"  -منزل أمان- التي أنشأها الأستاذ الجامعي السابق حسين خير.

وبدأ خير منظمته البيت العام كمؤسسة خيرية تهدف إلى مساعدة المهاجرين في عام 2016. وتمول أنشطته من تبرعات من السكان المحليين ومنظمات خيرية محلية وهو "يقبل أي نوع من التبرعات سواء كان المال أو الملابس أو الطعام أو الدواء".

وبين عام 2016 واليوم  مرّ 4873 مهاجرًا بالبيت العام بما في ذلك 447 امرأة. وعادة ما يبقون في المكان بين يوم واحد وأسبوع قبل أن يقرروا خطوتهم التالية. ومن خلال المنزل  يحشد خير شبكته من المتطوعين  بما في ذلك الأطباء وكذلك علاقاته بالمستشفى المحلي. يتم نقل جميع الذين يحتاجون إلى العلاج الطبي إلى المستشفى أو يعالجون في المنزل  حسب حالتهم. وقد أنجبت حتى الآن 13 امرأة على الأقل في المنزل. وظلوا لفترة أطول يتلقون رعاية مجانية إلى أن يكونوا في صحة جيدة للرحيل. يجد بعض المهاجرين وظائف في المدينة ويقررون البقاء في بني وليد ويزورون البيت العام بين الحين والآخر. آخرون يواصلون رحلتهم نحو أوروبا.

في البيت العام يحاول خير تسجيل الناس مع أخذ أكبر قدر ممكن من التفاصيل بما في ذلك بلدانهم الأصلية والإشارة إلى الكيفية التي يريدون المضي بها. إذا قرر أي منهم رغبته في العودة إلى وطنه وعدم الاستمرار في التوجه نحو أوروبا ، فإن خير يخبر المنظمة الدولية للهجرة  التي تجري اتصالات منتظمة مع البيت العام عبر  مكتبها في طرابلس. ثم تقوم المنظمة الدولية للهجرة بإعادة توطينهم كجزء من "برنامج العودة الطوعية" الخاص بها.

ولا يقوم المهاجرون خلال فترة إقامتهم في البيت العام ملزمين بأي عمل آخر غير التصرف بمسؤولية ومراعاة قواعد المنزل التي تشمل: الإبلاغ عن أي إساءات، وعدم مغادرة المنزل بعد حلول الظلام، والانتظار في وقت الوجبات، وعدم التسول في الشوارع ولا تخفي أي حالات طبية قد تكون معدية.

وقال خير "هذا يساعدنا على تحديد احتياجات مختلف الناس ومساعدتهم وفقا لذلك "، كما أنه يساعد المؤسسة الخيرية على تحسين عملها من خلال الحصول على الملاحظات بشكل مباشر.

ومنذ افتتاح أبوابه للمرة الأولى كان البيت العام ملاذا  للناس من كل دولة جنوب الصحراء الأفريقية باستثناء جنوب أفريقيا وناميبيا، عادة ما يكتشف المهاجرون ذلك من السكان المحليين ونقاط التفتيش التابعة للشرطة حول بني وليد في حين يسمع البعض عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي أي يوم من الأيام  يصل ما بين ثلاثة إلى 12 مهاجرا إلى البيت الآمن. وبمجرد التسجيل يتم توفير الرعاية الطبية اللازمة لهم والسرير والبطانية والطعام.

وأبواب البيت العام مفتوحة للقادمين الجدد في أي وقت، وإذا لم يكن خير موجودًا في وقت وصولهم فإن السكان المحليين يعتنون بالقادمين الجدد.

وقد جعل المناخ السياسي غير المستقر في ليبيا على مدى السنوات الثماني الماضية البلاد هدفاً سهلاً للمهربين الذين يقومون بتهريب المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا. وتتكرر الأخبار الواردة من ليبيا عن حالات الإساءة المرتكبة ضد المهاجرين واللاجئين. وكثيراً ما لا يتم الإبلاغ عن العمل الإنساني الذي ينفذه السكان المحليون لمساعدة اللاجئين والمهاجرين.

أثبتت أعمال خير أن "الليبيين يهتمون بالآخرين"، وهو يقول هذا "سيحسن صورة ليبيا تلقائياً"، ومع ذلك يبقى الدافع وراء ما يقوم به خير بحسب تعبيره "مساعدة هؤلاء الفقراء على أن يكونوا آمنين على الأقل لبعض الوقت".