أعاد الكاتب الصحفي محمود البوسيفى، رثاء المصور الراحل أحمد السيفاو، في ذكرى رحيله، عبر تدوينة نشرها على حسابه بفيسبوك، تمثلت في إعادة نشر مقالة  نشرت في الصفحة الأخيرة ضمن مقالات أسبوعية على جريدة الجماهيرية منتصف تسعينيات القرن الماضي، بعنوان "لهفة العاشق( في ذكرى رحيله) "، ننشر نصها في هذا السياق.

"أحمد السيفاو أو الاسم الحركي للهفة .. عاشق التفاصيل الصغيرة .. يرصدها أولاً بإحساسه.. يتفحصُها.. وأزعمُ أنني رأيته مرةً يشمها .. يعاين تضاريسها بصبر صيادٍ قديم .. قبل أن يسدد عدسته نحوها ويصطادها   في استنطاق مدهشٍ للظل والضوء.

السيفاو.. هذا اسم شهرته في طول البلاد وعرضها .. وهو أيضاً ما يعرفه به المبدعون على أمتداد الوطن الكبير .. السيفاو .. عاشق الوطن .. يدس مفاصله في حقيبة ترافقه في كل مكان .. رأيت ذات خريفٍ يحاور طفلاً قرب قوس ماركوس وكأنهما صديقين من زمن له رائحة الفصل المدرسي.

هيئته لا تقود إلى احتمالات كثيرة .. فهو يسرج ذاكرتك للوهلة الأولى بمناخات الستينيات حيث فرقة البيتلز تصنع أخدودها المدهش في جسد القارة العجوز .. وطلاب جامعات نانتير والسربون يعيدون حرث المواسم وهم يبذرون الغضب .. لكنك سرعان ما تكتشف عذوبة رقته يقعى كعجوز أو كطفل لا فرق .. وهو يراقب ساقاً أخضراً نحيلاً يخترق الأسفلت.

من المشايين الذين تعرف أرصفة المدينة القديمة خطواتهم الثابتة .. يزرع شوارعها متأملاً الشرفات والبواكي وجذوع الشجار والأبواب العتيقة وإطارات النوافذ .. يحشو جيوبه بالحلوة يدسٌها في أيدي أطفال الأصدقاء ومن يصادفهم في طوافه اليومي.

جبلي يعارك المدينة .. قال لي إنه ولد في طرابلس لكنه يعتقد يقيناً أنه ولد أيضاً في البِركة وقصر حمد وسلطان وكاباو وبَراك ومساعد يعارك المدينة .. ويغار عليها كصديق حميم .. يحمل في حقيبته شراسة ذئاب الجبل .. ونعومة حَمام الساحل.

ثقته بنفسه بلا ضفاف.. كما محبته للوطن والناس.

هو ليس مجرد مصور .. يرصد اللحظة ويوثقها .. وليس مجرد صحفي يناور الاتجاهات للقبض على ما يريد .. هو فنان يبحث عن طمأنينة .. يعثر عليها حيناً .. وتغالبه معظم الأحيان."