رأى عضو اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الليبية وسفير ليبيا في الهند سابقا، رمضان البحباح، عدم وجود تناقض بين مفهوم "القبيلة" ومفهوم "الدولة"، موضحا أن القبيلة ليس لها أي دور سياسي ويقتصر دورها في الجانب الاجتماعي، أما مفهوم الدولة فهو مفهوم سياسي بحت لا يقتصر على المفهوم الاجتماعي وليس له علاقة به إلا كون القبائل تمثل الشعب وهو أساس تكوين الدولة فلا دولة بدون شعب.... وللحديث بشكل أكثر تفصيلا عن القبيلة في ليبيا ودورها الاجتماعي وتاريخها وصولا إلى ملتقى القبائل الليبية الذي عقد مؤخرا في مدينة ترهونة، كان لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية" هذا الحوار مع عضو اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الليبية وسفير ليبيا في الهند سابقا، رمضان البحباح.. وإلى نص الحوار



بداية.. حدثنا عن القبيلة ودورها في ليبيا؟

القبيلة في ليبيا هي المكون الاجتماعي الطبيعي للمجتمع، وفيها يجد المرء ذاته وتقع عليه عدة التزامات مادية وأدبية تجاهها، فقد اقترنت في فترة من الفترات باسمه، ومن خلالها يجد قيمته المعنوية والمادية، وتقع عليه العديد من المسؤوليات سواء كانت في علاقة قبيلته بالقبائل الأخرى، أو كان ذلك داخل القبيلة نفسها، وظلت القبائل يحكمها العرف الاجتماعي في تعاملها مع بعضها وكذلك بعض التعهدات والاتفاقات سواء كان ذلك في المرعى أو الحراثة، وتعد القبيلة هي السلطة الإدارية فضلا عن السلطة الاجتماعية التي يستطيع الفرد من خلالها أن يتحصل على ما يريده سواء بتأييد القبيلة أمام طموحه السياسي والاجتماعي، ومن العادة كانت لقدرات الفرد وامكانياته وقدرته على التصرف والتعامل هي التي تبرزه كزعامة اجتماعية، وتشتهر القبائل بقدرة وحنكة رموزها حتى ظهرت وعرفت بعض الأمثال التي تنص (بأن الفارس يحيي القبيلة والقبيلة ما تحيي فارس) بمعنى عندما يبرز الرجل في القبيلة شجاعة وتصرفا وقدرة على إقناع الآخرين تشتهر قبيلته بهذه القدرات ولا توجد قبيلة أنتجت وأنجبت فارسها بل على عكس ذلك، ومن التقاليد التي عرفت عن القبيلة هو التبرؤ من أفرادها عندما يشكلون بوادر انحراف خلقي أو اجتماعي أو جنحوا الإجرام فالقبيلة تتنصل من تصرفاتهم وتنزع منهم لقب القبيلة.


ما الدور الاجتماعي والسياسي الذي تلعبه القبيلة في ليبيا منذ عام 2011؟ 

كانت القبيلة قبل 2011 في ليبيا لها كل التقدير والاحترام باعتبارها الإطار الاجتماعي للفرد وظلت على هذا المنوال ولم يكن لها أي دور سياسي أي ما يتعلق بالجوانب الإدارية والاقتصادية واقتصر دورها فقط على الجانب الأدبي، والمحافظة على الأعراف والتقاليد التي تجسد قيم المجتمع وأخلاقه، وظلت هي صمام الأمان أمام أية تداعيات لها علاقة بحالات الاحتراب أو التعدي بين العائلات، فكانت هي المرجعية التي تدعم السلطة القضائية وتيسر لها هذه المهام سيما في حالات الحرابة والقتل أو قضايا الشرف، بل اعتبرت هي الركيزة الأساسية في النظام الجماهيري كونها أساس للاستقرار في كافة الجوانب حيث اشتق مصطلح الجماهيرية من الجماعية فعندما يسود المجتمع الوئام والاستقرار الاجتماعي حتما سينعكس بشكل مباشر على الأوضاع السياسية في المجتمع ، لكنها لا تتدخل في حقوق الأفراد تجاه الاستحقاقات الوطنية ولم تتدخل في أي شأن سياسي أو عسكري أو أمني، لكن بعد أحداث 2011 وإسقاط النظام الجماهيري واغتيال قائده حدث شرخ اجتماعي خطير حيث فسر الذين أتوا على ظهور الطائرات والبوارج بأن الذين واجهوا ما أسموه بـ "ثوار فبراير المدعومين بحلف الناتو" هم قبائل معينة كانت داعمة لمعمر القذافي وحاولوا إنكار مقاومة الشعب الليبي بكافة قبائله ومناطقة والتي ضربت مثلا في الشجاعة والإصرار على الدفاع عن سيادة ليبيا التي استمرت ما يقرب من ثمانية شهور قدم خلالها أبناء القبائل الليبية خيرة رجالها وشبابها في مشهد بطولي قل مثيله، وحاول حكام ليبيا الجدد بدعم خارجي العمل على إذكاء الصراعات بين المناطق والقبائل وذلك بإصدار قرارات من حكومات فبراير تجيز تدمير المناطق وقبائلها وقتل أبنائها وتهجيرهم فيما عرف بقرار رقم 7 الذي أصدره ما يسمى بالمؤتمر الوطني الذي يرأسه المقريف والذي أجاز بضرب قبائل بني وليد بمليشيات مصراته، وكذلك تدمير ورشفانة وتهجير قبائلها بمليشيات طرابلس والحرب بين قبيلة الزنتان والمشاشية والتي استخدمت فيها الدبابات والغازات السامة المحرمة دوليا وقبل ذلك تدمير مدينة تاورغاء بالكامل وتهجير كافة سكانها من قبل مليشيات مصراته وقد ارتكبت هذه الجرائم أمام المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكنا تجاه هذه الحروب التي اشعلها ونفذها أدواته في الداخل المتمثل في حكومات فبراير، واعتبار أن ما حدث في ليبيا هو صراع داخلي كي ينفض الغرب يده من تدخله السافر والمباشر وإقناع العالم أن ما يجري في ليبيا هو صراع داخلي بين أطراف ليبية على السلطة مثلما يتم تسويقه الآن من خلال مؤتمرات تعقدها الأمم المتحدة في بعض العواصم الأوروبية.


كيف يمكن تجاوز التناقض بين مفهومي القبيلة والدّولة؟ 

لا يوجد تناقض بين مفهوم القبيلة ومفهوم الدولة مادامت القبيلة ليس لها أي دور سياسي ويقتصر دورها في الجانب الاجتماعي وهذا بالتأكيد أمر طبيعي، أما مفهوم الدولة هو مفهوم سياسي بحت لا يقتصر على المفهوم الاجتماعي وليس له علاقة به إلا كون القبائل تمثل الشعب وهو أساس تكوين الدولة فلا دولة بدون شعب، لكن الشعب في الدولة يمثل أحد أساسيات تكوينها وهم يشكلون كوادرها في كل المجالات والجميع يتساوى أمام واجباتهم تجاهها ولهم حقوقهم دون ابخاس كونهم يتمتعون بحق المواطنة التي تنظمها الدساتير والقوانين وكذلك الأعراف، إن مجتمعاتنا العربية التي يحكمها العرف والدين لا يمكن أن تتناقض مع مفهوم الدولة والذين يفسرون بأن الدولة المدنية والديمقراطية مفصولة عن هذين العاملين هم متنطعين كونهم يحاولون إسقاط النموذج الغربي المفكك اجتماعيا ودينيا وقيميا عن واقع مجتمعنا وهذا هو التناقض بعينه، اعرافنا وتقاليدنا وديننا يعلي من قيمة الفرد ويعتبره هو خليفة الله على الأرض وهو المسؤول عن ادارتها والتصرف فيها بما يحقق الرفاهية والسعادة للمجتمعات وليس التفسير المادي للحياة الإنسانية.


هل يمكن بناء دولة بعقلية "قبلية"؟ 

القبيلة شيء والقبلية شيء آخر، فالقبيلة كما أسلفنا هي المكون الطبيعي للمجتمع وهي الأسرة بعد أن كبرت وتخضع في تكوينها إلى عاداتها وتقاليدها واعرافها وهي محكومة بعلاقات اجتماعية صرفة، أما القبلية فهي حالة تعصب وتطرف مثلما يتطرف الفرد دينيا أو حزبيا أو طائفيا، هنا تتحول القبيلة لدور يتنافى مع دورها الطبيعي وهذا التعنصر يضعها في حالة من التناقض والصراع مع بقية القبائل التي ترفض أي نوع من الابتزاز الذي يؤدي الى الصراع ومن تم يؤدي الى التناحر، وعليه لا علاقة للقبيلة ببناء الدولة لأن الدولة تمثل الشعب بكافة مكوناته واعراقه وثقافاته متى تغولت القبيلة واعطت لنفسها حكم الآخرين فحتما سيكون ذلك على حساب الدولة ويؤدي الى تفكيكها وتدميرها ومن هنا يقتصر دور القبيلة الطبيعي على الجانب الاجتماعي وليس على السياسي، فالصراع القبلي مثله مثل الصراع الحزبي والصراع الطائفي فهو صراع مدمر على الدولة وعلى المجتمع.


ما هو السياق العام لمؤتمر القبائل في ترهونة الأخيرة؟ 

أعتقد أن مؤتمر ترهونة كان ضروريا ومهما بخاصة في زمانه ومكانه، لأن لقاء بهذا الحجم وهذا العدد هو رسالة للعالم ومنظماته بأن ما يجري في ليبيا ليس حربا اهلية كما يراد لها وليست حالة صراع قبلي أو مناطقي على السلطة، وهو اضحظ كل الدعايات التي سوقتها وسائل إعلام مسمومة بأن هناك غزوا قبليا من الشرق الليبي المتخلف إلى الغرب الليبي المتحضر، كما سوق له من بعض الأفواه المأجورة أو أنه غزو عسكري يريد الإطاحة بالدولة المدنية في طرابلس، مؤتمر ترهونة كان ردا قويا على كل هذه الحملات المسعورة وهو رد قوي على المحاولات الخارجية والعبث الخارجي الذي تمارسه دول معروفة تتدخل بشكل فض في الشأن الداخلي الليبي ولا تريد الاستقرار وتريد الاستمرار في حالة القتل والتشريد للشعب الليبي وكذلك سرقة ثروات الليبيين ونهب مدخراتهم ، وتحويل ليبيا إلى وكر للإرهاب وحالة صراع بين جماعات إرهابية وافدة مدعومة من دول خارجية.


برأيك ما هي أهم مخرجات ملتقى القبائل بترهونة؟ 

إن أهم ما أكد عليه مؤتمر ترهونة أن الحل للأزمة الليبية يقتصر فقط على الحل العسكري وهو الحل الوحيد والجذري للمشكلة الليبية التي يتم العبث بها من دول نافذة على الساحة الدولية، وليس كما يجري تسويقه بأن مشكلة ليبيا هو صراع سياسي على السلطة بين أطرف تريد أن تفوز بكراسي الحكم،  وكذلك رسخ الملتقى مبدأ لا حل الا بعد محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه بضرورة قفل ضخ النفط والغاز الذي يذهب إلى سلاح يقتل به الليبيون، وأعتقد أنه مالم يمتثل العالم إلى رغبة الليبيين في تقرير مصيرهم بأنفسهم وهم بالتأكيد قادرين على ذلك بعيدا عن التدخلات، ودعم أطراف سبق أن فرضت على الليبيين دون الرجوع لهم فسيستمر الصراع المدمر الذي سيكون فيه الخاسر الوحيد هو الشعب الليبي.