في 20 سبتمبر 2017، أعلن مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، عن خطة العمل من أجل ليبيا، وذلك أمام الاجتماع الدولي رفيع المستوى الذي عُـقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك برئاسة الأمين العام أنطونيو غوتيريس. وترتكز الخطة على ثلاث مراحل رئيسية تتضمن تعديل الاتفاق السياسي مع الاخذ بعين الاعتبار تحفظات الاطراف الذين تم تغييبهم عن حوار الصخيرات، وعقد مؤتمر وطني يهدف لفتح الباب أمام المستبعدين من جولات الحوار السابق، وإجراء استفتاء لاعتماد الدستور، وانتخابات برلمانية ورئاسية.

ومع فشل كل مساعي المصالحة الوطنية في ليبيا على مدار الأعوام الماضية، في الانتقال بالوضع الليبي من حالة الفوضى والتردي الأمني إلى الاستقرار وإعادة البناء، بدا واضحا أن المبادرة الأممية، قد تفتح الباب أمام سبل الخروج من الأزمة، وباتت الانتخابات المزمع إجراؤها الخيار الأمثل والأمل القادم في تحقيق المنشود خاصة في ظل الدعم الذي حضيت به، محليا ودوليا.

وفي ديسمبر 2017، دشنت ليبيا أولى مراحل الإعداد لتنظيم الانتخابات العامة المقرر إجراؤها، حيث أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات رسميا، عن البدء في عملية تسجيل الناخبين وتحديث السجل الانتخابي، وجاء ذلك في وقت تواصل فيه الجدل محليا حول إجراء الانتخابات، بين من يرى ضرورة التعجيل بتنظيمها من أجل إخراج البلاد من الأزمة التي تتخبط بها منذ سنوات من جهة، ومن يدعو إلى تأجيلها بسبب عدم التوافق بين الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد، فضلا عن غياب الاستقرار الأمني، من جهة أخرى.

وفي الأثناء، بدت البعثة الأممية مصرة على تنظيم الانتخابات الليبية، فخلال لقاء موسع عقده المبعوث الأممي في مدينة مصراتة مع ممثلين عن الهيئات الوطنية والمجتمع المدني والمنظمات الشبابية، في نوفمبر 2017، قال مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، في تدوينة نشرتها صفحة البعثة الأممية عبر "فيسبوك"، "نحن ذاهبون نحو الانتخابات في 2018، حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن السلطة التنفيذية، ستجرى الانتخابات في العام 2018".

لكن رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، سرعان ما عدل عن جزمه هذا، فخلال المؤتمر الصحفي الذي عقد رفقة رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، الأربعاء 06 ديسمبر 2017، بمقر المفوضية بطرابلس، حدد سلامة، عدة شروط لإجراء ونجاح الانتخابات في ليبيا، وهي تأمين المقار الانتخابية وتأمين إشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين في العملية الانتخابية، فضلاً عن التشريعات اللازمة لهذه الانتخابات.

وأوضح، أن الشروط الواجب توافرها أيضا تنقسم إلى تشريعية وتقنية وسياسية، منها ضرورة توافر وجود مناخ سياسي صالح لإجراء الانتخابات، وأن يقبل القادة الليبيين والمواطنين بنتائج الانتخابات، مبينا أن الانتخابات الرئاسية مثلاً والتي لم تحدث قط، تحتاج لقانون ينظمها، كما أن الانتخابات النيابية بحاجة لذلك أيضًا رغم تكرارها مرتين.

وأكد المبعوث الأممي إلى ليبيا، أنه لا بديل عن الانتخابات وهي جزء من خطة عمل البعثة الأممية، وفي حال فشلها فالبديل هو الانتخابات مرة أخرى، مشددا على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة تهتم بالأمور المعيشية كمشكلة نقص السيولة، بالإضافة إلى وضع المؤسسات العامة وصيانتها.وأشار غسان سلامة، إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وجدت مستقلة وتعمل بمهنية واستقلالية مؤكدًا أن ما قامت به المفوضية عمل كبير، وأن السنوات القادمة سوف تثبت ذلك.

ومن أجل إنجاح الانتخابات، أطلقت البعثة الأممية مشروعًا جديدًا للمساعدة الانتخابية في ليبيا بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يحمل عنوان "تعزيز الانتخابات من أجل الشعب الليبي".ويهدف المشروع بحسب البعثة إلى تعزيز قدرة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا على إدارة العمليات الانتخابية، المتوقعة في 2018، بما يتماشى مع أفضل الممارسات والمبادئ المعترف بها دوليا.

وقال تقريرٌ للأمين العام للأمم المتحدة، في فبراير 2018، أنّ المشروع حصل على تمويل يزيد على عشرة ملايين دولار من الاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا.ولفت الأمين العام إلى إحراز "تقدم كبير فيما يتعلق بالتحضيرات لإجراء الانتخابات في العام 2018"، حيث قدمت البعثة الأممية الدعم للمفوضية العليا للانتخابات الوطنية وغيرها من الكيانات الرسمية الليبية، مشيرًا إلى إنشاء البعثة الأممية بالتعاون مع شركاء دوليين يعملون في مجال تقديم المساعدة الانتخابية، ثلاثة فرق عمل معنية بتسجيل الناخبين والتوعية العامة والتشريعات الانتخابية من أجل تنسيق جهود المجتمع الدولي دعمًا للعملية الانتخابية، كما جرى تنظيم حلقات عمل لمناقشة مشروع القانون الانتخابي بهدف تقديم الدعم لوضع صيغة نهائية لقانون الانتخابات.

وفي مقابل كل ذلك، بدا واضحا أن الطريق نحو الانتخابات ليس سهلا وسط تعقيدات وخلافات سياسية بين الفرقاء، إنضاف إليها التهديد الأمني الكبير الذي كشف عنه الهجوم الإرهابي، الذي استهدف مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بغوط الشعال، بالعاصمة الليبية طرابلس، مطلع مايو/أيار2018، والذي أوقع العديد من الضحايا بين قتيل وجريح وتسبب في إحداث دمار كبير في مقر المفوضية بحسب ما نقلت وسائل الإعلام.

وأثار الهجوم تساؤلات عدة حول مصير الاستحقاق الانتخابي المقبل وإمكانية فشله، بعدما تسبب في أضرار مادية كبيرة إلى جانب الأضرار النفسية والتي تعد قاصمة التأثير، بمحاولة ضرب حماسة الليبيين في الذهاب إلى صناديق الاقتراع قبل نهاية العام الجاري.كما ألقى الضوء على مدى قدرة ليبيا على تأمين الانتخابات القادمة في ظل المخاطر الأمنية الكبيرة، ليعيد بذلك الأصوات المطالبة بتأجيل هذا الاستحقاق.

لكن هذه المخاوف سرعان ما تبددت، مع اجتماع باريس، في أواخر مايو/أيار 2018، الذي شارك فيه كلًّا من فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، إضافة إلى عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشري، رئيس مجلس الدولة الليبي.والذي اتفقت خلاله أطرافُ الأزمةِ الليبية على العمل معا لتنظيمِ انتخاباتٍ تشريعية ورئاسية في العاشر من كانون الأول/ديسمبر.

ويرى قادة اوروبا في استقرار ليبيا خطوة رئيسية لمواجهة التهديدات الجهادية والهجرة بعد أن تحولت ليبيا إلى نقطة انطلاق لمئات الآلاف من الافارقة الذين يسعون للوصول إلى أوروبا.وقال مبعوث الامم المتحدة الي ليبيا غسان سلامة لوكالة فرانس برس "أنا متفائل"، وذلك بعد انتهاء المباحثات التي وصفها بأنها "تاريخية" لأنها جمعت بين الأطراف الليبية الرئيسية بالإضافة إلى دول المنطقة لأول مرة.

ورغم التفاؤل الذي أعقب اتفاق باريس، فإن الأوضاع الأمنية المتردية والمخاوف من تجدد القتال في ظل تواصل التوتر بين الأطراف المتصارعة وتحركات الجماعات المسلحة التي تنذر بمزيد من التصعيد، سرعان ما دفعت بالمبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، للتشكيك في إمكانية إجراء الانتخابات.

فخلال جلسة إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن الدولي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، الاثنين 16 يوليو 2018، قال سلامة ، إنه "ليس من الحكمة إجراء انتخابات في ليبيا في ظل الظروف الراهنة".مشيرا إلي أن "البلد يغرق أمامنا والوضع الراهن لا يمكن أن يستمر". لكنه رأى في المقابل، أن "البعثة الأممية هيأت منبرا للحوار في الداخل الليبي".

وقال المتحدث باسم رئيس المجلس الرئاسي، محمد السلاك، في تصريح لوكالة "سبوتنيك"، إن "ما قاله المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، عن صعوبة إجراء الانتخابات يأتي في سياق طبيعي نظرا للظروف التي تشهدها البلاد من انقسام سياسي ومؤسساتي، ولذلك جددنا الدعوة لكل الأطراف لتجاوز الخلافات السياسية والتسامي عن الخصومات وتوحيد المؤسسات لتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات في موعدها، وفقا لمخرجات اتفاق باريس في مايو/أيار الماضي".

وفي أغسطس 2018، أعاد مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، تأييده لإجراء الانتخابات في ليبيا، لكنه شدد على ضرورة أن "يسمح الوضع القانوني والأمني بذلك" وفق ما نشرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبر حسابها على موقع "تويتر".وتحدث سلامة على ثلاثة ضمانات لإجراء تلك الانتحابات تتمثل في "الحاجة إلى قانون تستند إليه"، بالإضافة إلى "وضع أمني يناسبها بحيث لا يتم التدخل في شؤونها"، وثالثًا "تحتاج قبول نتائجها التي تسبق عملية إجرائها".

من جهة أخرى، طفى على السطح صراع فرنسي إيطالي محموم في ليبيا، حول إجراء الانتخابات في هذا البلد الذي يعتبره الطرفان منطقة مصالح ونفوذ هامة.فبينما أصرت فرنسا على الذهاب للانتخابات، تحركت روما على أكثر من واجهة لعرقلة اتفاق باريس، حيث اعتبرت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، أنه "من الخطأ في ليبيا إجراء انتخابات قبل إتمام المصالحة".وأضافت خلال لقائها بفائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، في يوليو الماضي، أن "التعجيل في إجراء الانتخابات قبل استكمال عملية المصالحة الشاملة، سيضر ليبيا وإيطاليا، وعلى الجميع تفهم ذلك"، وفق وكالة الأنباء الإيطالية "آكي".

وقبل ذلك، اعتبر رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، أن إجراء الانتخابات الليبية في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول 2018، سيزيد من الفوضى السياسية في البلاد.وقال كونتي في تصريح إعلامي: "أخبرت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة مجموعة السبعة، أن هدفنا ليس تنظيم انتخابات بليبيا في ديسمبر المقبل، كما يريد (ماكرون)، بل استقرار البلاد".

التحركات الإيطالية، لقطع الطريق أمام التحركات الفرنسية في الملف الليبي، امتدت إلى الإعلان عن تنظيم مؤتمر دولى حول ليبيا فى صقلية خلال النصف الأول من نوفمبر المقبل.وترافق هذا الإعلان مع تحركات سريعة لحشد الدعم الدولي للمؤتمر، حيث تسعى روما لجمع أغلب الفاعلين في الملف الليبي لترجيح الكفة لصالحها في ليبيا في مواجهة فرنسا، وخاصة في ظل الدعم الأمريكي للرؤية الإيطالية.

وأثر التنافس بين القوى الدولية، وخاصة الصراع الإيطالي-الفرنسي، على البعثة الأممية بشكل كبير، وأكد مراقبون أن البعثة الأممية في ليبيا ضعيفة، أمام تجاذبات القوى الدولية ذات المصالح في الملف الليبي وكذلك أمام أطماع الأطراف المختلفة في الداخل. واعتبر الكثيرون أن تعيين ستيفاني ويليامز، نائبا لغسان سلامة مطلع يوليو الماضي، محاولة أميركية لتخفيض حدة التنافس الفرنسي الإيطالي على ليبيا، والذي صعب مهمة البعثة الأممية لإيجاد تسوية للأزمة العاصفة بالبلاد.

ومثلت الاشتباكات المسلحة التي اندلعت بداية من ليل الأحد 26 أغسطس/آب الماضي، في العاصمة الليبية طرابلس، بين الميليشيات المسلحة والتي اعتبرت بحسب المراقبين الأعنف منذ سنوات، دليلا جديدا على تردي الأوضاع الأمنية في البلاد.وألقت الضوء على تغول الميليشيات في طرابلس، وعجزالحكومة عن فرض الأمن والإستقرار.

ودفعت هذه الاشتباكات مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة للتشكيك في إمكانية تنظيم انتخابات في هذا البلد في ديسمبر، وذلك بسبب أعمال العنف والتأخير في العملية التشريعية.وقال سلامة في مقابلة مع "فرانس برس"، مساء السبت 29 سبتمبر/أيلول، "ما زال هناك عمل هائل يجب القيام به. قد لا نتمكن من الالتزام بموعد العاشر من كانون الأول/ديسمبر"، معتبرا أن أي اقتراع لا يمكن أن يجرى قبل "ثلاثة أو أربعة أشهر".وأضاف سلامة إن أعمال العنف وأزمة سياسية واقتصادية مستمرة تجعل برنامج باريس للانتخابات "صعبا وكذلك لأسباب أخرى".مشيرا إلى إن "الاستفتاء يمكن أن يجرى قبل نهاية العام" والانتخابات يمكن أن تنظم خلال "ثلاثة أو أربعة أشهر" إذا سمحت الظروف الأمنية بذلك.

ويرى مراقبون، أن البعثة الأممية باتت مترددة من الذهاب لخيار الإنتخابات في ظل الأوضاع الأمنية المتردية وخاصة في العاصمة الليبية، التي تسيطر عليها الميليشيات وسط عجز حكومي عن كبح جماحها.وفي حوار أجرته معه "الحياة" اللندنية:وصف رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، وضع حكومة السراج "بالصعب"، وقال سلامة، "نحن أمام حالة سريالية، فالناس لديهم سلاح، والميليشيات لديها سلاح ثقيل ومتوسط، ولكن الدولة عاجزة عن أن تكون لديها أجهزة مسلحة بسبب العقوبات المفروضة على البلاد".

وكانت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، قد وجهت، في أغسطس الماضي، للمرة الأولى اتهاماً علنياً ونادراً لحكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج بالتواطؤ عبر وزارة داخليتها مع هذه الميليشيات. لكن الكثير من المتابعين للشأن الليبي، يرون أن هذه الخطوة متأخرة للغاية، وكان الأفضل أن تتم مبكرا لمنع الفوضى التي تسود طرابلس بسبب إرهاب المليشيات المسلحة للمدنيين الأبرياء.

وبعد سنوات طويلة، لم يجد الليبيون توازنهم النهائي بعد، مع توصل مأساة الصراع المسلح التي تزيد الأمور تعقيدا وصعوبة يوما بعد يوم.ويرى مراقبون، أن صندوق الاقتراع قد يوحد ليبيا، ولكنه على الأرجح قد يمزقها أكثر، فالانتخابات السلمية تحتاج إلى نضج سياسي وتفعيل للمؤسسات العاملة وهياكل الدولة الأمنية لخدمة الشعب.