"الترحال السياسي"، هو إسم لظاهرة سياسية تتمثل في تغيير الولاء الحزبي وهي عادة ما تظهر عبر حالات معزولة يغض عنها الطرف وتقبل باسم حرية الضمير.ولكن في المشهد  السياسي التونسي، أصبح الأمر لافتا وبلغ حد الظاهرة حدا بات بموجبه هذا "الترحال" جماعيا ومتواترا، يدخل الاضطراب على الناخبين الذين ضاقوا ذرعا بهذا الأمر وأصبحوا يعتبرونه نقضا "لعقد أخلاقي"، أو هي خيانة جاءت لتغذي نقصا في الثقة كان بعد يلقي بظلاله على الجميع.

من هذا المنظور، أصبحت إحدى الأسئلة التي تؤرق التونسيين قبيل الانتخابات التشريعية الأحد المقبل، تتعلق بقدرة البرلمان القادم على الحفاظ على نفس الورقات السياسية من بداية      ولايته إلى آخرها وتجنب تكرار ما حصل خلال الـ 3 سنوات المجلس الوطني التأسيسي. كم من الوقت ستحافظ التشكيلات السياسية ومن وضع فيهم النواب ثقتهم من الناخبين على      ولاءاتها؟.إزاء هذا الوضع، كان بعض الشبان من المجتمع المدني قد قرروا جمع شملهم في منظمة غير حكومية "البوصلة" قصد متابعة ورصد جميع ما يجري في المجلس الوطني  التأسيسي.

 وقد أشارت تقارير المنظمة غير الحكومية وبياناتها إلى أن ما حصل داخل المجلس يفسر ضبابية الرؤية وخيبة أمل التونسيين من الأحزاب والنواب.وإن كان عدد المقاعد البرلمانية سيبقى على حاله، 217 مقعدا، فإن أغلب التشكيلات السياسية خيرت التخلي عن ممثليها الحاليين في المجلس الوطني التأسيسي مقدمة وجوها جديدة   للواجهة. على هذا الصعيد، لا يتجاوز عدد نواب المجلس التأسيسي الحالي المترشحين إلى الانتخابات التشريعية لـ 26 اكتوبر/تشرين الأول،  138 نائبا من أصل 217، البعض منهم   رشحته تشكيلته السياسية الأم فيما ترشح البعض الآخر تحت لون سياسي مختلف في مهب التحالفات والتحالفات المضادة وما إلى ذلك من التكتيكات الانتخابية.وقد أحصت اللجنة العليا المستقلة للانتخابات (إيزي) 1337 قائمة انتخابية بشكل رسمي.

حزب النهضة الذي يتمتع بالأغلبية في المجلس التأسيسي أعاد ترشيح 38 من بين 85 من نوابه، فيما رشح حزب "المؤتمر من اجل الجمهورية" (حزب الرئيس الحالي للبلاد            المنصف المرزوقي) 7 من بين 11 نائبا له في المجلس التأسيسي، ورشح كل من "تيار المحبة" و "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" (حزب رئيس المجلس التأسيسي،      مصطفى بن جعفر) 7 نواب أما نداء تونس فقد رشح نائبين فقط من بين 6 هم عدد نوابه الحاليين.وقد عمدت جميع هذه التشكيلات السياسية إلى استقطاب بعض الوجوه السياسية للأحزاب الأخرى، غير أنها قامت بالأساس بالبحث عن وجوه جديدة "مربحة" من صلبها، أو من بين       الكفاءات التونسية في مجالات عدة.وقد يمضي البعض إلى أن تجديد الوجوه السياسية وتغيير ما هو متواجد في المجلس التأسيسي ممن تعرضوا إلى الانتقاد والاستهجان وممن تم التشكيك في شرعيتهم خلال صيف  2013 إلى حد إدخال البلاد في أزمة سياسية، سيوفر للناخبين التونسيين خيارات أخرى تتلاءم بشكل أكبر مع تطلعاتهم.

غير أن الواقع يغاير ذلك تماما إذ يعتبر العديد من الناخبين ان هذه التحويرات لا تتجاوز كونها نابعة من حسابات سياسية في لعبة عقد وحل التحالفات بين الأحزاب والأفراد و               الرعونة الإيديولوجية والقيمية لبعض النواب، والوصولية التي يتميز بها البعض الآخر.الناخبون التونسيون يشعرون بـ "الضياع" خصوصا وأن العدد الكبير للمترشحين، تحت يافطات سياسية شديدة التنوع، جاء بعد 3 سنوات من  "الترحال" البرلماني الذي أصبحت           بموجبه رؤية الناخبين ضبابية، فهم حاليا لم يعد بإمكانهم التعرف على المجلس التأسيسي الذي كانوا قد انتخبوه في 2011 .ووفقا لتقارير "البوصلة"، فإنه بخلاف حزب النهضة الذي لم يفقد أكثر من 3 نواب من بين 88 نائبا في 2011، فإن جميع الأحزاب السياسية الأخرى شهدت فكا وإعادة تشكل كبير.

"حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي تحصل على المرتبة الثانية في انتخابات 2011 بـ 29 نائبا، لم يحافظ منهم سوى على 11، أما حزب "العريضة الشعبية" الذي احدث           المفاجأة خلال الاقتراع الأخير بـ 22 نائبا، فينهي ولايته بـ 7 نوابا، مغيرا إسمه إلى "تيار المحبة" ، بينما فقد حزب :التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات" نصف نوابه الـ 20 وغير "الحزب الديمقراطي التقدمي" إسمه ليصبح "الحزب الجمهوري" ولم يحافظ سوى على 6 من بين نوابه الـ 16.  جميع هذه الأحزاب، وإن فقدت بعضا من نوابها ، فإنها غنمت بعض الأمور، هي النزر القليل. المجلس الذي كان يضم 20 تشكيلا سياسيا، يعد اليوم 9 تشكيلات إضافية. ولعل             حزب "نداء تونس" يعد أكثر الأمثلة إثارة للاهتمام في هذا الشأن وهو الذي لم يكن له وجود خلال انتخابات 2011، تمكن منذ إنشائه من التواجد داخل المجلس التأسيسي بـ 6 نواب        وهو يعد اليوم المنافس الأول لحزب النهضة خلال الانتخابات التشريعية الحالية.