د. حمدى عبدالرحمن 
شهدت الاقتصادات الأفريقية خلال العقد الماضي نموا ملحوظا، فقد ارتفعت تدفقات رأس المال الخاص بفعل مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي أسهمت في زيادة جاذبية أفريقيا أمام حركة الاستثمار الأجنبي التي تبحث عن عوائد سريعة ومرتفعة. وتشير بعض التقديرات الموثوق بها إلي أن إجمالي تدفقات صافي الاستثمار الأجنبي المباشر قد زادت من 13 مليار دولار عام 2004 لتصل إلي نحو 33 مليار دولار عام 2007 .
علي أن الأزمة المالية العالمية التي عصفت باقتصادات الدول المتقدمة كان لها تأثيرات سلبية علي الدول النامية ومن بينها الدول الأفريقية جنوب الصحراء. وطبقا للمؤشرات الاقتصادية فإن معدل النمو الاقتصادي الأفريقي قد هبط من 6.9% عام 2007 ليصل إلي نحو 1.6% فقط خلال العام الماضي. ويرتبط ذلك الانخفاض بتقلص الصادرات الأفريقية وانخفاض أسعار المواد الخام.
ويلاحظ أن تأثيرات الأزمة المالية العالمية كانت واضحة جدا علي الاقتصادات الأفريقية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالاقتصاد العالمي مثل الدول النفطية والغنية بمواردها الطبيعية الأخري مثل الماس والذهب. وعلي سبيل المثال فقد انخفض معدل النمو الاقتصادي في نيجيريا من 6% عام 2008 ليصل إلي نحو 2.8% العام الماضي. ومن بين الدول الأفريقية التي تأثرت بشدة بوتسوانا الغنية بالماس وسيشل التي تعتمد اعتمادا كبيرا علي قطاع السياحة بها.
ويمكن أن نشير الي جانبين مهمين يؤثران علي إمكانية تعافي الاقتصادات الأفريقية هذا العام، وهو الأمر الذي ينذر بكوارث بعيدة المدي:
الجانب الأول: ويشير إلي تأثيرات الأزمة المالية العالمية علي تدفق المساعدات التنموية الموجهة للدول الأفريقية. ولا شك أن تخفيض أو قطع تلك المساعدات سوف يؤثر يقينا علي جهود الأفارقة من أجل القضاء علي الفقر وتخفيف حدة البطالة. وربما يسهم ذلك في زيادة حدة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي ويهدد منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي في أفريقيا.
الجانب الثاني: ويرتبط بالكوارث الطبيعية مثل الجفاف والتصحر وأزمة الغذاء التي تعاني منها بعض المناطق الأفريقية ، كما هو الحال في شرق أفريقيا، وهو الأمر الذي سوف يقف حجر عثرة أمام طريق النهضة الأفريقية.
ولعل ما يلفت الانتباه هنا أنه بينما نجد مؤشرات حقيقية علي بداية تعافي الاقتصادات العالمية فإن أفريقيا لا تزال في مؤخرة الركب، تماما مثل ما حدث مع الأزمة المالية العالمية فقد كانت أفريقيا آخر المناطق تأثرا بها.
ومع ذلك فإن هناك مجالا للتفاؤل وتغيير الصورة التشاؤمية حول الوضع الاقتصادي في أفريقيا. إذ يتوقع خبراء اقتصاديون أن هناك إمكانية لأن يبلغ النمو الاقتصادي في أفريقيا نحو (4%) هذا العام. وقد أكد ذلك وزير الاقتصاد الأنجولي الذي رأي أن بلاده سوف تشهد نموا اقتصاديا يصل إلي 8.2% خلال العام الحالي. كما أن الاقتصاد الكيني الذي يعد الأكبر في شرق أفريقيا قد بدأ يشهد وجود مؤشرات إيجابية علي طريق الانتعاش بعد التأثيرات السلبية لأحداث عنف ما بعد انتخابات عام 2008 والأزمة المالية العالمية وانعكاسات انتشار الجفاف. ويشير التقرير الاقتصادي الكيني الذي صدر في أكتوبر 2009 إلي أن كينيا سوف تشهد نموا اقتصاديا مقداره 3.9 % في العام الحالي.
ومن الطريف حقا أن بعض التقارير الاقتصادية الدولية التي تعني بترتيب الاقتصادات سريعة النمو في العالم قد أعطت أفريقيا أربعة مراكز من بين أسرع عشرة اقتصادات في العالم. فقد احتلت بوتسوانا المرتبة الثانية بمعدل نمو قدره 14.4% والكونغو برازافيل في المرتبة الرابعة بمعدل 11.9% ، وأنجولا في المرتبة الخامسة بمعدل 9.3% . أما ليبيريا فقد احتلت المرتبة السابعة بمعدل 7.53 %.
ومعلوم أن بوتسوانا تعد واحدة من بين قصص النجاح الكبري. وقد اضطرت حكومتها تحت تأثير الأزمة المالية العالمية وانخفاض الطلب علي الماس أن تقترض ولأول مرة منذ 17 عاما مبلغ مليار ونصف المليار دولار من بنك التنمية الأفريقي. علي أن بدايات التحسن في الاقتصاد العالمي وعودة الطلب علي الماس سوف يؤثر إيجابيا علي النمو الاقتصادي لبوتسوانا. أما الكونغو برازافيل وأنجولا فإنهما تعتمدان علي قطاعهما النفطي في تحقيق النهضة الاقتصادية.
وتدعو ليبيريا التي بدأت تشق طريقها نحو النهوض الاقتصادي إلي التأمل واتخاذ الدروس والعبر. فقد عانت الدولة من حروب أهلية لمدة تزيد علي عشر سنوات أدت إلي تدمير بنيتها الاقتصادية تماما. ومع ذلك فقد استطاعت السيدة ايلين جونسون ، أول امرأة أفريقية تتولي رئاسة الدولة في انتخابات حرة ديمقراطية أن تمهد الطريق أمام استقرار بلادها السياسي والاقتصادي.
لكن ماذا تعني تلك المؤشرات بالنسبة لمستقبل أفريقيا الاقتصادي خلال العقد المقبل؟ أعتقد بأن الدرس الأول الذي ينبغي التوكيد عليه يتمثل في ضرورة التخلص من عبء الخطاب التشاؤمي السائد عن أفريقيا سواء داخل القارة أو خارجها. فثمة مجال للأمل في غد مشرق، ولعل ذلك ينعكس علي الحالة الوحيدة التي خرجت من السياق الأفريقي العام وهي زيمبابوي التي عانت من كساد اقتصادي حاد طيلة عشر سنوات أو يزيد، وهي الآن تتجه نحو التحسن بعد التوصل لتسوية سياسية لأزمتها الخانقة. فهل يبعث ذلك كله علي التفاؤل بشأن النهوض الاقتصادي الأفريقي؟!.
- أستاذ الدراسات الإفريقيةـ كلية الاقتصاد والعلوم السياسيةجامعة القاهرة
الاهرام الاقتصادي