منذ العام 2011، لا يكاد تقرير أممي يخلو من حديث عن الاعتقال التعسفي في ليبيا. البلد الذي دخل في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وانتشار السلاح، كان ساحة للخارجين عن القانون ومن مستغلي الفراغ الأمني، ليمارسوا أبشع الجرائم بحق المدنيين، ويجعلوا البلاد ساحة للمليشيات التي لا تعترف بأي نظام  وتمارس كل أنواع الترهيب وعلى رأسها الاختطافات والاعتقال خارج القانون إما بهدف تحقيق مكاسب مالية، أو للاتبزاز السياسي، دون أخذ للاعتبار الأعراف والقيم الإنسانية التي ترفض مثل هذه الممارسات لما لها وقع نفسي كبير على ضحاياها.

خلال كل السنوات الماضية، كانت التقارير الدولية تشير إلى وجود الألاف من المدنيين في سجون ومعتقلات غير قانونية، في ليبيا، تشرف عليها عادة مجموعات مسلحة تتمتع بنفوذ في المناطق التي تتواجد فيها، وخاصة في مدن غرب البلاد. والضحايا في هذه الحالات ليسوا من الليبيين فقط، بل تشمل حتى الأجانب سواء القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء الباحثين عن أمل في التوجه نحو أوروبا ليجدوا أنفسهم في معتقلات تغيب فيها كل مظاهر الإنسانية، سواء من أجانب آخرين يشتغلون في ليبيا، لكنهم يقعون ضحية أيضا لمسلحين لا يعترفون بالقانون ولا بالقيم الإنسانية.

الحديث عن الاعتقال التعسفي في ليبيا بدأ منذ الأشهر الأولى لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي. تقارير مختلفة كانت تشير إلى مداهمات واختطافات لعناصر كانت مقربة من النظام وبطرق أشبه بالانتقام التي تصل حد القتل دون أي محاكمة. ورغم التحذيرات من تلك التجاوزات إلا أن ذلك تواصل، حتى بين من كانوا مشاركين في إسقاط النظام بدعم من الناتو. وتزايدت الحالات مع صعود التنظيمات المتطرفة التي اختارت أن تصفي حسابها مع الجميع دون استثناءات الأمر الذي فتح البلاد على مرحلة صعبة كان لانتشار السلاح والتدخلات الإقليمية الدور الأساسي في تعميقها.

تواصلت حالات الاحتجاز خلال السنوات اللاحقة، وكانت التقارير الدولية تصدر تباعا عن مئات المعتقلات، حيث جهزت المجموعات المسلحة مراكز احتجاز خاصة بها، كانت تستعملها في صراعها مع خصومها، دون وجود أي رادع يمنع تلك الممارسات رغم خطورتها على الأوضاع الاجتماعية والأمنية والسياسية.

وفي تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة سنة 2018، تمت الإشارة إلى إشكالية الاعتقال التعسفي في ليبيا، حيث أشارت إلى وجود حوالي 6500 معتقل، في السجون التابعة لحكومة الوفاق، بالإضافة إلى وجود آلاف آخرين في معتقلات خاضعة لسيطرة مليشيات مسلحة، وأغلبهم معتقلون لأسباب سياسية أو بهدف المساومة والابتزاز المالي وهي الأسباب التي تنبه إلى خطورتها كل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.

في العام 2018 أيضا أطلقت منظمة "أطباء بلا حدود" نداء إلى كل الفاعلين داخليا، لأجل إيقاف الاعتقال التعسفي في ليبيا. وأشارت المنظمة إلى أن عمليات الاعتقال كانت للاّجئين والمدنيين الذين يتم اعتراضهم في البحر المتوسط وإعادتهم إلى البلاد، حيث بلغ عددهم 10 ألاف شخص بناء على إحصائيات منظمات تابعة للأمم المتحدة، وتم نقلهم إلى مراكز احتجاز غير مراقبة وتفتقد للشروط الصحية.

وورد في نداء "أطباء بلا حدود" أنه من غير المقبول "نقل الأشخاص الذين لم يمضِ وقت طويل على معاناتهم من حياة مؤلمة وأوشكوا على الموت في البحر إلى نظام احتجاز تعسفي مؤذ وقائم على الاستغلال. لقد عانى الكثيرون بالفعل من مستويات خطيرة من العنف والاستغلال في ليبيا وأثناء الرحلات المروعة من بلدانهم الأصلية. وهنالك ضحايا للعنف الجنسي والاتجار والتعذيب وسوء المعاملة. ومن بين الفئات الضعيفة أطفال (في بعض الأحيان من دون أحد الوالدين أو وصي)، أو نساء حوامل أو مرضعات، أو كبار السن، أو أشخاص من ذوي الإعاقات العقلية، أو أشخاص يعانون من ظروف صحية خطيرة".

وأضافت المنظمة أن مرتكبي الجرائم لا ينضبطون للقانون وليس هناك إجراءت قانونية رادعة لثنيهم على تلك التجاوزات، والمعتقلون ليس لهم أي اتصال بالعالم الخارجي، وليس هناك أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم، والسلطات الرسمية تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن ذلك، باعتبار أن تلك المعتقلات تكون تحت سلطتها أو تحت سطوة مليشيات في المناطق التي تسيطر عليها. والسلطات الرسمية القصد بها حكومة الوفاق التي تقع أغلب مراكز الاحتجاز في المناطق التي تعتبر تحت سيطرتها.

وفي تقريرها للعام 2019، أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بيانا، "أشارت فيه إلى زيادة التقارير بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، في كل انحاء ليبيا، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاحتجاز والقيود المفروضة على حرية التنقل والتعبير، وكذلك الحق في التجمع السلمي والاحتجاج" وذكر التقرير أن الاعتقالات تتم في مدن مختلفة وتشمل المدنيين الذين يعبرون عن أرائهم أو الذين لا يتدخلون في الشأن السياسي. كما أشار إلى وقوع حالات وفاة بسبب تلك التجاوزات.

وعلى الرغم من تراجع حالات الاعتقال التعسفي في ليبيا، خاصة بعد اتفاق وقف إطلاق النار والبدء في تبادل المعتقلين في الأشهر الأخيرة، إلا أن الحكومة الجديدة مازالت أمام عمل كبير في هذا الجانب باعتبار أن العمل عليه لا يخص ما هو سياسي أو أمني فقط، بل أيضا يشمل جوانب اجتماعية معالجتها ليست بالسهولة التي يعتقدها الكثيرون.