تظل ممارسة العمل الصحفي في ليبيا هاجسًا يتسم بالحذر والخوف، كون البيئة الإعلامية لا يتوفر فيها الحد الأدنى من السلامة والحماية، خاصة مع استمرار مسلسل الفوضى المتصاعدة، وحالة الاستقطاب السياسي بين الأطراف كافة.الأمر الذي جعل الصحفي الليبي والأجنبي على حد سواء، في مرمى حجر واحد، مهدّدين بسلامتهما وفق صور شتى، وجعل رحلة البحث عن الحقيقة ونقل الأحداث، تعتريها صعوبات وتحديات لا حصر لها.

وعلى الرغم من التحركات الحثيثة لإحياء الحوار بين الأطراف السياسية والوصول إلى تسوية شاملة، فإن ليبيا مازالت تئن تحت وطأة مناخ مشوب بالفوضى السياسية والانفلات الأمني،حيث يُعد الصحفيون الليبيون من بين الضحايا الرئيسيين وسط هذا الواقع المرير الذي مازال يقض مضجع البلاد منذ سنوات.

واقع عبرت عنه اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،التي أعربت عن ادانتها واستنكارها الشديدين إزاء تصاعد حالات الاعتداءات والاستهداف التي يتعرض لها الصحفيين والإعلاميين بالعاصمة طرابلس من قبل عناصر الأجهزة الأمنية أثناء أدائهم لأعمالهم الميدانية ، وكذلك في أثناء زياراتهم للوزارات لتغطية المؤتمرات الصحفية وتغطية المناشط الرسمية.

ورفضت اللجنة في بيان لها، "المساس بحرية العمل الصحفي، وممارسات التهديد والابتزاز والإرهاب المسلح، التي تمارس بحق الصحفيين والإعلاميين، لأسباب تتعلق بعملهم".مطالبة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ووزارة الداخلية ومكتب النائب العام، وكل الجهات ذات العلاقة، "بالتحرك العاجل لوقف الممارسات المشينة بحق الصحفيين والإعلاميين.

وأعربت عن تضامنها مع الصحفيين، جراء الانتهاكات والممارسات التي ارتكبت بحقهم، واعتبرتها جريمة أخري تضاف لسلسلة الجرائم التي تستهدف حرية الصحافة والإعلام، وبقية الحريات الأساسية في ليبيا.محذرة  من خطورة استمرار الإفلات من العقاب، وانعكاساته المدمرة على حرية الإعلام الرأي والتعبير، وحق المواطن في المعرفة والمشاركة والوصول للمعلومة.

ويأتي بيان اللجنة،في أعقاب مطالبة الاتحاد الدولي للصحفيين، لحكومة الوفاق الوطني،الجمعة الماضي،بالتحقيق في الاعتداءات على الصحفيين الليبيين، التي تفاقمت مؤخرا، ومحاسبة المسؤولين عنها.وقال الاتحاد في بيان أصدره، إن الانتهاكات التي وقعت بحق الصحفيين المدة الماضية، ارتكبها أفراد من الأجهزة الأمنية الرسمية، إضافة إلى جهات غير رسمية.

وعبر البيان عن دعمه لجميع الصحفيين الليبيين، الذين يعانون منذ سنوات من الاعتداءات، وأجواء الترهيب.وأكد الاتحاد أن من بين الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون، تلفيق السلطات للتهم والجرائم ضدهم، إضافة إلى توقيف الصحفيين، واعتقالهم وإخفائهم قسريا. حسب تعبير البيان.

وقال أمين عام الاتحاد الدولي للصحفيين "انتوني بيلانجي"، "إننا ندعم بشكل كامل الصحفيين في ليبيا وتحركهم للتوحد في الدفاع عن أنفسهم وعن حقهم في العمل في بيئة آمنة"، محملاً حكومة الوفاق الوطني وجميع السلطات في ليبيا المسؤولية   الكاملة عن رفاهية الصحفيين العاملين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها وحماية حياتهم، معتبراً استمرار هذه الهجمات دون محاسبة مرتكبيها أمر غير مقبول.

وأصبحت ممارسة العمل الصحافي في ليبيا مهمة خطيرة، إذ يتعرض العاملون في ميدان الصحافة والإعلام إلى اعتداءات متواصلة، وكانت تقارير إخبارية عديدة تحدثت عن قيام قوات أمن تابعة لوزارة الداخلية بإشهار السلاح في وجه صحافيين معتمدين ممثلين عن 9 وسائل إعلامية بعد دعوتهم بشكل مباشر لتغطية حفل تخريج دفعة لخفر السواحل بميناء طرابلس البحري.

وأكد المركز الليبي لحرية الصحافة في طرابلس أن قوات الأمن قامت بإشهار السلاح ضد الصحافيين.وقال المركز إن وحدة الرصد بالمركز رصدت ما يزيد عن 20 اعتداء من منتسبي وزارة الداخلية خلال 2018. ودعا المركز وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق فتحي باشاغا إلى تحمل كافة المسؤولية عن سلامة الصحافيين.

وفي وقت سابق وقع ما يزيد على 140 صحفية وصحفي من 20 مؤسسات إعلامية مختلفة، على رسالة موجهة إلى حكومة الوفاق الوطني، يطالبونها بالتحرك لوقف الهجمات على حرية الإعلام، وبضمان بيئة عمل آمنة للصحفيين في ليبيا.وحذر الصحفيون من أنهم سيعمدون إلى مقاطعة جميع الأحداث المتعلقة بحكومة الوفاق الوطني، حتى تقوم السلطات بتغيير تعاملهم معهم.

كما أطلق صحافيون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #الصحافي_ليس_إرهابيا،ء على خلفية عدة تجاوزات ترتكبها الأجهزة الأمنية،آخرها تعرض صحافيين لمعاملة سيئة مع منعهم من مغادرة موقع حفل تخرج دفعة من خفر السواحل، بحجة وجود تعليمات بعدم الدخول أو المغادرة قبل وبعد مراسم الحفل بساعتين

ودفع ذلك،وزارة الداخلية بحكومة الوفاق لإصدار بيان،قالت فيه إنها "تستهجن ما يتردد من أنباء عن تعرض صحافيين للاعتداء وتهديدهم من قبل من يقولون إنهم منتسبون لوزارة الداخلية".ودعت الوزارة كل الصحافيين إلى التقدم بشكاوى رسمية للوزارة لمتابعة الوقائع بشكل رسمي وقانوني، والبعد عن إثارة الأزمات، وتأجيج الوضع العام، مشيرة إلى أنها ستعقد اجتماعات مع المؤسسات الإعلامية والحقوقية، لبحث أوضاع الإعلاميين والصحافيين.

وتراجعت مستويات حرية الصحافة و العمل الإعلامي بليبيا منذ إندلاع الأزمة،وأصبح العاملين بهذا المجال عرضة للاخطار والإعتقالات التعسفية والإنتهاكات.وبدأت مؤشرات حرية الصحافة في التراجع ومع دخول البلاد في حالة فوضى سياسية وحروب وسوء أحوال المعيشة والوضع الامني أصبح العمل الإعلامي أكثر خطورة وعرضة لإنتهاكات جسيمة.

وتواجه حكومة الوفاق الليبية إتهامات بعرقلة عمل الصحفيين،ففي يوليو الماضي،طالبت منظمة "مراسلون بلا حدود"،في بيان لها، حكومة الوفاق الوطني بوقف عرقلة عمل الصحفيين الدوليين والليبيين والمراسلين ووسائل الإعلام الأجنبية في ليبيا، معتبرة أن حكومة السراج، التي تحكم منذ 30 مارس 2016، بينت أنها معادية للصحفيين الذين يعملون لفائدة الصحافة الأجنبية.

وأشارت المنظمة، إلى أن السلطات الليبية تصعب الحصول على التأشيرات للصحفيين الأجانب، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على ترخيص العمل الميداني من قبل إدارة الإعلام الخارجي التابعة لحكومة الوفاق، بحسب نص البيان.ولفتت المنظمة إلى أن العمل في ليبيا أصبح مهمة مستحيلة بالنسبة للصحفيين الأجانب والمراسلين المحليين، مشيرة إلى أن أهل المهنة الذين حاورتهم المنظمة يفضلون عدم ذكر أسمائهم بسبب الضغط الشديد المسلط عليهم، وفق قولها.

وتعد مهنة الصحافة في ليبيا في ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ 2011، عملا صعبا وخطيرا بسبب الانتهاكات والتهديدات التي يتلقونها من قبل جميع الأطراف المسلحة، في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد وغياب القانون والسلطات القضائية.وهو ما جعل ليبيا تحتل المراتب الأخيرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة خلال السنوات الماضية.