من سنة 2011 إلى سنة 2020 تمثل سنوات التأزم العربي، وهي سنوات الأزمات العربية والاحتضار السياسي. في تلك السنوات ذاكرة العالم سوف لن تنسى مآسيها، وثوراتها الخارجية، وانقلابها الاجتماعي والسلوكي والاقتصادي، واضطرابات عواصم بعض دول الإقليم. بدءا من برامج الديمقراطية والمؤامرة التي تدفقت على المنطقة العربية في غفلة من ساكنيها، ومن أزمة كوريا الشمالية والملف النووي الإيراني، والأزمة الأوكرانية، إلى التأزيم السوري واليمني، والليبي، وجائحة القرن كورونا وارتداداتها، وصولا إلى ما صنفه الإعلام الغربي بالدولة الإسلامية، كلها ملفات تأزم تبقي في نهاية أفق 2020 مواد مشتعلة للمزيد من الابتزاز السياسي، والاستغلال الغير بريء، وهي أيضا ينبغي إن تشكل هاجزا لدي هذا الجيل الذي عاصر تلك السنوات العجاف في المنطقة العربية.

السؤال ماذا سوف يتوقع هذا الجيل الذي لا يزال يعيش وقع الصدمات، والحرمان، والتسيب الدولاتي، منذ سنة 2011؟ وما هي التطورات التي يمكن إن تفاجئه في غفلة من الحكام العرب؟ وما طبيعة التحديات التي سوف تواجه الإقليم العربي المنكوب؟ وهل هناك من آفاق وفرص لسنة 2015 توفرها لهذا الإقليم وأجياله؟

تدهور الثورات والاضطرابات، والانفلات الاجتماعي والسياسي في الإقليم سوف يؤرخ لها التاريخ بأنها مشروع " بزنس" في غير توقيته ومكانه. لأنها مشروعات وافدة نُفذت بأيدي محلية وإدارة خارجية. فالأزمة الأوكرانية، والليبية، والفلسطينية، والدولة الإسلامية، والقتال الحوثي / اليمني، وكذلك وباء كورونا الذي لا يختلف عن الأوبئة السياسية لأنها جلبت إلى الإقليم العربي المنكوب. 

هذا التأزم في الإقليم العربي سوف تكون لهُ جذوره، والتي سوف تجعل منهُ مجالا لتحفيزه نحو المزيد من الاضطرابات في الإقليم لسنوات قادمة إضافية، خدمة لنظرية " التعطيل العربي".  وبالنتيجة، وعلى هذا المنوال فالعالم سوف يعيش مرة أخرى حالة عولمية، وبنفس التوتر والمستوي. فانفصال الإقليم العربي المنكوب وبثوراته واضطراباته، والسبب يكمن في تلك المغامرة الجورج بوشية لغزو العراق، 2003، وفرض الحصار على الشعب الليبي من (1993 الي 2020)، وتأمر الميديا العالمية في تغذية مشاعر العداء بين الدولة وشعبها في الإقليم سنة 2011، تحت مسميات "الديمقراطية والحرية والثوار، والرفاهية الاقتصادية". 

وكذلك الاعتقاد الغربي إن دولا في الإقليم في طريقها إلى الاضمحلال بسبب قيامها بقهر شعوبها، الأمر الذي قاد الغرب إلى قتل أهم رئيسين أثنين في الإقليم، الأول بالغزو والشنق، والثاني من خلال حرب إبادة شاركت فيها 48 دولية أطلسية استمرت لمدة ثمانية شهور في ليبيا.

التدخل الخارجي خلال تلك السنوات العجاف في التعجيل بإنهاء أنظمة بالقوة من خلال دعوة تفعيل نظريات الديمقراطية والمؤامرة، واستبدالها بهويات سياسية مجهولة المعتقد والهدف والتوجه، عزز حالات التشرذم. سنوات كانت تتخذ من تغيير الأنظمة المجتمعية وفقا لأسس نظريات المؤامرة، لان حتى الديمقراطية هي منتجع خصب لإنتاج فصول متنوعة من المؤامرات. هذا السيناريو والذي سوف يستقبله عام 2021 سوف يستمر محملا معه معاناة شعوب الإقليم ولعدة سنوات قادمة. السؤال هل أزمات الإقليم العربي المنكوب من اليمن إلى العراق وسوريا وليبيا والسودان سوف تزداد سوءً قبل أن يُعتقد أنها سوف تتحسن؟ 

تونس يعتقد خبرائها بأنها حققت تقدما ايجابيا سنة 2014، ولكن التطرف ومعالم الدولة الإسلامية في تونس، مشروع حزب النهضة، سوف تكون ظلاله قائمة في أفق سنة 2021، بالرغم من أي تقدم ديمقراطي يُحرز في هذا البلد، ومؤشراته في جبل الشعابني جليه للعيان، إضافة إلى توتر الأوضاع الحدودية مع الجارة المنقسمة على نفسها ليبيا. ومن غير المأمول أن تونس سوف تحقق أي نوع من الاستقرار الاقتصادي أو الأمني أو السياسي في نهاية أفق سنة 2020، لان مفهوم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي لا تتم قراءته أو توقعه من خلال صناديق الانتخابات أو الترشح، خصوصا أن مقومات الاقتصاد التونسي تعتمد على الهبات والمنح الخارجية.

سنة 2014 شاهدت تقدم أنصار الدولة الإسلامية في العراق وفي سوريا وليبيا واليمن، ذلك التطور المفاجئ والذي لم يعرف مصدر دعمه إلي ألان، وبسبب هذا الصعود الجديد للدولة الإسلامية التأزم العراقي والسوري سوف يزداد سوءً. الغرب سوف يستمر في دعمه لمواجهة الدولة الإسلامية من خلال إعادة تسليحه للجيش العراقي والفئات السورية المتحالفة معها من فتح جبهات جديدة، وبؤر تأزم في الإقليم، كل ذلك سوف يستمر باسم التعايش والديمقراطية والدفاع عن الأقليات العرقية والدينية في الإقليم. 

وفي منطقة الخليج السيناريو المحتمل لديها سوف يكون معتمدا على أسعار النفط خلال سنة 2021 ومساهمتها في تمويل الاقتصاد الغربي، بمعني، إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض فأن ذلك سوف ينعكس على التمويل الخليجي للغرب.

والسؤال الأخر لنهاية سنة 2020 هل الحركات الجهادية في الإقليم سوف تستمر في النمو والحراك المسلح؟  المأمول أنها سوف تنمو من حيث المكانة، والقوة المادية والتمويل، بالرغم من مقاومة الغرب لنموها وتوغلها في الإقليم.  

بمعني سوف تستمر الحركات الجهادية في نشر العنف الجغرافي، أي التمدد والتوسع في الإقليم.  أو هذه الحركات تتحول من المركزية الجهادية إلى الأطراف الجهادية على نسق تنظيم القاعدة. الإقليم وقراءته تشير إلى أن دول مثل لبنان وليبيا واليمن وسوريا حيث ضعف سيطرة الدولة المركزية وضعف الحكامة وانعدام الشفافية سوف تسهم في الانتشار والتوسع لمعظم الحركات الجهادية في الإقليم، وقد يكون هذا الانتشار بمساعدة خارجية.

ما هي طبيعة المفاجئات التي من الممكن أن يحملها عام 2021 معه إلى العالم؟ إحدى المفاجئات تكمن في استمرار وتكرار الإحداث المهمة لتلك السنوات، وتزداد عنفا وقوة ومواجهة مع القوي التي هي من خارج الإقليم سنة 2020، ويمكن أن تكون قضية الدولة الإسلامية في الإقليم والعداء الروسي والصيني لسياسات الولايات المتحدة من أهم القضايا الساخنة التي تولد مشاعر العداء للغرب. أما وباء كورونا سوف يلتهم العديد من الأرواح في الإقليم، حيث من المتوقع أن هذا الوباء يصل الي عشرة ملايين مصاب عبر دول العالم بنهاية سنة 2020. الدولة الإسلامية أيضا سوف تستمر في قتالها في المناطق التي تسيطر عليها، في سوريا والعراق والمناطق الحدودية مع تركيا وإيران ولبنان. وليبيا.

وأخير، أن أهم ما سوف يواجه به عام 2021 مفاجئته للعالم بمجموعة من الكوارث الكبرى مثل الهجمات الالكترونية الضارية، والمعرقلة لعديد الاقتصاديات العالمية ونتائج كارثية، واستمرار حالات الغضب والكراهية لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الإقليم العربي المنكوب، وكوارث مناخية تصاحبها خسائر بشرية ومادية على نطاق كوني واسع، واستمرار انخفاض أسعار النفط والتي تؤدي إلى حالات كبيرة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في الإقليم العربي المنكوب.

الدكتور ميلاد مفتاح الحراثي