شهدت ليبيا إثر أحداث العام 2011 طفرة إعلامية غير مسبوقة، فظهرت الصحف المطبوعة في كل نقطة من ليبيا، وولدت المحطات الإذاعية والتلفزيونية على اختلاف توجهاتها واهتماماتها.

 إذ بدأ المشهد الإعلامي في ليبيا يشهد تحولات فعلية، فبرزت المؤسسات التي يقف وراءها رجال الأعمال الذين انخرطوا بدورهم في الشأن السياسي من مواقع مختلفة.

وزاد إهتمام الإعلام الدولي بالملف الليبي نتيجة لأنها أصبحت دولة تعيش أزمة مزمنة منذ إسقاط النظام سنة 2011 و العجز عن تركيز نظام سياسي مستقر مما أدى لحالة الفوضى المستمرة التي تعيشها البلاد.

إلا أن تعاطي الإعلام الغربي مع الملف الليبي لم يكن دائما بالحيادية التي يفترضها ميثاق العمل الصحفي إذ من السهل رصد إنحياز هذه المؤسسات التي عرف بعراقتها.

حيث دأبت منذ بداية الحلقة الراهنة من الصراع في ليبيا، على تبني مواقف منحازة بوضوح، وإن على نحو غير مباشر وبأكثر الوسائل ذكاءً.


** مواقف الانحياز الإعلامي:

فجدير بالذكر أن أخطر سلاح تم استعماله ضد النظام الليبي السابق، هو الإعلام الذي قام بدور مهم في تهيئة الظروف للتدخل الخارجي ولدعم المتمردين بمن فيهم قادة الجماعات الإرهابية الذين تم تقديمهم على أنهم مدافعون عن الحرية، ضمن ما كان يجري التسويق له من ثورات الربيع العربي، وليس خافيا أن زعماء تلك المرحلة بمن فيهم مصطفى عبدالجليل ومحمود جبريل، يعترفون اليوم بأن أغلب ما تم ترويجه عبر وسائل الإعلام لم يكن صحيحا، وأنه كان جزءا من معركة الدعاية ضد النظام الذي كان عاجزا عن الرد لفقدانه الأدوات التي تمكنه من ذلك.

ففي مرحلة بعد 2011، بدا جليًّا أن أغلب وسائل الإعلام الدولية كانت بوصلتها تتجه نحو النخبة السياسية الجديدة في ليبيا على أنها نخبة التبشير بالحرية، وكان أغلبها من رموز الإسلام السياسي مثل عبدالحكيم بالحاج الذي تم تقديمه على أنه محرّر طرابلس، وجماعة الإخوان التي تم تضخيم حضورها ضمن مشروع إقليمي ودولي كان يهدف إلى الدفع بالإسلاميين إلى سدة الحكم، ومجالس الثوار التي رغم سيطرة المتشددين عليها، فإنها تحولت إعلاميا إلى عناوين لمرحلة التحرير والقضاء على عناصر النظام السابق.


** الإعلام الغربي في خدمة الفوضى والارهاب والتطرّف:


كان واضحا أن المسيطرين على المشهد بعد 2011 اعتمدوا على الإعلام بشكل كبير في شيطنة كل من يختلف معهم في الرأي والموقف، وهو ما ساعد الجماعات المتشددة على قيادة حملات التصفية والاعتقال والتهجير القسري في كافة أرجاء البلاد.

حيث عانت مهنة الإعلام وممتهنوها خلال السنوات الأزمة الماضية عمليات تضييق متصاعدة وممنهجة، وبات الصحفيون يئنون تحت تهديد حراب البنادق، وطالتهم عمليات الاغتيال والخطف والتغييب القسري، مما أجبر الكثير منهم على الانسحاب من المشهد.

وفي تقرير سنة 2017، أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان بتعرض ناشطين وحقوقيين للاعتداء الجسدي والاحتجاز والمضايقات والإخفاء على يد مجموعات مسلّحة "بعضها ينتمي إلى السلطات الحكومية، في طرابلس ‏وفي أماكن أخرى غرب البلاد".

كان واضحا أن المسيطرين على المشهد بعد 2011 اعتمدوا على الإعلام بشكل كبير في شيطنة كل من يختلف معهم في الرأي والموقف، وهو ما ساعد الجماعات المتشددة على قيادة حملات التصفية والاعتقال والتهجير القسري في كافة أرجاء البلاد.

كان واضحا أن المسيطرين على المشهد بعد 2011 اعتمدوا على الإعلام بشكل كبير في شيطنة كل من يختلف معهم في الرأي والموقف، وهو ما ساعد الجماعات المتشددة على قيادة حملات التصفية والاعتقال والتهجير القسري في كافة أرجاء البلاد.

ودأبت هذه المؤسسات على تسمة الجيش الوطني الليبي ب"قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر" في إشارة إلى أنها مجموعة مسلحة خارجة عن الدولة في المقابل فإنها تصرّ على توصيف حكومة الوفاق ب"المعترف بها دوليًا".

فن الواضح  أن وجهة نظر خصوم الجيش الوطني الليبي هي الأكثر تمثيلاً في التغطية الإعلامية لمجريات الصراع، وقد يُقال إنه ربما لم يُسمح لها بتغطية ما يجري من الجانب الآخر.

فضلا عن التكييف المغلوط للصراع على لسان خصوم الجيش الوطني الليبي، على أنه صراع بين الدولة المدنية الديمقراطية التي تمثلها "حكومة الوفاق الوطني" وأنصارها، والدولة العسكرية التي يمثلها الجيش الوطني، ويرتبط بهذا القولُ بأن الصراع إنما يدور بين الشرعية ممثلة بحكومة الوفاق وبين العسكر.

من جانب آخر، تلح هذه المؤسسات في تغطيتها لمجريات الصراع على أن دولاً عربية بعينها هي التي تدعم الجيش الوطني الليبي، دون أدنى ذكر لدعم تركيا وقطر للمليشيات الإرهابية في طرابلس، وهو دعم افتضح أمره غير ما مرة باكتشاف السلطات الليبية سفناً تهرب الأسلحة من تركيا لتلك المليشيات في انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن الدولي.

مؤخرا، كانت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية في عددها اليوم الإثنين قد نشرت حوارا مع المبعوث الأممي إلى ليبيا حول مستجدا الأوضاع في البلاد وعن تطورات الحرب في طرابلس وعن عمل البعثة وخطتها للسلام في ليبيا.

ونقلت الصحيفة عن غسان سلامة قوله إنّه وقبل ثلاثة أشهر ، كانت الظروف السياسية مغلقة تمامًا.

وضيفًا بالقول: "كنا نواجه مواقف متناقضة. من ناحية، فكر السيد حفتر ، وربما لا يزال يفكر ، في مواصلة عمله، أي محاولة دخول طرابلس والاستقرار فيها. ومن ناحية أخرى وضعت العديد المجموعات التي تمثلها حكومة الوحدة الوطنية كشرط سحب السيد حفتر لقواته. وتقول الأكثر تطلبا منهم في اتجاه الرجمة ، وهذا يعني لمقره ، إلى الشرق".

إلا أن البعثة الأممية فندت ما تداول من تصريحات نسبت إلى المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، حول اشتراطات "ضمانات" للقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر للانسحاب من العاصمة طرابلس.

ختاما، في كتاب "تاريخ نظريات الاتصال" يقول عالما الاجتماع أرمان وميشال ماتلار، إن الحرب أظهرت أن وسائل الاتصال (الإعلام) صارت أدوات ضرورية في إدارة الرأي العام من طرف الحكومات، سواء تعلق الأمر بالرأي العام الموجود في الدول الحليفة أم في الدول المعادية، لكون الدعاية الإعلامية تمثل الوسيلة الوحيدة في خلق وتعزيز الانتماء والولاء داخل المجتمعات في زمن الحرب، كما يمكن استخدامها على الجانب الآخر من أجل تكثيف التحفيز العصبي عند جماهير المعارضة في الدول المناوئة من أجل خلق حراك فوضوي عنيف يتصاعد ضمن الخطة المرسومة المبنية على علم التوجيه والتحكم من الخارج.

باتالي فإن الإعلام يمثل الركيزة الأساس بالنسبة إلى صناع الحروب، ولا يزال الشارع العربي يتذكر غزو العراق تحت غطاء إعلامي أمريكي عمل على ترويج وجود أسلحة كيماوية وأسلحة دمار شامل في العراق، وبعد أن تحولت بلاد الرافدين إلى خراب، اعترف الإعلام والمسؤولون الأمريكيون أن المصادر الإعلامية التي استندوا إليها كانت كاذبة.