تزخر ليبيا بإرث حضاري ضخم، جذوره موغلة في القدم، وذلك سببه أن تسلسل الاستيطان البشري فيها لم ينقطع فنتج عن ذلك ثقافات وحضارات إنسانية منذ عصور ما قبل التاريخ.

ومنذ انطلاق  أحداث فبراير 2011 لايزال هذا الموروث الثقافي الضخم يتعرض لخروقات و اعتداءات  متواترة وخطيرة جدا تهدد وضع الموروث الثقافي الانساني بليبيا مما وضع السلطات الليبية المتتالية في وضع محرج امام المؤسسات الدولية التي تعنى بحماية الموروث الثقافي خصوصا وان ليبيا من الدول التي لها السبق في التوقيع على جل الاتفاقيات والمواتيق والقوانين الصادرة من منظمة اليونيسكو والمؤسسات التابعة.

ففي سنة 2011 تعرض أكبر كنوز ليبيا للسرقة وهو عبارة عن 502 قطعة من العملات الإغريقية والرومانية من الذهب الخالص، وما يزيد عن 2000 قطعة فضية يرجع تاريخها لأكثر من 2000 عام كانت محفوظة في المصرف التجاري بمدينة بنغازي شرقي ليبيا. وتؤكد هيئة الاثار أن الثروة سرقت بعد أن تم حرق المصرف الذي كانت تحفظ هذه العملات في خزائنه تحت الأرض، في شهر مايو / آيار 2011 وتم تهريب بعضها إلى عدة دول من بينها ايطاليا التي ظهرت فيه قطع أثرية من نفس الكنز. 

وأوضحت الهيئة أنه أثناء الحرب العالمية الثانية نقل الايطاليون هذا الكنز الأثري إلى روما، خوفا من ضياعه قبل أن تستعيده ليبيا عام 1961، ليستقر في بنك ليبيا والذي سمي فيما بعد المصرف التجاري.

وتقول هيئة الآثار إن "أيادي التخريب" بعد 2011 طالت العديد من المواقع الاثرية منها استراحة "طلميثة" في بنغازي ومتحف مدينة بني وليد شمال غرب البلاد، إضافة لمتحف مدينة سرت شمال و"قلعة الاتراك" التي تقع في مدينة القيقب، شرقي مدينة شحات. وتضيف هيئة الآثار أن هناك وسيلة أخرى للاعتداء على الكنوز الأثرية في ليبيا، وهي تقسيم الأماكن الأثرية وبيعها لإقامة مشاريع سكنية عليها". وتلفت الهيئة الانتباه الى أن "هناك أراض مملوكة لمواطنين بمدينة بنغازي مثلا تحتوي على أماكن أثرية يتم تقسيمها إلى مخططات سكنية وبيعها، رغم مناشدة الدولة الليبية للتدخل وتعويض أصحاب هذه الأراضي وشرائها للحفاظ عليها.

من جانب آخر،يؤكد مدير مصلحة المدن التاريخية، الصديق الرقيق، على أن المدن التاريخية في ليبيا تعرضت للكثير من الاعتداءات والتشويه بسبب الانفلات الأمني وضعف سلطة الدولة على المواقع الأثرية.

ويقول المتحدث إن "تطاول أصحاب النفوس الضعيفة على هذه المعالم التاريخية نتيجة عدم اهتمام صانع القرار بها جعلها عرضة للسرقة والنهب والتخريب".

ويضيف الرقيق، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن هناك جماعات دينية متشددة "وجدت الأجواء المناسبة للاعتداء على المعالم التاريخية، فخربت المنابر في المدينة القديمة وأزالت القبور من بعض المساجد".

ويوضح أيضا بأن هناك اعتداءات لمواطنين على هذه الآثار "من أجل أغراض شخصية، بحجة أنهم يملكون أراضي المعالم التاريخية".

وتعطلت جهود حماية الآثار بسبب وجود حكومتين في ليبيا، إحداهما تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس والأخرى في الشرق، بحسب حسين، الذي قال إنه في ظاهرة إيجابية نادرة من نوعها تمت استعادة نحو 1700 قطعة أثرية منذ عام 2011 بعد نهبها داخل البلاد، لكن جرى تهريب الكثير خارج البلاد.

وأدى ضعف الأجهزة الأمنية وانقسام المؤسسات المعنية بالآثار في البلاد، إلى تفشي جريمة تهريب الآثار في ليبيا إلى حدّ إعلان تجار الآثار عن بضائعهم على شبكة الإنترنت، بل فتحت صفحات متخصصة على شبكات التواصل الاجتماعي علناً. كما وجدت الآثار الليبية طريقها للأسواق العالمية، وبعضها وصل إلى دور المزادات في آسيا وأوروبا.

في نفس السياق،يرجع الخبير الأمني عادل عبد الكافي الاعتداءات المتكررة على المواقع الأثرية الليبية إلى "تنامي عصابات التهريب التي لها ارتباط دولي مع المافيا الدولية".

ويؤكد عبد الكافي على "الجماعات الإرهابية في ليبيا استغلت الآثار في تمويل أنشطتها وتجديد موارد الدخل".

ويقول في تصريحات صحفية "الجماعات الإرهابية تعاونت مع العصابات لطمس الهوية الليبية لما تمثله آثار ليبيا من رمزية تمس مباشرة تاريخ الحضارات والدول".

ويُتهم تنظيم داعش على نطاق واسع بالتربح من الاثار الليبية من خلال تعامله مع مهربي الاثار، وقد تأكدت هذه الفرضيات بعد عثور قوات الأمن على تحف أثرية قبل عام في منزل تمت استعادته يخص قائد في تنظيم داعش في بنغازي. وعثر أيضا على قطع رومانية وبيزنطية داخل مقرات للدواعش في بنغازي وسرت ودرنة.

مؤخرا،ناقش وزير الزراعة في الحكومة الليبية المؤقتة حسن الزيداني الإثنين التعديات والمخاطر التي تتعرض لها الغابات والمواقع الأثرية والسياحية والطبيعية.

واستعرض الزيداني خلال اجتماعه مع رئيس مصلحة الآثار الليبية أحمد حسين، ورئيس هيئة السياحة أحمد سقاوة والمدير التنفيذي للهيئة العامة للبيئة فايز امنيسي تهديد البيئة وذلك بوضع برامج وخطة عمل مشتركة.

وبحث المجتمعون في مقر مصلحة الآثار معالجة المشاكل التي تواجه الأجهزة الضبطية المتخصصة مثل جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار والشرطة الزراعية وحرس الغابات لتفعيل دورها وتذليل الصعاب التي تواجهها.

وأكد المجتمعون على ضرورة تشكيل فريق إعلامي توعوي مشترك على أن يقوم هذا الفريق بتقديم مقترح شامل يطرح في الاجتماع المقبل.

يشار إلى أن الغابات والأماكن الأثرية والسياحية في ليبيا تشهد عمليات اعتداء وتشويه كبيرة من قبل بعض المواطنين.