منذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس مطلع أبريل/نيسان الماضي،أعلنت تركيا دعمها للمليشيات المسلحة وامدادها بمعدات عسكرية،وذلك بهدف منع سقوط جماعة "الاخوان" ذراع أنقرة في ليبيا والراعي الرسمي لمصالحها ونفوذها هناك.وألقى هذا الدعم الكبير الضوء على نوايا تركيا المشبوهة،والتي تتوضح من خلال استعدادها لفعل أي شيء؛ من أجل عدم خسارة الساحة الليبية.
لا شك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،قد أسقط عن وجهه كل الأقنعة الزائفة والنوايا الخبيثة التي يستهدف بها عدة دول عربية وأظهر بوضوح مخططاته وأطماعه فى سوريا وليبيا حين قال فى خطاب له في أكتوبر الماضي الماضى،أمام منتدى "تى أر تى وورلد" والذى عقد فى إسطنبول:"الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل".. ثم أردف قائلا:"الأتراك اليوم يتواجدون فى جغرافيتهم احتراما لإرث الأجداد، فهم من نسل يونس أمره" فى إشارة إلى القاضى العثمانى الشهير.
وأضاف أردوغان "تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية"، مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك،في مشهد كشف وبدون لبس عن النوايا الحقيقية من وراء الدعم الذى تقدمه أنقرة إلى حكومة الوفاق وجماعة "الاخوان"،والذي يقوم على مد النفوذ التركي في ليبيا ومواصلة نهب ثرواتها.
تصريحات استفزت الليبيين الذين اعتبروها تعديا على سيادة بلادهم وتدخلا في شؤونها، وتوجهات استعمارية معلنة لتركيا عبر أدواتها في ليبيا، متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين.وجّهت مجموعة "أبناء ليبيا" المكونة من أكاديميين ودبلوماسيين سابقين شكوى للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ضد أردوغان، عبر رسالة سلموها للمبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، تندد بالأحقية المزعومة لرئيس تركيا بالتواجد في بلادهم.
وقالت مجموعة "أبناء ليبيا" في رسالتها إن تصريحات أردوغان "ما كانت لتكون لولا بقايا السلطة الحاكمة في طرابلس مع حلفائها الإسلاميين المتحالفين مع تركيا"، محذرة من مغبة هذه التصريحات ومن محاولة فرضها كأمر واقع على الأرض.
وندّد برلمان شرق ليبيا، بتصريحات أردوغان، بشأن حق بلاده التدخل في الشأن الليبي باعتبار أن ليبيا إرث أجداده، وجغرافيتها جزء من الإمبراطورية العثمانية.وقال البرلمان في بيان له،إن أردوغان بهذه "المغالطة التاريخية يسعى لتبرير دعمه للجماعات الإرهابية والميليشيات والعصابات المسلحة المسيطرة على العاصمة طرابلس، مستبيحة دماء الليبيين وأعراضهم وأموالهم".
في المقابل،لم تعلق حكومة الوفاق على تصريحات أردوغان وهو ما أرجعه مراقبون الى أنها تحت سيطرة جماعة "الاخوان" التي تدين بالولاء لتركيا،وهو ما تأكد حين رفضت حكومة السراج خفض التمثيل الدبلوماسي ووقف التعاون مع تركيا في أعقاب إصدار الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب بيانًا طالب الدول العربية بعدم التعاون مع الحكومة التركية وخفض التمثيل الدبلوماسي لديها بعد عدوانها على الأراضي السورية. واعتبر مراقبون تصرف حكومة الوفاق مخالفة للإجماع العربي، ودليلا على مدى ارتباط هذه الحكومة التي يسيطر عليها تنظيم "الاخوان" بالأجندات التركية الساعية لنشر الفوضى في المنطقة.
وقوف جماعة "الاخوان" مع تركيا في غزوها للأراضي السورية ليس غريبا فالجماعة طالبت في عدة مناسبات بالتدخل التركي في ليبيا،ففي يوليو 2018،طالب عضو المؤتمر الليبي المنتهية ولايته، القيادي في جماعة "الإخوان" المسلمين فرع ليبيا، محمد مرغم، عبر قناة "التناصح" التي يديرها مفتي الإخوان في ليبيا، الصادق الغرياني،  بتدخل تركيا ضد الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقبل ذلك، تحدث رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في ليبيا، محمد صوان، عن إمكانية الاستعانة بتدخل أجنبي في منطقة الهلال النفطي، على خلفية قيام الجيش الليبي بتحريرها من قبضة عصابات إبراهيم الجضران (حليف سرايا الدفاع التابعة للإخوان).ودعا صوان حينها المجلس الرئاسي لطلب المساعدة في مواجهة الجيش الليبي.
وفي سبتمبر الماضي،دعا عبدالعزيز العرادي ممول و قيادي في جماعة الإخوان المسلمين الليبية،في تدوينة على "فيسبوك"،رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج بمغادرة نيويورك والتوجه إلى أنقرة وتوقيع اتفاقية دفاع مع الجمهورية التركية تحت "ضوء الشمس وبالفم المليان" للدفاع عن العاصمة، على حد تعبيره.
ولم تتوانى جماعة "الاخوان" في فتح ليبيا أمام جميع أنواع السلاح التي زادت من تأجيج الصراع في البلد الممزق بالانقسامات.وتتالت شحنات السلاح القادمة من تركيا الى ليبيا دعما للمليشيات على غرار السفينة التي قدمت في أواخر مايو الماضي من ميناء "سامسون" التركي، محمّلة بأسلحة وذخائر متنوعة وآليات عسكرية إلى ميناء العاصمة طرابلس، حسبما وثقته صور ومقاطع فيديو التقطت على متنها، أظهرت كذلك لحظة تسلّم الشحنة من طرف كتيبة "لواء الصمود" التي يقودها "الاخواني" المعاقب دوليّا صلاح بادي.
كما تحولت الأراضي الليبية الى مسرح لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"، التي كشف موقع أفريكا أنتلجنس -الوكالة المتخصصة في الأخبار السرية – مطلع يوليو الماضي، عن أن تركيا تستعد لمنح حكومة السراج ثماني منها، رغم استمرار الحظر على توريد السلاح إلى ليبيا الذي فرضه مجلس الأمن منذ 2011.
 وتفاخر رئيس المجلس الأعلى للدولة والقيادي في جماعة "الاخوان" خالد المشري، في تصريح لصحيفة الإندبندنت البريطانية، بأن "حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة حصلت على طائرات بدون طيار وعدلتها لمواجهة التأثير المدمر لطائرات السيد حفتر الحربية والمراقبة الجوية". دون أن يشير الى أن هذه الطائرات تسفك دماء الليبيين.
ودفعت تركيا بعناصرها لقيادة المعارك في طرابلس،ففي أبريل الماضي، تمكنت قوات الجيش الوطني الليبي من القاء القبض على مقاتلين تركيَين اثنين يقاتلان في صفوف الميليشيات في معارك طرابلس.ونشرت "بوابة إفريقيا الإخبارية" جوازات سفر كانت بحوزتهم أثناء إلقاء القبض عليهم.ومطلع يونيو الماضي، نشرت "شعبة الإعلام الحربي" التابعة للجيش الوطني الليبي، على حسابها في موقع "فيسبوك"،شريطًا مصورًا يظهر ضابطًا تركيًّا يدرب المسلحين على قيادة مدرعات تركية مشيرة إلى أنّ الفيديو عثر عليه في هاتف أحد المقبوض عليهم.
لكن الأخطر من ذلك،يتمثل في تحويل ليبيا الى ملاذ للتنظيمات الارهابية وخاصة "داعش" بعد سقو معاقلها في سوريا والعراق.وتزايدت هذه المخاوف بعد الغزو التركي لشمال سوريا والذي جعل  أعداداً كبيرة من الإرهابيين في أيدي الأتراك.وكان الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري،أكد في أكتوبر الماضي أنّ أعداداً كبيرة من الإرهابيين أطلق سراحهم من السجون وباتوا في أيدي الأتراك، محذراً من أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد يعمل على إرسال الإرهابيين الموجودين في سوريا إلى ليبيا عبر موانئ ومطارات طرابلس ومصراتة وزوارة.
وأضاف المسماري، إنّ تركيا سبق لها نقل إرهابيين لدعم الميليشيات المرتبطة بغرف العمليات التركية، وإنها لن تتردد في التخلص من إرهابيي داعش بعد إخراجهم من سجون قوات سوريا الديمقراطية عبر إرسالهم إلى الغرب الليبي لمساندة حلفائها في محاور القتال.ورجّح المسماري أن تتولى تركيا إطلاق آلاف الإرهابيين، ما يمثل خطراً على الأمن والسلام في المنطقة، ولا سيما في ظل وجود عائلات إرهابية ليبية تسكن في تركيا ستساهم في نقل الإرهابيين من سوريا إلى الغرب الليبي، وأبرزها عائلة علي الصلابي، عضو التنظيم الدولي للإخوان.
وكشفت تقارير ليبية وعربية، خلال الاشهر القليلة الماضية؛ أنّ السلطات التركية كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا، خاصة أفراد تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش"؛ حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس. وتحدثت لجنة الدفاع والأمن القومي في يوليو الماضي عن وصول إرهابيين من مدينة إدلب السورية للقتال إلى جانب "ميليشيات طرابلس" متهمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنقل مقاتلين أجانب من سوريا إلى ليبيا وفقا لبيان صادر عن اللجنة.
وفي يوليو الماضي،عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،خلال مؤتمر صحفي في روما بعد أن أجرى محادثات مع رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي،عن قلقه من تدفق المتشددين على ليبيا من محافظة إدلب السورية، وحذر من أن الوضع في ليبيا يتدهور. وتابع بوتين أن موسكو تأمل أن توافق الأطراف المتحاربة في ليبيا على وقف إطلاق النار، وإجراء محادثات والدخول في عملية سياسية لحل مشكلات البلاد.
كما كشفت مصادر اعلامية في يوليو الماضي،عن "دليل جديد على تورط تركيا في ليبيا"،مشيرة الى أن نقل المقاتلين المتطرفين من إدلب السورية إلى ليبيا يتم عبر الأراضي التركية وبواسطة طائرات "شركة الأجنحة" الليبية المملوكة من قبل عبد الحكيم بلحاج، المقيم في إسطنبول.وفق ما أوردت قناة "سكاي نيوز" عربية.
وتحتضن تركيا وقطر أهم قيادات الجماعات المتطرفة في ليبيا الذين يرتبطون معها بعلاقات كبيرة،  وأبرز المطلوبين من قبل القضاء الليبي بتهم التورط في جرائم عنف وإرهاب والإضرار بالأمن القومي الداخلي،  الي السابق في تنظيم القاعدة عبد الحكيم بلحاج،  كما تؤوي عددا من قيادات الصف الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين كانت لهم أدوار كبيرة في قيادة الحرب  على ليبيا منذ العام 2011،  على غرار علي الصلابي،  إلى جانب عناصر من مجلس شورى بنغازي المصنف تنظيما إرهابيا.
ولم يتوانى القيادي الاخواني علي الصلابي في تصريحات صحفية لـ "وكالة أنباء تركيا"،في أكتوبر الماضي،في لقاء بمعرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي بنسخته الخامسة، في الإشادة بالموقف التركي من مختلف القضايا التي تهم العرب والمسلمين،  قائلا: "إن الخطاب التركي يتميز أنه خطاب إنساني ينحاز للقضايا الإنسانية العادلة".على حد تعبيره.
ويرى مراقبون،أن تركيا تعول على جماعة "الاخوان" لفتح الباب أمام العناصر الارهابية إلى الأراضي الليبية لتوسيع رقعة الفوضى ومنع الجيش الوطني الليبي من دخول طرابلس.ويدلل هؤلاء على ذلك بتحالف "الاخوان" مع العناصر والجماعات المتطرفة والإرهابية من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" التي الصفوف الأمامية للمليشيات منذ انطلاق عملية "طوفان الكرامة" التي أعلنها الجيش الليبي،وظهرت العديد من العناصر المعروفة بانتماءاتها الارهابية في المعركة.
وحول العلاقة بين "الاخوان" في ليبيا وتركيا،يقول الكاتب التركي براق تويغان أن تركيا قد استُدرجت إلى الصراع بسبب تقاربها الأيديولوجي من عناصر جماعة الإخوان المسلمين البارزة داخل حكومة الوفاق الوطني. فما من أحد ينكر تأثير جماعة الإخوان المسلمين على العلاقات التركية مع دول مثل سوريا والسودان وفلسطين ومصر.
وقد أسفر دعم تركيا المستمر لحكومة الوفاق الوطني وميليشياتها عن وصول الطرفين إلى حد الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض؛ فالإسلاميون يحتاجون إلى دعم أنقرة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بينما تحتاج تركيا إلى الإسلاميين إن كانت تبحث عن نفوذ في البلاد مستقبلا.
وتتكشف يوما بعد يوم مخططات "الاخوان" في ليبيا والتي لم تعد خافية على الليبيين حيث شهدت المدن الليبية تحركات ضد الجماعة،على غرار تظاهر عشرات الليبيين بميدان الجزائر، في يناير 2019 وسط العاصمة الليبية طرابلس،  ضد ما وصفوه بسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل الدولة.ورفع المتظاهرون لافتات ترفض تغلغل "الإخوان" في مؤسسات الدولة،  إضافة إلى تحميلهم مسؤولية ما سمّوه بالفتنة والاقتتال في البلاد.وأشار المتجمهرون في شعاراتهم إلى بدء العد التنازلي لحكم "الإخوان" في البلاد.
ويشير المتابعون للشأن الليبي،أن جماعة "الاخوان" وحليفتهم تركيا سيفعلون كل شيء؛ من أجل ألا تخرج طرابلس آخر معاقلهم عن سيطرتهم،معولين في ذلك على مزيد من الفتن واشعال الحروب في البلاد وتأجيج الصراعات.وباتت مخططات المجموعات المنتمية إلى الإسلام السياسي في ليبيا وعلى رأسها جماعة "الإخوان" مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك أن هذه التنظيمات لا تحاول إلا السيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة عبر تسليم ليبيا لتركيا التي تسعى لنهب ثرواتها وتمرير أجنداتها في المنطقة.