في ظل سياق الفوضى الذي تعيشه البلاد منذ أحداث فبراير سنة 2011،تتواصل جريمة الإختطاف كظاهرة في ليبيا لأسباب ودوافع متباينة، وكتعبير عن الفوضى الأمنية وغياب الدولة العاجزة عن ضبط أو تحديد المختطفين، أو حتى إحصاء الضحايا، أو الخسائر الناجمة عن الظاهرة.
حيث أكد جهاز البحث الجنائي التابع لحكومة الوفاق الوطني خطف 676 شخصاً في طرابلس وضواحيها خلال عام 2017، وكشف تقرير الجهاز، المنشور نهاية فبراير/شباط الماضي، أنه جرى تحرير 100 مختطف، وأن 74 قتلوا على أيدي خاطفيهم، ولا يزال مصير باقي المختطفين مجهولاً.
وفي تقاريرها المتوالية، أشارت منظمة العفو الدولية إلى تنامي ظاهرة الاختطاف في ليبيا، موضحة أن من بين المختطفين نشطاء سياسيين، ومحامين، ونشطاء حقوقيين، وأن مليشيات تابعة للسلطات في البلاد "نفذت عمليات اختطاف بهدف الحصول على فدية من أسر المختطفين، أو استخدامهم في التفاوض على تبادل محتجزين، أو لإسكات الانتقادات".
في ذات الصدد، قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إنها "تعرب عن عميق قلقها إزاء تزايد حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفي والخطف والاختطاف والاختفاء في ليبيا والتي تطال مسؤولين وناشطين وصحفيين، حيث تنذر هذه الحالات بتدهور سيادة القانون في ليبيا".
وتشدد البعثة، في بيان، على أن "القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص على أن لكل شخص الحق في الحرية والأمن الشخصي، ولا يجوز إخضاع أي شخص للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي. كما يحظر القانون الدولي الإنساني حالات الاختفاء القسري، شأنها شأن عمليات الخطف والاختطاف”. وأضافت “تذكر البعثة جميع أطراف النزاع بضرورة التقيد بالتزاماتها بحقوق الإنسان وسيادة القانون. وعلى جميع السلطات أن تعمل في ظل سيادة القانون وأن تتأكد من أن عمليات الاعتقال والاحتجاز تخضع كلياً للإجراءات القانونية الأصيلة وقواعد الإنصاف الأساسية".
هذه الظاهرة لم تستثني أي فئة في المجتمع،فلا تزال قضية النائبة "سهام سرقيوة"التي لم تشفع لها حصانتها البرلمانية من الاختطاف مجهولة أو جرى تجاهلها بالأصح من قبل الجهات الأمنية التي اتهمت عائلتها تارة والإرهابيين تارة أخرى بالتسبب في خطفها، حتى صرح شقيقها مؤخرا بأنهم لا يعتقدون أنها لا تزال على قيد الحياة، فكيف إذن سيكون حال البقية من العامة إذا كان التصرف هكذا مع النواب.
وآخر ضحايا سلطة المليشيات وقانون القوة والسلاح الذي يحكم المدينة، كان نقيب المحامين سابقا في المدينة "أبوبكر السهولي"الذي تم اختطافه على يد مجموعة مسلحة قامت باقتياده من مكتبه بالقوة إلى جهة غير معلومة الشهر الماضي.
ودفعت الجريمة عددا من المحامين في المدينة إلى الخروج في تظاهرة لإدانة الحادثة، وإمهال وزير الداخلية بحكومة الثني "إبراهيم بوشناف"وجميع الجهات الرسمية ببنغازي 24 ساعة للكشف عن مصير السهولي، وإلا سوف يتخذون كافة الاجراءات القانونية اللازمة حيال ذلك، وفق قولهم.
مؤخرًا،استنكر ديوان المحاسبة الليبي اختطاف عناصر تابعة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، مدير الإدارة العامة للرقابة المالية في طرابلس رضا قرقاب.
وقال الديوان في بيان، إن قرقاب تعرض للاختطاف والاختفاء القسري من قبل مجموعة تابعة لمكتب وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا، وذلك لمنعه من الرقابة على بعض معاملات الوزارة المالية وحساباتها المصرفية.
وتابع البيان أن هذه الجريمة يعاقب عليها القانون، وتعد انتهاكا صارخا لحصانته القانونية وفقاً للمادة 38 من القانون رقم 19 لسنة 2013.
وأكد الديوان أن هذا التصرف يعد جريمة يعاقب عليها القانون، كما دعا إلى سرعة الإفراج عن قرقاب دون أي قيد أو شرط.
في ذات السياقـ،تصدرت ليبيا قائمة الدول الأفريقية التي شهدت تزايدا كبيرا في حالات الاختفاء القسري خلال العام 2019، حيث أوضحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في تقرير لها بمناسبة اليوم العالمي للاختفاء القسري، والذي صادف الـ30 من شهر أغسطس، أن "الصراع والهجرة عاملان أساسيان يقفان وراء عدد حالات الاختفاء في ليبيا، وأن عدد المختفين في ليبيا بلغ أكثر من 1600 شخص".
وتلقت اللجنة الدولية، بدءا من العام 2017، من مئات العائلات بلاغات حول اختفاء ذويهم في ليبيا، وفي وقت سابق، أعلنت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، في لاهاي، أن العدد الحقيقي للمفقودين في ليبيا بلغ 10 آلاف.
ويرى مراقبون،أن غياب مؤسسات ليبية حقيقية منذ سنوات،بات أهم دافع للمجرمين الذين أصبحوا يعيثون في الارض فسادا دون رادع ،ومع حالة الانقسام السياسي التي تأثرت بالتجاذبات الامنية على كامل التراب الليبي ،تحولت البلاد الى ساحة تنتشر فيها الميليشيات المسلحة التي تمارس أنشطتها الاحرامية دون رادع.
وتبقى مسألة القضاء على عمليات الخطف،صعبة في ظل ضعف مؤسسات الدولة، وصراع أجهزتها، وانقسام نخبتها، التي تساهم بشكل كبير في غياب القانون وإرساء الفوضى.