دائما ما كان العرب مؤمنين بنظرية المؤامرة في كل فشل يجدون فيه أنفسهم، وأغلبنا يقفز إلى دور الضحية لتبرير النكسات التي نقع فيها. لكن في الكثير من الحالات تكون نظرية المؤامرة حقيقة ثابتة لا تحتاج اجتهادا لاكتشافها، وآخرها ما كشفته الحرب التي تشنه روسيا على أوكرانيا من تناقض المواقف الغربية في قضايا الشعوب والتي يعتبر اللجنة الأولمبية الدولية شريكا فيها.

من الشروط التي تضعها اللجنة الأولمبية الدولية على كل الاتحادات في السنوات الأخيرة، هي عدم الخلط بين المواقف السياسية والأنشطة الرياضية وهددت الرياضيين بعقوبات قاسية في صورة عدم الالتزام بتلك اللوائح، بل وكانت بالفعل حازمة في بعض الحالات خاصة في الرياضات الفردية، التي تنظم دوليا بشكل دوري وفي أكثر من مكان في العالم.

المتابع للمسابقات الرياضية في تاريخها الحديث، سيستحضر بالتأكيد أحداثا كثيرة يمتزج فيها السياسي بالرياضي، منذ منتصف القرن الماضي وصراع القوى العالمية، إلى فترة المعسكرين الشرقي والغربي وما كانت تفرزه من أحقاد على كل المستويات لعل أشهرها ما وقع في نهائي كأس العالم لكرة السلة بميونخ 1972، بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، أين رفض الأمريكيون تسلم القلادات الفضية أمام منافسهم وحاولوا نقل المعركة خارج قاعات المنافسة وإلقاء التهم على خصمهم، في مباراة كادت تتحول إلى ساحة صراع بالأيدي.

في العام 2008، عندما كان كيان الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين في غزة ضمن سلسلة جرائمه في حق الفلسطينيين، كانت هناك ضمائر غير راضية بما يحصل، كل يعبّر بطريقته للفت نظر العالم على أبشع الجرائم في التاريخ البشري. في ذلك الوقت لم تكن مطروحة قضية المنع عن الرياضيين، وقد قام بالفعل لاعبون عرب ومسلمون معروفون بالتعبير عن أرائهم كل بطريقته الخاصة، وكان لذلك صدى في الرأي العام الدولي الذي بقي لعقود غير منتبه لما يرتكبه الاحتلال من ممارسات، ولعل ما قام به الدولي المالي فريديريك كانوتي في إحدى مباريات الدوري الإسباني وما قام به النجم المصري محمد أبوتريكة في كأس أمم إفريقيا في ذلك الوقت، أشهر حادثتين عن تداخل السياسي بالرياضي أو الأصح في هذه الحالة بين الإنساني والرياضي.

بعد ذلك بدأ الكثير من الرياضيين العرب والمسلمين يعبرون عن رفضهم لما يقوم به الاحتلال، سواء برفع الشعارات المصورة على الأزياء أو عبر مقاطعة المباريات التي يكون فيها صهاينة، الأمر الذي ورّط اللجنة الأولمبية الدولية، وتبدأ عملية "التحايل" الذي كان في ظاهره رياضيا لكنه سياسي في حقيقته، من خلال إصدار لوائح ترفض ربط المشاكل السياسية بالمسابقات الرياضية والتي تعتبر قضية فلسطين مستهدفة بشكل رئيسي فيه، ضمن عملية ضغط مارستها القوى الغربية لفرض الأمر الواقع على الرياضيين الذين يحملون أراء خارج السياق الغربي.

لكن ما يحصل هذه الأيام في أوكرانيا، يكشف تناقض المواقف الغربية لأن الضحية هذه المرة أحد حلفائهم، حيث بادرت الاتحادات الأوروبية والدولية بإقصاء روسيا من مختلف المسابقات بما فيها كأس العالم المقبلة في قطر بسبب الحرب التي تشنها. كما كانت الملاعب الأوروبية مساحة حرة للتعبير عن رفض الحرب واتهام الروس في تناقض تام ما كانت تدعو إليه اللجنة الدولية، بل إن الاتحادات الأوروبية ألغت قانون العقوبة على اللاعبين الذين يعبرون عن التضامن مع أوكرانيا بأي طريقة كانت، بما يعني أن الرياضي هذه المرة لم يعد خلطا بالسياسي بل أصبح مسألة إنسانية، كانت في السابق ممنوعة خاصة عند الحديث عن إسرائيل وما ترتكبه في حق شعب يحتاج إلى كل طريقة تضامنية معه.