الصراعات المسلحة والحروب الأهلية تلقي بظلالها على الوضع الغذائي والزراعي في أكبر 4 دول زراعية عربية، حيث تعاني نسبة كبيرة من أفراد شعوب هذه الدول من نقص حاد في الغذاء، ويجعلها في حاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية العاجلة.

ووفقا لتقرير لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية بشأن توقعاتها للإنتاج الزراعي عام 2017، فإن تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية فيها، نتيجة الحروب والصراعات المسلحة وانعدام الأمن والاستقرار فيها، أدى إلى ارتفاع كبير في أعداد الناس الذين يحتاجون إلى الإغاثة العاجلة والمعونات الإنسانية.

في ليبيا، فقد بلغ عدد السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة نحو 400 ألف نسمة، ويفاقم تدفق اللاجئين والمهاجرين بالإضافة إلى النازحين جراء الصراعات المسلحة على الوضع الغذائي في البلاد. وأشارت تقارير إلى نقص حاد في المواد الغذائية الرئيسية (القمح والخبز والطحين والزيت والحليب وأغذية الأطفال) في جنوب البلاد وشرقها.

المفارقة أن ليبيا تملك صندوقاً سيادياً قيمته تناهز الـ 66 مليار دولار واحتياطياً من الذهب يبلغ 116.6 طن. لكن الحرب التي تشق البلاد منذ 2011، في أعقاب إسقاط نظام معمر القذافي، أدت إلى تدهور الأوضاع على كل المستويات.

 ذكر التقرير منظمة آكبس أن التأثير السلبي للصراع المسلح على الاقتصاد الليبي سيستمر والضرر الاكبر سيظهر على الاعمال التجاريه وعمليات  شراء وتوزيع المواد الغذائيه داخل الدوله.  يشير التقرير ان ابرز المشاكل ستكون نقص السيولة وارتفاع أسعار المواد الغذائية والغير غذائية.

بحسب التقرير، سُبل عيش المواطنيين ستزدادا صعوبه خصوصاً مع توقعات زيادة انخفاض قيمة الدينار الليبي بالسوق السوداء. الأسوأ ان التقرير اشار الى ان تدهور الظروف المعيشيه ومحدودية الموارد سوف يقود عدد أكبر من الناس الي احتراف تهريب المهاجرين والبضائع وسيؤدي الى ارتفاع معدلات الجريمة.

الانقسام السياسي يلتهم الأمن الغذائي

أطلق الجيش الليبي في مايو/أيار 2014 عملية الكرامة لطرد التنظيمات الإرهابية من شرق ليبيا، وأدت المعارك الدائرة إلى إغلاق بعض المناطق وتهجير سكانها، وهو ما خلق كثافة سكانية في المناطق التي هاجر إليها السكان، وزاد معها الضغط على الخبز والاحتياجات الأساسية.

ويقول علي جمعة صحفي لبوابة العين الإخبارية : "انتهى الضغط على المخابز ولكن الأسعار تضاعفت، فالعشرة أرغفة من الخبز صار ثمنها دينار، بعد أن كان ثمنها قبل اندلاع الثورة الليبية في 2011 حوالي ربع دينار".

ولم تعش المناطق الأخرى في ليبيا أزمة الشرق الليبي، المتمثلة في الضغط على الخبز والمواد الغذائية الأخرى، لكنها شاركته أزمة ارتفاع الأسعار، والتي تشمل السلع الغذائية الرئيسية من أجبان وأرز ومكرونة ولحوم، إذ صارت متوفرة ولكن بأسعار مضاعفة.

يقول محمد معتصم، وهو شاب ليبي يبلغ من العمر 25 عاما لبوابة العين الإخبارية: "لم نعش في طرابلس نفس حجم أزمة الزحام على المواد الغذائية، ولكن كانت ولا تزال الصعوبة متمثلة في ارتفاع الأسعار بشكل كبير".

و وصلت أسعار المواد الغذائية في طرابلس إلى مستويات غير مسبوقة، إذ وصل الكيلو من لحم الخراف على سبيل المثال إلى 27 دينارا للكيلو، ووصل ثمن طبق البيض الذي يحتوي على 30 بيضة إلى 13 دينارا.

وأمام هذه الأسعار التي تضاعفت في بعض السلع عشرة أضعاف عن قبل أحداث فبراير لم تعد رواتب الموظفين قادرة على الوفاء باحتياجات المواطن، فيقوم بالشراء من التجار المشتركين في خدمات "ادفع لي" و"موبي كاش".

ويوضح معتصم أنه وفقا لهذه الخدمات المصرفية، فإن حد السحب للموظف 400 دينار يوميا، يتم خصمها من راتبه في الشهر المقبل، إن لم يكن رصيده البنكي كافيا.

ويضيف: "مشكلة هذه الخدمات أن ضرائبها تضيف عبئا إلى عبئ زيادة الأسعار، فالسلعة التي يبلغ ثمنها 100 دينار على سبيل المثال يسددها الموظف 140 دينارا بعد إضافة الضريبة".

وينضم الموظفون مع تراكم الديون إلى الفئات الأخرى التي تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة تهدد أمنهم الغذائي، والذين يحصلون على حصص غذائية من برنامج الغذاء العالمي.

ويقول أبوشلبي لبوابة العين الإخبارية: "طالما ظلت الأزمة السياسية قائمة والبلاد منقسمة بين حكومتين وبرلمانين، فإن أي مساعدات ستكون بمثابة مسكنات للألم، لكنها لن تقضي عليه".

ويضيف: "ما نعرفة جميعا أن ليبيا يمكنها خلال 5 سنوات توفير احتياطي مالي قرابة 150 مليار دولار لو توفرت الظروف الأمنية والسياسية المساعدة، إضافة إلى أن مؤشرات الإنتاج النفطي خلال الفترة نفسها قد تبلغ مليوني برميل يوميا، وهذه الأرقام قادرة على أن تقضي على مشكلة نقص الغذاء".

مساعدات دولية

ويقدم البرنامج حصصا غذائية إلى ما يقرب من 80 ألف شخص، وتوفر الحصة التموينية الواحدة لكل أسرة مكونة من 5 أفراد ما يكفي لمدة شهر واحد من الأرز والمكرونة ودقيق القمح والحمص والزيت النباتي والسكر وصلصة الطماطم، وفق بيان صحفي صادر عن البرنامج في 24 يوليو/تموز 2017.

ويقول وجدي عثمان، المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في ليبيا للعين الإخبارية، إن البرنامج يسعى في عام 2017 إلى الوصول إلى 175 ألف شخص.

وحصل البرنامج في يوليو/تموز 2017 على مساهمة بلغت مليون يورو مقدمة من الحكومة الإيطالية، كما حصل في فبراير/شباط من العام ذاته على مساهمة من الحكومة اليابانية قدرها 700 ألف دولار أمريكي، إلا أن هذه المبالغ يراها أبوصلاح شلبي، عضو برلمان طبرق، مجرد "مسكنات".

كما قدم برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة المساعدات الغذائية الضرورية إلى ما يقرب من 3000 نازح داخليًا من العالقين في الصحراء الليبية القاحلة؛ حيث يكافحون من أجل العودة إلى مدينتهم "تاورغاء" في غربي ليبيا.

حاولت العديد من أسر تاورغاء العودة إلى منازلهم بعد ان كانت نزحت منذ عام 2011 بسبب الصراع الداخلي الجاري. ولكن مع مطلع شهر فبراير/شباط، حالت الجماعات المسلحة دون دخول العائدين إلى مدينة تاورغاء، وذلك على الرغم من الاتفاق الذي يتعهد بضمان العودة الآمنة. وحاليًا، توجد أعداد هائلة عالقة في مأوى مؤقت في الصحراء، بينما استطاع آخرون اللجوء إلى الأسر المضيفة في المناطق المجاورة بصفة مؤقتة.

وصرح ريتشارد راجان، المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في ليبيا: "يعاني النازحون هناك من الطقس الشتوي القارس، كما يعانون من صعوبة الحصول على الضروريات التي من بينها المواد الغذائية."  كما أضاف: "نحن نواصل العمل مع السلطات الليبية وشركاء العمل الإنساني من أجل تنسيق الجهود وتوفير الدعم اللازم إلى جميع الأسر العالقة."

لا يزال الوضع الإنساني في ليبيا هشاً بسبب الصراع الدائر وعدم الاستقرار السياسي واضطراب الأسواق والإنتاج الغذائي المحلي وتتسبب هذه العوامل في تدهور سبل عيش هذه الأسر وتقليص قدرتهم على الحصول على احتياجاتهم الأساسية.

وبصفة عام، يسعى برنامج الأغذية العالمي خلال عام 2018 أن يقدم المساعدات إلى 123,000 شخصاً يعانون من أجل الحصول على لقمة العيش. وتُعطى الأولوية للأسر الكثر ضعفًا وتأثرًا بالصراع الدائر.