تتصاعد حدة التوتر في ليبيا في ظل خلافات عميقة بين فرقاء السياسة والسلاح، والتهديدات المستمرة باستئناف المعارك، وسط صراع دولي وإقليمي لم يعد خاف على أحد كل طرف يسعى إلى فرض نفوذه إما لنوايا استعمارية مثلما هو حال تركيا أو بهدف حماية الأمن القومي وضمان استقرار المنطقة مثلما هو حال مصر.

ومنذ حرب الناتو التي شنها في 2011 لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي، لم تعرف ليبيا الاستقرار، حيث تعيش حالة مستمرة من الاضطرابات في ظل انقسام السلطة بين طرابلس وبنغازي وفي ظل الغموض حول مستقبل العملية السياسية في البلاد.

وعلى الرغم من أن التدخلات الخارجية بدأت منذ 2011، إلا أن العام 2020 بدأت الأطراف الخارجية تعلن مواقفها واصطفافتها بناء على مصالحها. والتدخل الأبرز هو الذي بدأته أنقرة منذ بداية العام تمثل في المشاركة المباشرة إلى جانب حكومة الوفاق في الحرب الدائرة في طرابلس، وقد كانت مساهمة إلى حد كبير في تغيير مسار المعارك.

وتتفاقم الأزمة الداخلية في ليبيا بسبب التنافس الجيوسياسي على "الهلال النفطي"، الذي تقع فيه أربعة من محطات تصدير النفط والغاز الليبية الستة وهي التي تصدّر أكثر من 50 بالمئة من خام البلاد. وخلال العام الأخير كان الصراع حول الهلال النفطي عسكريا وسياسيا خاصة بعد قرار رجال موالون للجيش إيقاف الإنتاج، لاتهامهم حكومة طرابلس باستغلال أموال النفط لتمويل حربها ضد الجيش وتوفير مرتبات المرتزقة القادمين من سوريا وتركيا.

وبالعودة إلى الأدوار الخارجية، صوت البرلمان المصري بالإجماع في 20 يوليو الماضي للسماح بالتدخل العسكري في شرق ليبيا. وتقول مصر إن التفويض كان لصالح أمنها القومي وحدودها الغربية إذا تعرضت لهجوم من حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا في مدينة سرت الساحلية الليبية.

ويأتي تصويت البرلمان المصري أياما قليلة بعد خطاب حازم للرئيس المصري من المنطقة العسكرية الغربية، أكد فيه أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التهديدات وأنها قد تلجأ للتدخل العسكري في صورة تقدم قوات الوفاق وحليفها التركي الاقتراب من خط سرت الجفرة الاستراتيجي.

وكان الرئيس المصري عبد السيسي قد قال في يونيو الماضي إن أي هجوم على سرت أو قاعدة الجفرة الجوية الداخلية - سوف يدفع القاهرة إلى التدخل عسكريا. أن سرت والجفرة إلى الجنوب يمثلان "خطًا أحمر" ، مشيرًا إلى ضرورة الدفاع عن الحدود المصرية التي يسهل اختراقها. وقال إنه إذا تم تجاوز هذا الخط ، فسوف تتدخل القوات المصرية بشكل مباشر في ليبيا.

وقد طرح خلال ذلك الخطاب مبادرة للحل السياسي تنهي الحرب والتدخل الخارجي لكن حكومة السراج والأطراف الموالية والداعمة لها تعاملت مع المبادرة بالرفض. وقال السيسي الذي كان مرفوقا بالقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح في قصر الاتحادية بالقاهرة إن الاتفاق يشمل تجديد الدعوة لاستئناف المفاوضات في جنيف وإلزام كافة الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها.

في جانب آخر تدعو أطراف إقليمية ودولية إلى إجراء مفاوضات من أجل وقف الحرب وتسهيل الحوار بين الفصائل وتحسين الوضع الإنساني، لكن حكومة الوفاق المتكئة على سند قوي من أردوغان تتعامل بعدم الثقة مع أغلب الأطراف بحجة عدم الحيادية والأقرب بعدم الثقة نظرا لتخوفها بأن تخسر موقعها في طرابلس الذي يمثل الإسلاميون رأس الحربة السياسية والأمنية فيه.

وعلى الرغم من أن الفترة الأخيرة تعرف هدوءا حذرا ونوعا من الترقب لكن توقف العملية السياسية وعجز أغلب الأطراف الدولية على القيام بدورها في الضغط على الفرقاء بالإضافة إلى الاستفزازات التركية المستمرة، قد تعيد الأمور إلى نقطة الصفر وإلى إعادة الصراع المسلح الذي لم يعد لا الشعب الليبي ولا البلد ككل قادرا على تحمل نتائجه.