بعد سنوات طويلة من الانقسامات والحروب على أكثر من جبهة حوّلت البلاد الى بؤرة توتر اقليمي ودولي،تتسارع جهود الفرقاء الليبيين في محاولة لانهاء الفوضى في البلاد وذلك من خلال محاولة الذهاب نحو اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ،وارساء سلطة موحدة قادرة على توحيد مؤسسات البلاد واعادة الامن والاستقرار فيها.

وبالرغم من وجود مؤشرات ايجابية تنقلها تصريحات المسؤولين في البلاد،توحي بحدوث نوع من المرونة وتخفيف التوتر،وامكانية حدوث تنازلات في الفترة القادمة لتسهيل ودفع العملية السياسية في البلاد،فإنّ الخلافات التي مازالت تلقي بظلالها على الفرقاء،وتهدد مساعي التوصل الى تسوية نهائية للأزمة.

مرونة النواب وشروط الدبيبة

في خطوة تبدو ايجابية،أبدى رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح،خلال لقاء جمعه مع القائم بالأعمال الياباني لدى ليبيا ماديرا ماساكي والوفد المرافق له، استعداد المجلس لتعديل قوانين الانتخابات إذا اقتضت الضرورة.واكد صالح وفاء مجلس النواب بكافة الإجراءات المتعلقة بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وآخرها إجراء المجلس للتعديل الدستوري الثالث عشر وإصدار قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت سابق.

وتشير هذه الخطوة الى مرونة قد يبديها مجلس النواب في المرحلة القادمة في خصوص الملف الابرز وهو القوانين التي أقرها في عام 2021، وتُجرى الانتخابات بناءً عليها.وأثارت تلك القوانين خلافات كبيرة تسببت في فشل إجراء انتخابات في ليبيا في 24 ديسمبر 2021.وكانت نقاط الخلاف حول تلك القوانين أنها تنص على الترشح الفردي للانتخابات ما يحرم الأحزاب من الترشح بنظام القائمة، كما أن المجلس الأعلى للدولة اعترض عليها كونها تسمح بترشح العسكريين.

لكن رئيس مجلس النواب،أكد في المقابل على ضرورة وجود سلطة تنفيذية موحدة في كامل أرجاء ليبيا مهمتها الرئيسية تنفيذ الاستحقاق الانتخابي وفقاً لإرادة الشعب الليبي،وهو الامر الذي يصطدم برفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة،الذي يشترط التوافق على دستور جديد للبلاد للتنحي عن السلطة. 

وقال الدبيبة، خلال مشاركته في الملتقى الثاني لأسرى حرب التحرير في العام 2011، بمدينة مصراتة الليبية: "أنا مستعد للتنحي غدًا لو اتفقتم على دستور".لكنه اشترط تنظيم استفتاء شعبي على التعديل الدستوري،وتابع: "نرفض تفصيل قوانين الانتخابات على مقاس شخص واحد لأن هذه البدلة لن تناسبنا"؛ مؤكدًا في الوقت ذاته رفضه عودة الحكم العسكري.

وتاتي تصريحات الدبيبة في أعقاب موافقة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا على تعديل دستوري أقره مجلس النواب، وهو تعديل يفترض أن يوفر أساسًا لإجراء انتخابات.وهو ما يشير الى رفض رئيس حكومة الوحدة للتوافق الذي جرى بين المجلسين خاصة وانه يتهم رئيسي البرلمان ومجلس الدولة بعقد صفقات سياسية وبالعمل على عدم تمكين الليبيين من الانتخاب.

وعمق الدبيبة من خلافاته مع رئيس مجلس الدولة،خالد المشري،حيث انتقد دعوة الاخير إلى تغيير مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات،وقال الدبيبة أمام اجتماع حكومته بمدينة الخمس،أن من يريد مراحل انتقالية جديدة وتغيير مفوضية الانتخابات في ليبيا تجاهل أنه ماكث في السلطة منذ سنوات دون انتخابات أو محاسبة.

واضاف الدبيبة إن "تغيير مجلس المفوضية بزعم ضمانة إجراء الانتخابات شيء مضحك"،مؤكدا أنها المؤسسة "الأكثر التزاماً بإجراء الانتخابات".وجدد الدبيبة "استعداد حكومته للتعبير عن إرادة الليبيين في إنهاء المراحل الانتقالية وإجراء الانتخابات، وقال: "يجب إجراء انتخابات تتوافق مع رؤية المبعوث الأممي التي طرحها أمام مجلس الأمن"،وفق تعبيره

التعديل الدستوري وخطة باتيلي

بعد نحو عام،من المفاوضات الماراطونية بين مجلسا النواب والأعلى للدولة،من أجل التوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات،أقرّ مجلس الدولة التعديل الـ13 على "الإعلان الدستوري"،الذي اعلن عنه مجلس النواب في 7 فيفري الماضي،ليكون قاعدة تجري عبرها الانتخابات القادمة في خطوة تهدف لحل أزمة البلاد.

خطوة مجلس الدولة أثارت جدلا كبيرا وانقساما داخل المجلس ذاته،وشكك البعض في قانونية جلسة التصويت،الامر الذي دفع رئاسة المجلس لاصدار بيان أكدت فيه قانونية الجلسة ودعت المعترضين على قانونية الجلسة اللجوء إلى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا للفصل في النزاع،فيما أعلنت انتقالها إلى الخطوة التالية الخاصة بتشكيل لجان مشتركة مع مجلس النواب لوضع القوانين الانتخابية بناء على التعديل الدستوري.

الشكوك حول خطوة اقرار التعديل الدستوري 13،زادت وتيرتها خاصة أنها اتت بعد إعلان رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي،خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن ليبيا،عن إطلاق مبادرة جديدة لتيسير إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المؤجلة،ما اثار تساؤلات حول محاولة قطع الطريق امام المبادرة من قبل مجلسي الدولة والنواب.

ووفق مبادرة باتيلي، سيتم تشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى تجمع كل أصحاب المصلحة، والمؤسسات، والشخصيات، والقادة القبليين، والأطراف ذات المصلحة والنساء والشباب.وستكون مهمة اللجنة الوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، من خلال تيسير اعتماد الإطار القانوني وخريطة الطريق المحددة وفق جدول زمني لعقد الانتخابات في 2023، إضافة إلى تعزيز التوافق على أمن الانتخابات واعتماد مدونة سلوك لكل المرشحين.

وما يؤكد جدية التساؤل حول قطع الطريق امام المبادرة الاممية،هو التحركات الحثيثة التي تقوم بها الدول الغربية في محاولة لدعم المبادرة والضغط على الاطراف الليبية.وفي هذا السياق،التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا "ريتشارد نورلاند"، والقائم بالأعمال الأمريكي في ليبيا "ليزلي أوردمان"،رئيس مجلس الدولة خالد المشري،وقال بيان للمكتب الاعلامي للمجلس،ان اللقاء استعرض  إحاطة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي أمام جلسة مجلس الأمن، والتوافق الأخير بين مجلسي الدولة والنواب على التعديل الدستوري.

وكانت السفارة الأميركية في ليبيا،حثّت في وقت سابق، القادة الليبيين الرئيسيين على التعاطي مع مخطط باتيلي "بطريقة بنّاءة". وقالت السفارة عبر حسابها في "تويتر"، إن المقترح الأممي "يُحفّز الجسم السياسي الليبي، وسوف يبني على التقدم الذي أحرزه المجلسان في التوصل إلى قاعدة قانونية للانتخابات"، معتبرة هذه اللحظة "فرصة للقادة الليبيين من أجل إظهار أنهم فعلاً متفانون في خدمة احتياجات الشعب الليبي.

من جانبها،نشطت الدبلوماسية الفرنسية بشكل مكثف في ليبيا،حيث أجرى المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا بول سولير، والسفير الفرنسي لدى ليبيا مصطفى مهراج،لقاءات مع رئيس مجلس الدولة خالد المشري،ووزيرة الخارجية بحكومة الوحدة المؤقتة،نجلاء المنقوش،وتناولت اللقاءات دعم مبادرة باتيلي.

وتشهد ليبيا أزمة سياسية خانقة،وسط صراع بين حكومتين الأولى كلفها مجلس النواب مطلع العام الماضي برئاسة فتحي باشاغا، والثانية حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة.ووسط حالة الجدل المتجدد حول الإجراءات المؤدية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد،تتناقص فرص انفراج الازمة،وتبقى مرونة الأطراف الليبية وقبولهم بالتنازلات الطريق الوحيد لاستكمال المسار السياسي والوصول الى تسوية نهائية للأزمة.