عندما قام فريق من مشروع الابتكار الإنساني التابع لجامعة أكسفورد بالعمل على استكشاف طبيعة الأعمال التي تمكن اللاجئون وطالبو اللجوء في أوغندا من العثور عليها، أصابتهم الدهشة من اتساع وحجم الأعمال التي كانوا يزاولونها والتي ترواحت من كونهم أصحاب مقاهي وبائعي خضار ومزارعين يزرعون الذرة على نطاق تجاري، إلى أصحاب مطاحن ومطاعم، وعاملين في مجال النقل وتجار في قطاعات الأقمشة والمجوهرات. 

ومع تجاوز عدد النازحين في العالم الآن حاجز الـ 50 مليون شخص، وهو رقم في ارتفاع مستمر، تتكثف المناقشات حول كيفية دعم هذا العدد الكبير من الناس. وأراد الكسندر بيتس وفريقه معرفة ما إذا كان من الواقعي والمقبول سياسياً تشجيع اللاجئين على تحقيق اكتفاء ذاتي أكبر. 

تمتلك أوغندا سياسة ليبرالية منفتحة نسبياً تجاه 387,000 لاجئ وطالب لجوء مقيم على أراضيها، فرّ معظمهم من النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان. ولا يوجد في أوغندا مخيمات للاجئين نتيجة لذلك، بل يعيش معظم اللاجئين في مستوطنات خاصة تضم أراض مخصصة للزراعة. ولكن يمكن للاجئين الحصول على إذن للعيش خارج هذه المستوطنات إذا كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون إعالة أنفسهم. ويوجد في كمبالا بشكل خاص عدد كبير من اللاجئين. 

وأخبر بيتس شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "أوغندا تعد حالة إيجابية نوعاً ما حيث تمنح اللاجئين حق العمل، وتسمح لهم بقدر كبير من حرية الحركة. وهذا لا يعني أن الوضع قد وصل إلى مستوى الكمال، لكنه يصنف بالتأكيد على أنه على الجانب الإيجابي من الطيف. وقد اخترنا دراسة هذا النموذج لأنه يبين ما هو ممكن عندما يتم إعطاء اللاجئين الحريات الاقتصادية الأساسية". 

وقد تحدث فريق بيتس إلى أكثر من 1,500 أسرة في كمبالا واثنتين من المستوطنات الريفية وهي ناكيفالي في الجنوب، وكيانغوالي على الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد تم تسجيل الأسر لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) كلاجئين، ولكن هذا لا يعني أنهم جميعاً قد حصلوا على مساعدات. ففي كمبالا، لم تحصل 78 بالمائة من أسر اللاجئين على أي مساعدة على الإطلاق من المفوضية أو من أي جهة أخرى. وحتى في مستوطنات اللاجئين، لم تتلق 17 بالمائة من الأسر على أي مساعدة، وحتى عندما تحصل الأسر على المساعدة فمن غير المرجح أن تعتمد بشكل كامل عليها وذلك لأن المفوضية تعطي الحصص الغذائية لمدة أقصاها خمس سنوات، ما لم يتم تصنيف اللاجئين ضمن الفئات الضعيفة المعرضة للخطر. 

إذاً ماذا يفعلون بدلاً من ذلك؟ إنهم يقومون بالزراعة، بالتأكيد، في المستوطنات الريفية وما حولها. ويمتلك حوالي نصف اللاجئين من الكونغو ورواندا وجنوب السودان الذين تحدث الباحثون إليهم أراض زراعية خاصة بهم، ويعمل آخرون كعمال مزارع. غير أن الصوماليين فقط أظهروا اهتماماً ضعيفاً أو عدم اكتراث بالزراعة. 

ليست مجرد زراعة للكفاف 

ويأتي مشترو المحاصيل الأوغنديون بانتظام إلى المستوطنات لنقل شاحنات محمّلة بالخضار من كيانغوالي إلى مدينة هويما التجارية. وتحدث الباحثون إلى أحد التجار في هويما الذي قال أنه اشترى نحو 500 طن من الذرة والفاصوليا من اللاجئين المزارعين العام الماضي، أي نحو 60 بالمائة من مخزونه. وقد باع الذرة إلى أجزاء أخرى من أوغندا، ولكن أيضاً إلى مناطق أبعد من ذلك، في تنزانيا وجنوب السودان. 

ويحاول المزارعون في كيانغوالي الآن التخلص من الوسطاء وأخذ محاصيلهم مباشرة إلى السوق، من خلال إنشاء تعاونية تضم أكثر من 500 عضو، من بينهم بعض المزارعين الأوغنديين من القرى المحلية. وقد تم تسجيل تعاونية مزارعي كيانغوالي التقدمية كشركة محدودة، وبدأت في الحصول على عقود لتوريد الخضار مباشرة إلى الشركات المصنعة. 

سوق كاجوما الأسبوعي في مستوطنة كيانغوالي للاجئين في أوغندا

وكشف البحث شبكة أخرى كبيرة للتداول التجاري يتوسطها اللاجئون. وفي هذه الحالة يقوم اللاجئون الكونغوليون بممارسة الأعمال التجارية في قطاعات المجوهرات والقماش المطبوع المعروف باسم "بيتينجي" حيث يقومون بشراء هذه البضاعة من تجار الجملة الأوغنديين في كمبالا وبيعها، ليس فقط في مستوطنات اللاجئين ولكن أيضاً للعملاء الأوغنديين في البلدات القريبة. كما يزاول بعضهم التجارة عبر الحدود، حيث يأخذون بضاعتهم إلى كينيا وجنوب السودان. 

وتظهر الصورة اقتصاداً "مترابطاً" بشكل كبير، حيث يستخدم اللاجئون شبكاتهم من الاتصال مع زملائهم اللاجئين وبلدانهم الأصلية للقيام بالأعمال التجارية. ولكنهم يقومون أيضاً بمزاولة التجارة مع جيرانهم الأوغنديين، والعمل في المؤسسات الأوغندية وعندما تتحسن ظروفهم يقومون بخلق فرص عمل لمواطنيهم وأعضاء المجتمع المضيف على حد سواء. 

درس للدول الأخرى؟ 

وهذه الصورة إيجابية عموماً، ولكن لا تسمح جميع الدول للاجئين بهذه الحرية الاقتصادية إذ تقلق الحكومات من أن يثني تحقيق اللاجئين لمعيشة جيدة في بلدان اللجوء عن العودة إلى موطنهم. ولكن بيتس يشير إلى أنه عندما يحين الوقت للمغادرة، فمن الأسهل كثيراً إعادة شخص كان مشغولاً ونشطاً وطوّر مهاراته، مقارنة بشخص قضى سنوات وهو يعيش على الحصص الغذائية التي تقدم في مخيم للاجئين. 

كما يمكن للاجئين الناجحين أن يولّدوا الاستياء بين السكان المحليين. فقد ظلت أوغندا متسامحة عموماً، على عكس كينيا المجاورة، التي شهدت ردود أفعال عنيفة ضد اللاجئين الصوماليين في أعقاب سلسلة من هجمات حركة الشباب. وعانت أوغندا أيضاً من الهجمات الإرهابية، ولكن بيتس قال: "لسبب ما، على عكس كينيا، لم يتم ربطها باللاجئين بالطريقة ذاتها، ربما لأن السياسيين في كينيا بدؤوا باستخدام قضية اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية". 

وبالتالي فإن الوضع في أوغندا يعتمد بشكل كبير على السياق المحلي. مع ذلك، تشكلت لدى بيتس وفريقه قناعة بأنه سيكون لدراستهم أثر على سياسات اللاجئين في أماكن أخرى، لاسيما تلك المتعلقة بالأزمة الجديدة في الشرق الأوسط. وختم حديثه قائلاً: "تتمثّل الاستجابة التقليدية في إنشاء المخيمات. لكن لا يمكننا تحمل القيام بهذا في أماكن مثل لبنان. فالتكلفة - أي التكلفة البشرية - من حيث إهدار الإمكانيات وإمكانية إثارة الاستياء والإحباط عالية جداً". 

"علينا أن ندرك ما يمكن أن يسهم به اللاجئون، وأن لا نقوم فقط بإيداعهم في المخيمات. يجب أن نبدأ من خلال الاعتراف بأن الإيواء في المخيمات على المدى الطويل ليس خياراً، وأنه عندما يتم السماح للبشر بالتحرك، فإنهم يستطيعون فعل الكثير لمساعدة أنفسهم".