تمثل الأوضاع الأمنية أحد أبرز مظاهر الأزمة الليبية وخاصة في المنطقة الغربية التي تشهد خلال الفترة الأخيرة تطورات كثيرة تصب جميعها في خانة الفوضى الأمنية في ظل استمرار سطوة المليشيات المسلحة التي تتنافس على النفوذ خاصة في العاصمة طرابلس،وانتشار الجرائم التي تهدد بمزيد من الضحايا بين المدنيين.

وفي مشهد متكرر منذ سنوات،اندلعت في ساعة متأخرة من مساء الخميس اشتباكات عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، استمرت حتى الساعات الأولى من صباح الجمعة، بين مجموعات مسلحة تابعة لحكومة الوفاق.وقالت تقارير اعلامية أن الاشتباكات اندلعت في منطقة تاجوراء بين كتيبة "الضمانوكتيبة "أسود تاجوراء"، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.

وأوردت وسائل اعلام نقلا عن شهود عيان استخدام المليشيات والعناصر الإرهابية المتناحرة للصواريخ المحمولة والدبابات بما يعرض حياة المدنيين للخطرفيما أظهرت مقاطع فيديو وصور بثتها وسائل إعلام محلية تعرض بعض المنازل في المنطقة ومحطة كهرباء حكومية لأضرار بالغة، كما تصاعدت أعمدة الدخان الأسود في الهواء.

وأحرجت هذه الاشتباكات حكومة الوفاق التي سارع وزير دفاعها صلاح النمروش،للاعلان عن حل كتيبتي "الضمانو"أسود تاجوراءوإحالة قادتهما للمدعي العسكري للتحقيق في الاشتباكات التي حدثتونقلت مصادر مطلعة عن النمروش قوله، :"أعطينا تعليماتنا باستخدام القوة ضد الطرفين المتنازعين إذا لم يتوقف فورا إطلاق النار".

وفي رد على قرارات النمروش، أكدت كتيبة "الضمانبقيادة علي دريدر، امتثالها لقرار وقف إطلاق النار أمام كتيبة "أسود تاجوراء".وقالت "الضمانفي بيان مقتضب الجمعة "إننا لم ولن نبادر بالهجوم وللعلم بأنه تم الاعتداء والهجوم علينا، مما يمنحنا الحق في الدفاع عن أنفسنا إذا هاجمنا الطرف الآخر".على حد تعبيرها.

وتحدثت تقارير اعلامية عن عمليات اعتقال وتصفيات في صفوف المجموعات المسلحة في طرابلس.ونقل موقع "ارم نيوزالاخباري عن الضابط منصور الشريدي بأن عناصر من ميليشيا القوة المشتركة ألقت القبض على القيادي "عبدالرؤوف الجوجما"، آمر ميليشيا لواء الجوجمات.واضاف إن "القوة المشتركة ألقت القبض كذلك على قيادي في ميليشيا ثوار طرابلس يدعى محمد اعظيم، بعد وصوله من تركيا للعلاج من إصابة تلقاها في معارك ضد الجيش الليبي"، مشيرا الى أن القوة سلمت الشخصين إلى قوة الردع الخاصة.

وأكد ذات المصدر أن ميليشيا تابعة للقيادي المتشدد أبو عبيدة الزاوي قامت بتصفية عنصرين يتبعان ميليشيات حكومة الوفاق، وهماأيمن شعباطة وسليمان علي المختار المرخي المعروف بـ"الشرقاوي".وأشار المصدر إلى أن العناصر المسلحة فتحت عليهم النار أثناء مرورهم عبر طريق "الحسيبمنطقة أبو عيسى في مدينة الزاوية غرب طرابلس.وفق "ارم نيوز".

وأثارت أحداث العنف تنديدا من منظمات محلية ودولية،حيث دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى "وقف فوريللأعمال العدائية في العاصمة طرابلس،قائلة في بيان لها إنها "تتابع بقلق بالغ الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة بين مجموعتين مسلحتين في الحي السكني تاجوراء في طرابلس، ما أسفر عن إلحاق الضرر بالممتلكات الخاصة وتعريض حياة المدنيين للخطر.

من جهتها أعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع ليبيا،  في بيان،  الجمعة، عن عميق قلقها من اندلاع الاشتباكات المسلحة باستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة داخل الأحياء السكنية على نحو يُنذر بسقوط ضحايا مدنيين وتقويض ما تبقى من سلم أهلي هش في البلاد.ودعت المنظمة المجلس الرئاسي وبعثة الأمم المتحدة بالعمل معاً وتكثيف جهودهما من أجل تهدئة النزاع المسلح واستعادة الأمن بمنطقة تاجوراء وحماية المدنيين وممتلكاتهم.

وفي ذات السياق، أكدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا على أن وقوع هذه الاشتباكات من جديد، يجدد التأكيد على ضرورة وأهمية أن تتحرك حكومة الوفاق بشكل سريع في بدء تنفيذ الخطط الأمنية لضبط الأمن والاستقرار ومقاومة الجريمة وإنهاء الفوضى الأمنية التي تتسبب بها الجماعات المسلحة والخارجين عن القانون.

ودعت المنظمة إلى نزع سلاح الجماعات المسلحة وحلها وتفكيكها وتسريح وإعادة دمج عناصرها.كما أكدت على ضرورة إنهاء حالة الإفلات من العقاب، وذلك من خلال تفعيل الآليات الدولية المعنية بملاحقة منتهكي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في ليبيا.

وتزيد هذه الاشتباكات المتكررة من حالة الفوضى الأمنية التي تشهدها العاصمة طرابلس في ظل انتشار المليشيات والمرتزقة وارتفاع حدة الجرائم التي جريمة قتل المواطنة الليبية فتحية اللافي آخر مشاهدها المأساوية.وكانت اللافي اختفت منذ صباح يوم الأربعاء 16 سبتمبر الجاري، بعدما خرجت من منزلها في طرابلس للقيام بزيارة روتينية إلى عيادة للعلاج الطبيعي.

وتم العثور على على جثة المغدورة مساء الثلاثاء، بمنطقة المشروع في طرابلس، وتواردت أنباء عن تعرضها لعدة طعنات.وأعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق ضبط المتهم بارتكاب الواقعة من قبل أعضاء التحري والتحقيق بمكتب المعلومات والمتابعة، مشيرة إلى أنه اعترف بخطف الضحية وقتلها وأفصح عن مكان دفنها.

واعتبرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، أن جريمة قتل اللافي مؤشر خطير يهدد منظومة حقوق الإنسان خاصة الحق في الحياة وغياب  تطبيق القوانين الرادعة وانتشار السلاح الذي ما من شأنه أن يسهم في زيادة مثل هذه الجرائم.وطالبت اللجنة، النيابة العامة بإنزال أشد العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات الليبي على المتهمين.

كما طالبت اللجنة، وزارة الداخلية بحكومة الوفاق بالعمل بشكل فاعل على ضبط الأمن والاستقرار وإنهاء حالة الفراغ الأمني الملحوظ في عديد من المناطق والمدن الليبية، ومقاومة الجريمة والجريمة المنظمة ومنع وقوع الجريمة قبل وقوعها وتعقب ورصد شبكات الجريمة والجريمة المنظمة ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة، وذلك للحد من ظاهرة تصاعد حالات الاختطاف والقتل والسرقات التي تطال المواطنين.

وتعيش مدن غرب ليبيا وخاصة العاصمة على وقع فوضى أمنية في ظل عودة صراعات المليشيات ناهيك عن استمرار التدخلات التركية الساعية لتأجيج الأوضاع.ولا يستبعد مراقبون أن يشهد الوضع في طرابلس المزيد من الاحتقان والاقتتال خاصة في ظل الانقسامات الكبيرة التي تشهدها حكومة الوفاق حول تقلد المناصب والنفوذ.

وشهدت العاصمة الليبية طرابلس خلال الأسابيع الماضية احتجاجات واسعة للتنديد برئيس حكومة الوفاق فايز السراج محملة إياه مسؤولية تردي الأوضاع المعيشية.وحاولت المليشيات المسلحة وأد الاحتجاجات حيث مارست الاعتقالات والاختطاف والتهديد بالرصاص، إلا أن الحراك الشعبي يصر على الاستمرار في تحركاته السلمية لاسقاط حكومة السراج وحلفائها.

وأعلن السراج في وقت سابق عزمه التنحي من منصبه منتصف أكتوبر القادم وهو ما أثار تساؤلات كبيرة حول مصير المليشيات المسلحة والمرتزقة الموالين لتركيا الذين تعج بهم المنطقة الغربية.ورغم التحركات السياسية المكثفة في الملف الليبي مؤخرا فان المخاوف تتصاعد من امكانية اجهاض جهود التسوية في ظل استمرار الفوضى في طرابلس التي تغذيها الانقسامات والتدخلات التركية.