سريعا تتبخّر آمال الليبيين في عودة الأمن والاستقرار الى بلادهم،مع تحطّم كل محاولات الوصول الى تسوية سياسية، على فوّهات بنادق الجماعات المسلحة.عنف متجدّد وصراع على النفوذ لا ينتهي يصنع من دماء الليبيين حاجزا أمام السلام يأبى الزوال،لتظل البلاد رهينة الثارات بين ابنائها،ولتبقى الكلمة العليا للرصاص.

مشهد جديد قديم، شهدته منطقة تاجوراء شرقي العاصمة طرابلس،قتلى وجرحى جراء اشتباكات عنيفة اندلعت مساء الأحد الماضي، بين التشكيلات المسلحة المتواجدة في المنطقة. الاشتباكات جاءت على خلفية مقتل أحد عناصر رحبة الدروع "مليشيا البقرة" محمود الزياني، على يد ما يعرف بكتيبة أسود تاجوراء.

الخطير في الامر،أن الاشتباكات دارت داخل أحياء سكنية،ورغم ذلك فقد أستخدمت فيها جميع أنواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة،حيث أظهرت مقاطع مصورة نشرها نشطاء، وجود دبابات في شوارع تاجوراء خلال الاشتباكات. وهو ما دفع العائلات لطلب اجلائهم من المنطقة،وتم تعليق الدروس فيما دعا مستشفي بئر الأسطي ميلاد، ذوي المرضى النزلاء بقسم الإيواء، الحضور للمستشفى لإخراج المرضى على وجه السرعة.

وتلقي هذه الاشتباكات الضوء على واقع الامن في ليبيا وخاصة في غرب البلاد،حيث تؤكد استمرار مسلس الفوضى وغياب مؤسسات الدولة. وتمثل هذه المواجهات المسلحة الخطيرة احراجا كبيرا لحكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خاصة ان طرفي الاشتباكات يتبعان وزارة دفاعها،ما يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على ضبط الامن.

ومؤخرا تكررت المواجهات المسلحة في غرب البلاد،على غرار الاشتباكات التي وقعت في بوابة النقازة، بين عناصر من وزارة الدفاع بحكومة الوحدة، وعناصر من قوة الدعم المعروفة بالـ"ماريندا"، فيما يبدو أنه صراع على النفوذ وبسط السيطرة بين الطرفين.

وقبل ذلك بايام قليلة،عاشت مدينة الزاوية غربي ليبيا،على وقع اشتباكات ضارية، استخدمت فيها المليشيات جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بسبب خلاف على مناطق النفوذ أوقعت عددا من القتلى والجرحى بينهم مدنيين، وأدت إلى نزوح عدد من العائلات هربا من جحيم الرصاص والمدافع.

هذا الانفلات الامني يشكل احراجا كبيرا لحكومة الدبيبة، الذي يؤكد في كل مناسبة على قدرة حكومته على انجاز الاستحقاق الانتخابي، الذي تسعى الأطراف الليبية والدولية للوصول اليه في العام الجاري. فالوضع الامني يبدو بعيدا كليا عن السيطرة في مناطق حكومة الوحدة،والصراع بين المجموعات المسلحة التابعة لها يؤكد أنها لا تملك أي سلطة فعلية على الأرض.

في المقابل،يبدو أن الحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا، ستسعى لاستغلال ضعف حكومة الدبيبة للترويج لنفسها دوليا،وهو الامر الذي كشف عنه باشاغا، في تغريدات متتالية على تويتر، عقب لقائه المبعوث الأممي عبدالله باثيلي في بنغازي، حيث أكد جاهزية حكومته الكاملة لمساندة مساعي البعثة الأممية في جعل عام 2023 عام الانتخابات.

وتعيش ليبيا منذ اشهر صراعا سياسيا حاميا بين حكومتين واحدة في الشرق والاخرى في الغرب.ويصر رئيس حكومة الوحدة، عبدالحميد الدبيبة،على التاكيد على عزمه على المضي بالبلاد قدما نحو الانتخابات العامة،فيما يؤكد رئيس الحكومة المكلف من البرلمان، فتحي باشاغا أن ولاية حكومة الدبيبة قد انتهت فعليا ولا شرعية لها.

صراع باشاغا والدبيبة على الشرعية يختزل المشهد السياسي المعقد في البلاد،فمنذ سنوات تكرر مشهد الحكومات المتعددة في ليبيا،واصبحت الشرعية لفظا تائها بين السنة السياسيين، دون أي فعالية على أرض الواقع. فالمجموعات المسلحة التي تغولت في البلاد بعد العدوان الغربي وسقوط النظام في العام 2011، هي في الحقيقة الحاكم الفعلي وصاحب السلطة.

هذا المشهد الأمني المنفلت، يثير تساؤلات حول مصير الانتخابات التي يدفع المجتمع الدولي لاجرائها،وتتسارع تحركات الفرقاء وجولاتهم لسن قوانينها، خاصة بعد مبادرة المبعوث الاممي عبدالله باتيلي، القائمة على تنظيم انتخابات في العام الجاري، ودعوته مؤخرا مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى وضع القوانين الانتخابية بنهاية يونيو المقبل.

وتلقى هذه المبادرة دعما كبيرا من القوى الدولية، التي تتسارع تحركات بعثاتها في ليبيا عبر سلسلة لقاءات ماراطونية مع المسؤولين الليبيين لدفعهم لتبني مبادرة باتيلي التي تُركز على إمكانية وضع خارطة طريق واضحة للوصول إلى الانتخابات في منتصف يونيو المقبل، لإجراء الاقتراع في نهاية 2023.

لكن مسالة اجراء الانتخابات تواجه معظلة حقيقية،وهي غياب الامن الامن الذي تكشفه التطورات على الارض بشكل صريح،فهذا الأمر كفيل بافشال أي استحقاق سياسي في البلاد.وفي هذا السياق،يرى الصحفي بشير زعبية، ان الاشتباكات المسلحة تشكل "إشارة جديدة مهمة إلى المبعوث الأممي، عبدالله باتيللي تنبهه إلى أن مسارا آخر غير السياسي، والاجتماعي"، وهو المسار الامني الذي ينبغي أن يتصدر أولويات أجندته. 

ويرى زعبية أن بقاء الوضع الامني على حاله مع استمرار انتشار السلاح ومنطق القوة لدى المجموعات المسلحة المنفلتة،يضع مبادرة باتيلي في سلة الفشل أسوة بمبادرات سابقة لأسلافه مكن المبعوثين الأمميين الذين فشلوا في التعامل مع الملف الامني.فهذا الملف الحساس يمثل المفتاح الرئيسي لحل الازمة المستعصية في البلاد.