وفي ظل حالة الفوضى نتيجة انهيار مؤسسات الدولة وانتشار السلاح فيها،يتواصل مسلسل اختطاف واحتجاز الأجانب في عدة مناطق من ليبيا من قبل المليشيات المسلحة،بحثا عما تسفر عنه تلك العمليات من دفع فدية تقدر بالملايين،وهو ما بات يمثل معظلة كبيرة للسلطات الليبية. إلى ذلك،إختطفت مجموعة مسلحة مجهولة 3 مهندسين فلبينيين وكوري جنوبي في السادس من تموز/يوليو الماضي، بهجوم على مشروع النهر الصناعي في غرب ليبيا.وذكرت تقارير إعلامية، إن المجموعة المسلحة اختطفت أيضا عدة عمال ليبيين في الهجوم الذي شنته، لكنها أفرجت عنهم فيما بعد.

استنفار أمني

وتحركت حكومة الوفاق الليبية في محاولة لإنهاء الأزمة،حيث أفاد مصدر أمني اليوم الخميس بأن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج كلف أجهزة الأمن في العاصمة طرابلس ببحث المخطوفين. وأشار المسؤول الأمني في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، إلى أن الأجهزة المعنية شكلت فريقاً للبحث منذ خطف الفنيين الأجانب من موقع النهر الصناعي قبل نحو شهر ، لافتاً إلى أن الشكوك كانت تحوم حول ضلوع تنظيم داعش في خطفهم إلا أن بعض التقارير تشير إلى أنهم يوجدون لدى بعض الكيانات المسلحة وجاري البحث عنهم.

وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن رئيس المجلس الرئاسي طالب الأجهزة الأمنية بالبحث عن المخطوفين لإعادتهم في أسرع وقت ممكن، في ظل التواصل مع الجانبين الفلبيني والكوري لإطلاعهما على آخر المستجدات. وتتزامن عمليات الاختطاف الأخيرة،مع تواتر أنباء عن محاولة تنظيم داعش إعادة تنظيم صفوفه في المناطق الجنوبية بليبيا بعد طرده من مدينة سرت، وكذلك عن تعزّز نشاط تنظيم القاعدة في المنطقة نفسها، وهما تنظيمان يعتبران متخصصين في اختطاف الأجانب واحتجازهم بغرض الحصول على الفدية المالية. وقد استطاعا في السنوات الأخيرة الحصول على ثروات طائلة تقدر بمئات الملايين جراء عمليات احتجاز الرهائن الغربيين، خاصة تنظيم القاعدة الذي يتخذ من هذه الطريقة وسيلة لتمويل نفسه إلى جانب عمليات التهريب والاتجار بالأسلحة والممنوعات.

وكانت وزارة الشؤون الخارجية الفلبينية قد طالبت السلطات الليبية بالعمل للإفراج عن ثلاثة من مواطنيها، الذين اختطفتهم مجموعة مسلحة من موقع لجهاز النهر الصناعي. وقالت الخارجية الفلبينية في بيان لها آنذاك، إنهم على اتصال بالسلطات الليبية لتحديد مكان مواطنيها المختطفين وتأمين الإفراج عنهم. وأوضح ماردميل ميليكور، القائم بأعمال السفارة الفلبينية في ليبيا، أن مسلحين مجهولين دخلوا موقع النهر، واختطفوا أربعة أجانب، منهم ثلاثة مواطنين فلبينيين، بالإضافة إلى أربعة ليبيين، قبل أن يفرجوا عن أحد العمال الأجانب وجميع الليبيين، ويُبقوا على المواطنين الثلاثة بحوزتهم.

سفينة حربية

على صعيد آخر،أعلنت سيول،الخميس 02 أغسطس 2018، أنها أرسلت سفينة حربية إلى ليبيا، في استعراض قوة على ما يبدو، لضمان إطلاق سراح المخطوفين.وقال المسؤولون، إن البارجة "مونمو الأكبر"، التي تزن 4 أطنان وتشارك في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن، في طريقها إلى ليبيا. ونقلت "فرانس برس"،عن متحدث باسم وزارة الدفاع،قوله أنه إضافة إلى "قيامها بمهمة حماية السفن التجارية، تستعد البارجة لجميع الفرضيات ومنها الحاجة لتقديم دعم عسكري".وقال متحدث باسم المكتب الرئاسي في سيول، إن الحكومة "تبذل كل ما بوسعها بالوسائل كافة المتاحة للدولة.

Image caption

وأكد المتحدث كيم ايوي-كيوم في بيان أن "بلاده ورئيسه لم ينسياه ولا مرة".وأضاف أن "الحكومة تتعاون بشكل وثيق مع حكومة ليبيا وحلفاء آخرين مثل الفلبين والولايات المتحدة، منذ الحادثة، من أجل سلامته وإطلاق سراحه". وبين المتحدث الكوري الجنوبي أنه "تم الكشف عن مقطع فيديو يظهر فيه عدد من الضحايا بعد مرور نحو شهر من الاختطاف، ومنهم رجل يدعى أنه كورى يقول بالإنجليزية "أرجوك ساعدنى رئيس بلدنا كوريا الجنوبية"، وأضاف المتحدث أنه "تم إرسال وحدة "تشونج هيه" العسكرية التي كانت تقوم بمهامها فى خليج عدن، إلى المياه القريبة من ليبيا عبر قناة السويس استجابة للظروف المحلية".

وأكدت حكومتا البلدين ظهور مواطنيها في شريط فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع. والفيديو الذي نشرته أيضًا مجموعة سايت المختصة برصد المواقع المتطرفة، يظهر الأربعة وهم يخاطبون الكاميرا بالإنجليزية. ويظهر خلفهم مسلح جالسًا على الرمال، لكن الخاطفين لا يعلنون هويتهم كما لم تتبنَ أي جهة المسؤولية. ولم يتضح تاريخ التصوير. وكان مكتب الرئاسة،أصدر بيانا جاء فيه أن الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي-إن "أمر الحكومة منذ اليوم الأول الذي خطف فيه المواطن الكوري الجنوبي ببذل قصارى جهدها، واستخدام كل الموارد المتاحة لإطلاق سراحه. وأضاف البيان أن "الحكومة تحافظ على التعاون الوثيق مع الحكومة الليبية، والحلفاء الآخرين، مثل الفليبين، والولايات المتحدة، لضمان سلامته وإطلاق سراحه".وكانت وزارة الخارجية قد قالت في وقت سابق إن المواطن الكوري والفلبينيين الثلاثة خطفوا على يد جماعة مسلحة في 6 يوليو/تموز. من جانبه قال المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الفلبينية، ايلمر كاتو، إن "السفارة الفلبينية في طرابلس أكدت أن الرجال الثلاثة في التسجيل هم الفنيون الفلبينيون الذين خطفهم مسلحون في ليبيا الشهر الماضي".

خسائر

وتشكل حوادث إختطاف العاملين فى الشركات الأجنبية معرقلا رئيسيا لسير المشاريع التي تديرها،حيث تتسبب هذه العمليات في مغادرة العديد من العاملين للأراضي الليبية. وكان جهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناعي الذي يعمل فيه المختطفون،أصدر حمل فيه المجموعة المسلحة المسؤولية الكاملة عن سلامة المهندسين الأجانب، وطالب بإطلاق سراحهم، مشيرا إلى أن مثل هذه الأعمال لها أثر سلبي على أعمال التشغيل والصيانة بالمنظومة، ما يتسبب في توقف الإمداد المائي بشكل كامل على المدن والمشاريع الزراعية في المنطقة الغربية وخاصة مدينة طرابلس. وفي يوليو 2018،اختطف مسلحون مجهولون،أربعة موظفين يعملون بمحطة 186 في حقل الشرارة النفطي، حيث  قاموا باقتحام المحطة بأربع سيارات، وخطف 3 ليبين وأجنبيا يحمل الجنسية الرومانية. ودفع ذلك بالمُهندسين الأجانب العاملين في حقل الشرارة النفطي،لمغادرة مدينة أوباري، تحسبا لأي حوادث أخرى.وفق تقارير اعلامية.

وكانت حادثة اختطاف مهندسي شركة "إنكا" التركية،في نوفمبر 2017،قد تسببت في مغادرة البعثات الأجنبية من الأراضي الليبية خشية من عمليات اختطاف أخرى تستهدفهم، حيث قرّر فريق شركة "سيمنس" الألمانية مغادرة موقع العمل بمحطة أوباري الغازية، كما قررت شركة "هيونداي" الكورية،تأجيل موعد عودتها إلى ليبيا. ويرى مراقبون أن اختطاف الأجانب ارتبط في ليبيا بكونه وسيلة للحصول على المال من الرهائن الأجانب لصالح الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة عن طريق طلب الفدية،وفي بعض الأحيان يمثّل وسيلة ضغط على السلطات لتنفيذ مطالب سياسية أو إطلاق سجناء، أو الحصول على امتيازات معينة.  وتسود ليبيا منذ سنوات حالة من الصراع بين الفرقاء كرستها الإنقسامات السياسية ما أدخل البلاد فى دائرة عنف متواصل.ودفعت الأوضاع الأمنية المتردية العديد من الشركات الأجنبية إلى مغادرة ليبيا،وبحسب مراقبين،فإن المشاريع التنموية والاستثمارية والعجلة الاقتصادية في هذا البلد الممزق تبقى رهينة تحقيق الاستقرار السياسي والمالي وإنهاء التجاذبات السياسية والفوضى الأمنية حتى تعود الشركات الأجنبية لاستكمالها.