عادت التوترات الأمنية إلى منطقة جنوب ليبيا، وعاد معها الحديث عن وجود قوات وعناصر أجنبية تقاتل من أجل السيطرة على أهم النقاط الاستراتيجية ومنافذ التهريب، فالصراع المعقد في هذه المنطقة لا ينحصر بين الليبيين فقط، وإنما تداخلت فيه العصابات الإفريقية التي تسعى لإستغلال غياب الدولة لممارسة أنشطتها الإجرامية.

هذا الانفلات الأمني الخطير في الجنوب الليبي الذي يعزّزه وجود قوات من خارج الحدود، يثير مخاوف داخلية من فقدان السيطرة على هذه المنطقة لصالح العصابات المسلحة والتنظيمات المتطرفة،وهو ما يمثل خطرا كبيرا على المنطقة خاصة والبلاد عامة.


** تحرك سياسي

إلى ذلك، أدان مجلس النواب الليبي ما وصفه بـ"انتهاك المعارضة التشادية لحرمة التراب الليبي بتواجد قواتها في مناطق الجنوب الليبي، وممارستها لعمليات النهب والخطف والقتل". وقال البرلمان الليبي في بيان له، الخميس 18 أكتوبر 2018، "يتقدم مجلس النواب بخالص تعازيه، وصادق مواساته إلى أُسر الشهداء الذين تم تصفيتهم من قبل هذه العصابات".

وتقدم البرلمان الليبي في بيانه، بـ"خالص تعازيه ومواساته إلى أسر الشهداء الذين تمت تصفيتهم من قبل عصابات المعارضة التشادية".مطالبا القيادة العامة للقوات المسلحة "بتقديم التعزيزات، والدعم اللازم، وبشكل عاجل، لتطهير تراب الجنوب الليبي من دنس هذه العصابات الإجرامية".

ومن جهته،أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في بيان له، أن الجنوب يشهد عدوانا غاشما من قبل عصابات المرتزقة القادمة من خارج الحدود، مؤكدّا أن تلك العصابات لم تكتفي بعمليات النهب والتخريب، بل تمادت لتمارس جرائم القتل بحق المواطنين.

وتوعد المجلس بالرد على هذه الإنتهاكات،قائلا أنه سيتخذ الإجراءات الرادعة ضد المرتزقة وكل من تسول له نفسه انتهاك تراب الوطن والمساس بأهالي الجنوب الليبي، مشددا على أن هذا العدوان الذي يستهدف استقرار البلاد لن يمر دون عقاب.

ودعا "الرئاسي" إلى ضرورة "لمّ الشمل وتوحيد الصف والارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية"، كما دعا "الأطراف في البلاد إلى ضرورة نبذ الخلافات والانقسامات السياسية، والعمل بجدية على توحيد المؤسسة العسكرية لحماية الوطن ورد المعتدين وتحقيق سيادة البلاد".

وتتهم ليبيا العصابات التشادية بخطف وابتزاز المواطنين مقابل الحصول على الفدية، وكذلك بتورطها في عمليات تهريب السلاح والمخدرات والمواد البترولية، مستغلة حالة الفراغ الأمني الموجودة على الحدود الليبية.وبثت هذه العصابات،مؤخرا، فيديو لمواطن ليبي مختطف من الكفرة، يتوسل لدفع فدية مقدارها مليونين من الدنانير الليبية لإطلاق سراحه، كما أقدمت نهاية الشهر الماضي على خطف 11 من أبناء مدينة الكفرة على الطريق الذي يربطها مع مدينة سبها، وجرى إطلاق سراحهم في عملية تبادل أطلقت خلالها الجهات الأمنية عددًا من أعضاء تلك العصابات.


** تحرك عسكري

وفي تطور جديد، تصدت وحدات من الجيش الوطني الليبي، لعصابات تشادية امتهنت خطف الليبيين والتنقيب عن الذهب، في المنطقة الصحراوية وبحر الرمال جنوب شرق بلدتي تسمه وأم الأرانب، وتمكنت الوحدات العسكرية، من دحر العصابات المدعومة من فصائل معارضة للحكم في نجامينا.

أعلن الجيش الليبي، أن إحدى الكتائب التابعة له أحبطت، مساء الأربعاء، هجوما للعصابات التشادية، بالقرب من الحدود المشتركة بين ليبيا وتشاد، مما أدى إلى مقتل 4 جنود وعدد من العناصر المهاجمة.ونعت "سرية خالد بن الوليد"، جنودها الذين قتلوا بعدمطاردة شرسة للميليشيات التشادية توغلت خلالها القوات الليبية 130 كم داخل الأراضي التشادية..

وقالت السرية في بيان  عبر صفحتها على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، إن "طلائع الجيش، عادت بعد أن طاردت قوات المعارضة التشادية داخل أراضيها، بسبب نقص الإمكانيات والوقود والتموين وغياب الغطاء الجوي، وكبَّدتها خسائر في الأرواح والمعدات".

وتستهدف عصابات التهريب والمعارضة التشادية مدن الجنوب الشرقي الليبي، حيث تمارس القتل والحرابة والخطف مقابل فدية. ووجه مجلس شورى وحكماء الجفرة نداء عاجل لكافة العسكرين والضباط طالبهم فيه بضرورة الالتحاق الفوري بمعسكراتهم داخل الجفرة وبمختلف مدن الجنوب للمشاركة في ملاحم الشرف لتحرير الجنوب من العصابات الإجرامية الافريقية التي تمتهن الحرابه والخطف والقتل للمواطنين الليبيين. 

وجاء في النداء ان هذه العصابات تعيث في الأرض فسادا وتخريبا  منتهكة حرمة التراب الليبي وكافة  الأعراف والقوانين الليبية. وأعلن المجلس،خلال اجتماعه اليوم بديوان المجلس البلدي عن تشكيل غرفة مركزية للطوارئ داعيا كافة المواطنين ببلدية الجفرة الى الوقوف صفا واحدا وتكثيف الجهود لحماية الوطن والمواطن.

ويتصدى الجيش الوطني الليبي لعصابات التهريب وقوات المعارضة التشادية،وأعلنت القيادة العامة،في مارس الماضي، عن عملية عسكرية جوية وبرية في منطقة الجنوب الليبي، تحت اسم "فرض القانون" لإنهاء "حالة الانفلات الأمني في جميع مناطق الجنوب الليبي"، ويشارك في هذه العمليات سلاح الجو وبعض الوحدات العسكرية البرية الليبية.


** تحرك شعبي

وأججّت تحركات العصابات التشادية التي تمتهن خطف المواطنين الليبيين وطلب مبالغ باهظة لتحريرهم، وكذلك التنقيب عن الذهب، غضب أهالي الجنوب،وانضم الأهالي وعدد من أبناء القبائل لوحدات الجيش الليبي، للمشاركة في عمليات دحر تلك العاصبات، وهو ما أسفر عن تحرير عدد من المخطوفين وتكبيد العصابات خسائر بالأرواح والمعدات.

وتم  اطلاق سراح المختطفيين في الساعات الأولى من يوم الإربعاء بعد اشتباكات استمرت ثلاث ايام متتالية شكل فيها شباب مناطق الجنوب غرفة أمنية مشتركة واحدة تحت قيادة كتيبة خالد بن الوليد والتي جمعت شباب مرزق والفطرون وأوباري وسبها ومنطقة الجفرة والفقهاء،وأجبروا  خلالها العصابات التشادية المعارضة على الفرار. 

وفي لأثناء، قرر اعيان ومشايخ منطقة تمسة وأم الأرانب أنشاء صندوق لتجميع التبرعات لمن لديهم القدرة على دفع اي قيمة مالية تساهم في شراء اسلحة وذخيرة وأليات ليستعدوا لمواجهة اي اعتداء على شبر من تراب الوطن أو المحاولة ابتزاز وخطف يتعرض لها اي مواطن ليبي في مناطق الجنوب المستباح. 

ومن جهته،أعلن المجلس الأعلى لمشائخ وأعيان قبائل التبو،"دعمه وتأييده للقيادة العامة للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر".وأكد المجلس في بيان له على ضرورة فرض القانون وتطهير الجنوب من العصابات الإجرامية، وكذلك تأمين الحدود لرفع الغطاء الاجتماعي عن الخارجين عن القانون".

وذكر البيان أن "قبيلة التبو تعاونت مع قبيلة الزيادين في الهجوم على تمركزات العصابات الإجرامية بأقل الإمكانيات"، داعيًا كافة قبائل الجنوب إلى الانضمام لهم والدفاع عن الجنوب ومقدراته.

ويمثل وجود هذه العناصر التشادية في مناطق الجنوب الليبي خطرًا حقيقيًا، لا سيما في ظلّ استغلالها للوضع الأمني المردي في تنشيط وتوسيع عملياتهم الإجرامية، علاوة على الارتباط المصلحي لهذه المجموعات، مع التنظيمات الإرهابية التي تسعى منذ سنوات إلى إقامة "إمارة إسلامية" في المنطقة، وفق مراقبين.

وكان آمر القوات الخاصة "الصاعقة" اللواء ونيس بوخمادة،قد دعا في وقت سابق الشعب الليبي إلى حمل السلاح والهرع إلى الجنوب لمقارعة وطرد العصابات التشادية والإرهابيين. وشدد بوخمادة في كلمة مصورة نشرتها قناة "ليبيا الفضائية"،في أغسطس الماضي،على ضرورة الوحدة والاتفاق ونسيان الخلافات لإنقاذ الجنوب من العناصر الأجنبية، وتأمين ليبيا وطنًا للجميع.