خلال الساعات الماضية، فاجأ رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، الجميع بإعلان رغبته بتقديم استقالته من رئاسة الحكومة الليبية، مضيفا أنه يرغب بتسليم مهامه إلى السلطة القادمة، في موعد أقصاه نهاية أكتوبر المقبل.

وقال السراج في كلمة متلفزة إنه "على الرغم من القناعة بأن الانتخابات الشاملة هي الخيار الأفضل للوصول إلى حل شامل، فإنه يدعم أي تفاهمات أخرى غير ذلك"، كما دعا السراج لجنة الحوار الوطني إلى "الإسراع بتشكيل السلطة التنفيذية من أجل ضمان انتقال سلمي للسلطة".

استقالة السراج تأتي في وقت يشهد فيه الصراع الليبي المعقد انفراجا إثر توصل طرفيه إلى اتفاق لوقف شامل وفوري لإطلاق النار، وتحقيق تقارب في ملفات مهمة خلال المحادثات التي احتضنتها مؤخرا مدينة بوزنيقة المغربية. كما يأتي قرار السراج في ظل تصاعد الاحتجاجات في شرق البلاد وغربها بسبب تدهور الأحوال المعيشية.

ومضت 5 سنوات على تولي السراج رئاسة الوفاق، فشل خلالها بإعادة بناء بلاده وإخراجها من الفوضى، كما تعرض أداؤه إلى انتقادات كبيرة بسبب تقاربه مع تركيا وتحالفه مع الإخوان.

بينما يرى مراقبون أن استقالة السراج تأتي بدورها استجابة للمظاهرات الغاضبة في طرابلس، يذهب آخرون إلى أن هذه الاستقالة قد تكون في إطار تسوية سياسية.

ويعتبر مراقبون ليبيون أن استقالة السراج المشروطة، وإن كانت حققت أحد المطالب الرئيسية للعديد من الليبيين، فإنها لم تقترن باتفاق نهائي ورسمي على حكومة وسلطة جديدة، وهو ما يدخل البلاد من وجهة نظرهم في حالة من مواجهة المجهول السياسي ومن الغموض.

من جهة أخرى يجري الحديث عن خلافات داخلية وصراعات على السلطة داخل حكومة الوفاق نفسها. ويبرز من بينها الخلاف بين فايز السراج ووزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا والذي وصل إلى إنهاء السراج مهام باشاغا كوزير داخلية قبل أن يعيده إلى منصبه فيما اعتُبر نتيجةً لضغوط خارجية إذ تناقلت تقارير إعلامية خبرا مفاده أن إعادة باشاغا إلى منصبه جاءت بعد ضغوط تركية وذلك بسبب الخوف من تمرد الميليشيات الموالية له في مصراته.

في ذات الصدد، يذهب متابعون أن استقالة السراج أتت بمثابة ورقة ضغط للإسراع في عملية تشكيل سلطة جديدة، إلا أنها تفتح باب الغموض، خاصة أن نتائج الحوار السياسي بين مجلسي الدولة والنواب لا تزال غير واضحة، وفي ظل تعدد مسارات الحوارات وانقسامها بين المغرب وسويسرا.

فالطرفين المعنيين بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة وهما مجلسا الدولة والنواب يتشاوران في المغرب، بالمقابل هناك حوار آخر مواز لذلك بين الأطراف الفاعلة في الأرض من تشكيلات مسلحة وممثلين عن النظام السابق وشخصيات القبائل الليبية في سويسرا، لافتا إلى أن هذه اللخبطة قد تساهم في تباين المواقف وتضارب النتائج.

ورغم الترحيب الحذر بهذه الخطوة التي مهدت لها الطريق تسريبات أميركية لافتة تردد صداها بقوة خلال الأسبوع الماضي، فإن ذلك لم يمنع من تباين الآراء والمواقف الليبية إزاء جديتها وأبعادها، الذي ترافق مع تساؤلات جدية حول مصير الاتفاقيات المُثيرة للجدل التي وقعها مع تركيا.

ويرى كثيرون أن هذه الاستقالة جاءت بضغط أميركي لاسترضاء أطراف دولية منزعجة من الاتفاقيات التي وقعها مع تركيا، لاسيما اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تثير غضب الأوروبيين بشكل عام وفرنسا واليونان بشكل خاص.

وتكاد القراءات السياسية المُصاحبة لهذا التطور تُجمع على أن السراج تعرض لضغوط قوية لها علاقة بترتيبات دولية يجري التحضير لها في عدة عواصم غربية، وخاصة منها واشنطن، لتسوية الملف الليبي عبر إعادة صياغة المشهد السياسي.

فبعدما كان الحضور الأمريكي في الملف الليبي باهتا، عاد دور الإدارة الأمريكية للبروز من جديد إذ تلعب واشنطن  الآن دورا في ليبيا أكبر من ذي قبل  وسفيرها في طرابلس لعب دورا نشيطا في الحفاظ على تثبيت وقف إطلاق النار إلا أن المسار السياسي للأمم المتحدة مع دول أوروبية الجاري في سويسرا يبقى العملية الرئيسية، ومع ذلك تود تركيا تقويض هذا المسار وتعمل على إنشاء عملية ديبلوماسية موازية ومستقلة قد تساعدها على الحفاظ على مصالحها في البلاد.