يرى الكاتب التركي براق بقديل أن نجاح الانتخابات التونسية، وفوز حزب النداء التونسي، وهو التحالف المدني، وحلول حزب النهضة في المركز الثاني، المنتمي لجماعة الإخوان، يشكّل الفصل الأخير في كتاب هزيمة أردوغان في ثورات الربيع العربي.
يشير الباحث المغربي خالد شيات إلى أن الانتخابات النزيهة والشفافة يُمكن أن تكون معيارا لتحديد الموقع الحقيقي للقوى الإسلامية، خاصّة بعد اختبارها في كيفية التعامل مع السلطة وتسيير دواليب الحكم، بينما قد يكون للأساليب الانقلابية أثر عكسي على المستويين المتوسط والبعيد. وهذا ما أكّدته الانتخابات التشريعية، التي جرت مؤخرا في تونس.

فبشهادة الجميع، نجحت تونس في إجراء انتخابات تميزت بالمصداقية والشفافية، فخطت بذلك خطوة جديدة في السبيل المؤدي إلى نظام ديمقراطي، ودولة عصرية حديثة يريد التونسيون صياغتها وفق شروطهم واختياراتهم بما يتوافق مع مصلحتهم وتقاليد مجتمعهم، لا عن طريق شروط تُملى من الخارج، بعد أن باءت محاولة استنساخ تجارب خارجية قصد تطبيقها وفرضها على التونسيين بالفشل، ولم تؤدّ سوى إلى حالة من الفوضى وإضعاف الدولة.

في هذا السياق، أثبتت الفترة التي قضاها الإسلاميون في الحكم، وفق دراسة الباحث خالد شيات، أنّ الحركات الإسلامية تستجيب، في مستوى السلطة، لكل تطلعات الجماهير الاجتماعية للحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية على حساب الطبقات الاجتماعية، القاعدة الانتخابية الأكبر لهذه الاتجاهات الدينية. وهو ما كرس التباعد بين الطرفين.

بناء على ما سبق، لم تلق الادعاءات التي حاول أنصار حركة النهضة الإسلامية ترويجها لتخويف الناخبين من عودة الوضع في تونس إلى نقطة الصفر من خلال إعادة إنتاج المنظومة السياسية التي كانت قائمة قبل 11 يناير 2011، صدى يُذكر لدى التونسيين، الذين صوّتوا بأغلبية متوقّعة لدى جلّ العارفين بطبيعة المجتمع التونسي، للأحزاب الليبرالية العلمانية.

هزيمة النهضة أمام نداء تونس تبدو صفعة لأول حزب إسلامي يصل إلى الحكم عقب انتفاضات الربيع العربي

هل النهضة الخاسر الوحيد؟

يؤكّد عدد من الخبراء أنّ نتيجة انتخابات تونس لم تمثّل خيبة أمل لحركة النهضة فحسب، بل كانت مخيبة لآمال الأب الروحي للحركة ومثلها الأعلى؛ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، الذي مازال لم يستوعب بعد هزيمة الإخوان في مصر، حتى لحقته هزيمتهم في تونس، لتُنهي حلمه التوسّعي القاضي ببناء الإمبراطورية التركية الأردوغانية الإخوانية؛ ولتسطّر انتخابات تونس حكاية الفصل الأخير من كتاب هزيمة أردوغان، وتؤكد أن أحلام العثمانيين الجدد، هي أحلام طفولية شارفت على نهايتها، وفق الباحث براق بقديل. ويشير بقديل في تحليل نشره معهد “غاتسنون” للتحليلات السياسية إلى أنه من تونس تم الإعلان عن الهزيمة النكراء لخطة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تكوين إمبراطورية عثمانية جديدة والتحكّم بها. ولقد أثبت التونسيون، في أكثر من مناسبة سابقة، أن علاقتهم بتركيا لا تتعدى مجال السياحة ومشاهدة الدراما التركية، أمّا محاولة إسقاط السياسات التركية على بلادهم، فهو أمر مرفوض لديهم.

وإذا كان رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، يرى أنّ فوز أردوغان برئاسة تركيا هو “انتصار لرؤية قام عليها حزب العدالة والتنمية التركي الذي قدّم نموذجا للحكم الناجح”، فإنّ التونسيين يرون عكس ذلك تماما، لذلك وجّهوا أصواتهم صوب حزب “نداء تونس” و”الجبهة الشعبية” و”آفاق تونس”وغيرها من الأحزاب، الوسطية والعلمانية واليسارية، التي فازت بأكثر من 109 مقاعد في البرلمان المقبل.

من جهة أخرى، فقد اعتبر كثير من التونسيين أنّ تحذير رئيس حركة النهضة الإسلامية من عودة الاستبداد إلى مهد الربيع العربي، وتعهّد حزبه بأنه سيكون حارسا للدستور وللحريات العامّة وحقوق الإنسان، هو ضرب من الازدواجية.

فكيف تحذّر النهضة التونسيّين من عودة خطر الاستبداد وهي في نفس الوقت تدين بالولاء لأردوغان صاحب النفوذ المطلق في تركيا؟ وكيف لحزب يرى في فوز أردوغان انتصارا للنموذج الديمقراطي، فيما يعتبر خسارته في الانتخابات عودة للاستبداد؟

براق بقديل: "تونس هي الفصل الأخير في كتاب هزيمة أردوغان"
الازدواجية في الخطاب وهذه المعايير المتضاربة في التعامل، تعدّ من أبرز الأسباب التي أدّت إلى تراجع حركة النهضة أمام حزب نداء تونس في الانتخابات الأخيرة.

ولا شكّ أنّ نتائج الانتخابات قد فاجأت كثيرا من المراقبين الذين لم يستوعبوا بعد أنّ التونسيين فقهوا ألاعيب الإخوان وتلوُّنهم بكلّ الألوان، بل ربما تكون أخذت النهضة ذاتها على حين غرّة، فالحركة الإسلامية التونسية لطالما ظنّت أنها تتنافس على الموقع الأوّل، وراهنت على توسيع الفجوة بينها وبين الحزب الذي سيحل في المرتبة الثانية بعدها. لكن الرأي العام التونسي، قال كلمته وعاقب أحزاب الترويكا على ما شهدته البلاد من حالة مراوحة وإخفاق في معالجة القضايا الاقتصادية وفشلها في قطع دابر الإرهاب قبل أن يستشري في البلاد.

هل انتهى الحلم الأردوغاني؟

هكذا، خسرت النهضة، وخسر أردوغان، الذي يُسدد سُقوط إسلاميي تونس، ضربة موجعة له، ربما يتجاوز ألمها ما خلفته ضربة سقوط الإخوان في مصر؛ فالنهضة كانت جناح الإخوان المدلّل عند إسلاميّي تركيا، وسقوطها في تونس، يعني نهاية الحلم الأردوغاني.

وفي سياق متّصل، يذهب مراقبون إلى القول إنّ فضائح الفساد التي لاحقت أردوغان، خلال الفترة الأخيرة من رئاسته للحكومة التركية، بالإضافة إلى فشل سياسته الخارجية في سوريا، وردّة فعله السلبية تجاه سقوط إخوان مصر، يمكن اعتبارها أهم الأسباب البعيدة وغير المباشرة التي أثّرت على صورة حركة النّهضة في تونس، التي تأثرت واقتدت بنموذج حزب العدالة والتنمية التركي إلى درجة أنها استنسخت فكرة حملته الانتخابية لرئاسيات تركيا، وحاولت “تَوْنَسَتَهَا” خلال حملتها للانتخابات التشريعية.

ويتوقع عدد من الخبراء أن تشهد العاصمة التركية قريبا سلسلة من اجتماعات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، على غرار ما حصل إثر سقوط محمد مرسي من سدّة الحكم في مصر، حين استنفر التنظيم الأمّ كل قوته، واستدعى كل عتاته وجبابرته من شتى أنحاء العالم، للتباحث حول ما يمكن القيام به لإنقاذ ما تبقى من الوهم الإخواني؛ أي حماس غزة ونهضة تونس، ولكن يبدو أن تداعي حجر الدومينو الإخواني ستستمر مفاعيله، خاصّة إذا ما سارت نتيجة الانتخابات الرئاسية التونسية، المزمع إجراؤها يوم 23 نوفمبر 2014، في ذات التوجّه والاختيار الّذي أسفرت عنه الانتخابات التشريعية.

عن « العرب » اللندتية