يستمرّ الصراع على أرض العاصمة الليبية طرابلس وتتفاقم وتيرة أعمال العنف بين المجموعات المسلحة، بشكل لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تؤدّي إليه التطورات الحاصلة على الأرض. وفي ظلّ هذا الوضع المتأزم، ينظر الأوروبيون بنظرة الحائر إلى مآلات الأمور على الأرض الليبية خاصة و هي محط أنظار مختلف الأمم الكبرى. من ذلك، تقوم إيطاليا بتحركات حثيثة في المدة الماضية لربح مزيد من النقاط للظفر بالكعكة الليبية المغرية ساعيةَ توظيف صراع العاصمة الليبية لهذا الغرض.


لا للتدخل العسكري

فنّدت الحكومة الإيطالية، اليوم الإثنين، فرضية تدخلها لمساعدة حكومة فايز السراج في ظل الوضع الحرج في طرابلس، وأكدت رفضها القاطع للتدخلات العسكرية في ليبيا، في أعقاب الأحداث التي تشهدها العاصمة طرابلس. ونقلت صحيفة "لاستامبا"عن مسؤولين في الحكومة أن إيطاليا تواصل متابعتها عن كثب لتطورات الأوضاع على الأرض، معربة بالفعل عن قلقها العام ودعوتها إلى وقف الأعمال العدائية على الفور، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة. ودعم   وزير الداخلية ماتيو سالفيني، هذا التوجه، وقال إبان خروجه من قصر شيغي مقر الحكومة أستبعد التدخلات العسكرية التي لا تحل أي شيء وهذا يجب أن يكون مفهومًا من قبل الآخرين، مضيفًا: لكن للأزمة السياسية في ليبيا مدير وهنا "اسأل فرنسا".

ويرى مراقبون في هذا السياق أن هذا التوجه الإيطالي ليس مستغربا لأنه إنتهى نهائيا عهد التدخلات العسكرية المباشرة إلا في الحالات القصوى و تحت مظلة حلف الناتو لأنه ببساطة السياسة التوسعية أصبحت لا تستوجب إلا قوى ناعمة تكون فعّالة. وقال المحلل العسكري الإيطالي فينتشنتسو   كامبوريني "لوكالة آكي" أنصح بتجنب أي تدخل عسكري، فسيُنظر إليه باعتباره نزعة ثأر استعمارية، والتي ستعمل على توحيد ليبيا، لكن ضدنا.

إيطاليا تعيد ترتيب أوراقها

قالت مصادر دبلوماسية إيطالية في تصريحات صحفية إن الأحداث المتسارعة في طرابلس واحتدام المواجهة المسلحة بين الميليشيات التي خرجت عن نطاق سيطرة المجلس الرئاسي بشكل واضح تدفع إيطاليا لمراجعة واعادة تقييم سياساتها في ليبيا.

وبالرغم من إقرار إيطاليا بإمكانية تغيير إستراتيجيات التحرك في ليبيا إلا أنها لم تتخلى عن فكرة مؤتمر حيث أكدت مصادر ديبلوماسية أن إيطاليا لم تتخل عن عزمها تنظيم مؤتمر دولي حول ليبيا في نوفمبر المقبل، رغم ما يعترض ذلك من متاعب تتعلق بالوضع في طرابلس أولا وبمناورات فرنسا المستمرة لإحباط المؤتمر، مشيرة إلى أن محادثات كبار المسؤولين الإيطاليين الأخيرة في القاهرة، التي شملت نائبي رئيس الحكومة سالفيني وديمايو ووزير الخارجية ملانيزي تدفع نحو التفاؤل.

بدورها، قالت صحيفة «إل فاتو كوتيديانو»  إنّ وزير الداخلية الإيطالي ورئيس رابطة الشمال ماتيو سالفيني سيغير منصبين رئيسيين في الوكالات الاستخبارية الإيطالية وذلك خلال شهر سبتمبر الجاري. وأضافت الصحيفة أن سالفيني سيقيل كلاً من أليساندرو بانسا رئيس إدارة التنسيق بين المخابرات، وألبرتو مانينتي الذي يقود الاستخبارات الخارجية منذ فترة طويلة ويدير الملف الليببي بشكل مباشر بالتنسيق مع مؤسسة إيني للطاقة.

وكانت حكومة باولو جنتيلوني الاشتراكية الأخيرة قد ثبتتهما في منصبيهما، وذلك بعد الانتخابات التي جرت في الرابع من مارس الماضي، بسبب صعوبة العثور على أغلبية حكومية. وسيكون على رئيس الحكومة الحالي جوزيبي كونتي إيجاد بديل عن كل من أليساندرو بانسا رئيس إدارة التنسيق بين المخابرات، وألبرتو مانينتي الذي يقود الاستخبارات الخارجية.

ومن الأسماء المرشحة لخلافة بانسا، أحد نائبيه، أي إنريكو سافيو أوالجنرال كارمينه ماسييلو، بينما يحتفظ مدير المخابرات الداخلية ماريو بارينتي بمنصبه. ورجحت مصادر مطلعة أن تخلف المسؤولة الكبيرة في وزارة الخارجية الإيطالية إليزابيتا بيللوني، ألبرتو مانينتي في قيادة الاستخبارات الخارجية.

ومانيتي هو من مواليد ترهونة بليبيا وتربطه علاقات وثيقة مع مختلف أطراف الأزمة في ليبيا وفي مقدمتهم المشير حفتر، ومن الأسماء المرشحة لهذا المنصب أيضاً الجنرال جوفاني كارافيللي المسؤول عن ملف الهجرة من ليبيا.

ومن المقرر كذلك تغيير قيادة أركان الجيش الإيطالي، حيث سيعين الجنرال كلاوديو غراتسيانو في منصب عسكري في حلف الناتو في بروكسل، وسيكون على مجلس الوزراء الإيطالي إيجاد خليفة له قد يكون الجنرال إنزو فيتشاريللي، أو الجنرال كارلو ماغراسي.

المجازفة ممكنة

بالرغم من الحذر الإيطالي في التعاطي مع الواقع الليبي إلا أنه لم يستبعد سالفيني المجازفة بالتدخل المباشر على الأرض الليبية حيث أشار في هذا الصدد  "نأمل بالعودة في أقرب وقت ممكن. أنا شخصيًا على استعداد للمجازفة والعودة في أقرب وقت ممكن إلى طرابلس، في سبيل أن تهدأ الأوضاع في ليبيا" وعبّر عن أقصى درجات الدعم للسلطات الليبية المعترف بها دوليًا، وشكر باسم الإيطاليين خفر السواحل الليبي الذي يواصل القيام بعمله بشكل إيجابي.