إمتد تأثير الفوضى وانعدام الأمن في ليبيا،خلال السنوات السبع المضية، ليشمل دول الجوار خاصة مصر وتونس والجزائر، لالتصاقهم بها حدوديا، مما سهل انتقال مقاتلي التنظيمات الإرهابية عبر الحدود، وتنفيذهم لعمليات انتحارية،تسببت في خلق حالة من عدم الارتياح في منطقة شمال أفريقيا.

لم تتوانَ دول الجوار في التدخل بالأزمة الليبية، وبذل الجهود الحثيثة لتسوية النزاع،.وتعتبر مصر خاصة لاعبا أساسيا في الساحة الليبية،حيث تسعى لمساعدة الأطراف المتناحرة على الوصول لاتفاق يُنهي الصراع الطاحن من جهة، والعمل على تأمين حدودها الغربية مع ليبيا من جهة أخرى، بعد تصاعد نشاط ونفوذ التنظيمات الإرهابية هناك.


** دعم الجيش

وترى مصر أن الأوضاع بليبيا في حاجة إلى جيش وطني يحارب الإرهاب ويعيد السلم والأمان لشعبه، ولذلك تركز القاهرة جهودها على دعم الجيش الوطني الليبي الذي نجح في دحر الإرهاب في عدة معاقل في شرق وجنوب البلاد.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي،أكد تركيز الجهود المصرية على دعم الجيش الليبي في ظل دوره المحوري في فرض الأمن والاستقرار في ليبيا الشقيقة، وهو ما يمثل تمهيداً لعقد الانتخابات وتولي حكومة مركزية لمقاليد السلطة، وفرض سيطرتها على الأراضي الليبية والتعامل مع المجتمع الدولي باسم الشعب الليبي.

وجاء ذلك خلال استقبال الرئيس، الإثنين الماضي،على هامش المعرض الدولي للصناعات الدفاعية والعسكرية "إيديكس 2018"، وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، وذلك بحضور الفريق أول محمد زكي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، بالإضافة إلى السفير الفرنسي بالقاهرة.

وفي نوفمبر الماضي،طالب الرئيس عبدالفتاح السيسي، برفع جزئي للحظر الأممي المفروض على تسليح الجيش الليبي لتعزيز قدراته في مواجهة الإرهاب.وشدد "السيسي" خلال لقائه بممثلي الإعلام الأجنبي على هامش مؤتمر شباب العالم، على أنه لا يمكن قبول أي دور للميليشيات المسلحة في دول النزاعات مثل ليبيا، مؤكدا دعم مصر للجيش الليبي المنوط به حفظ الأمن والنظام.

وكان مجلس الأمن قد أصدر قرارا في مارس 2011 طلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتعلق بها إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية وشبه العسكرية وقطع الغيار، ويتم تمديد هذا القرار كل عام حتى الآن.


** توحيد الجيش

وفي سياق متصل، ترعى مصر مشروعا لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، من أجل توفير دعامة أمنية لا غنى عنها للعملية السياسية وضمانة لتنفيذ مخرجاتها بما في ذلك خلق الظروف المناسبة لعقد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في ليبيا، وبما يسمح بتفرغ الجيش الوطني الليبي للقيام بدوره الأصلي في الحفاظ على أمن البلاد ومكافحة الإرهاب.

وإحضنت القاهرة مسار الحوار بين الضباط والعسكريين في المنطقة الشرقية والغربية منذ مطلع 2017، لكن مخرجات هذه اللقاءات بدأت تخرج للعلن منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، ليعلن فايز السراج، لأول مرة في مارس/ آذار الماضي، عن تكليفه لضباط تابعين لحكومته ليكونوا الطرف الممثل للمنطقة الغربية في لقاءات القاهرة.

وتوقفت لقاءات القاهرة عند اللقاء السادس المنعقد في مارس/ آذار الماضي، والذي انتهى إلى تشكيل لجان فنية من ضباط المنطقتين لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية.وقالت تقارير إعلامية حينها أن الأطراف المجتمعة قطعت أشواطا مهمة ولم يتبق سوى تسمية القادة العسكريين في المناصب العليا من قبل السلطة التنفيذية ومن ثم الإعلان عن توحيد الجيش.

وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي،واستؤنفت الجولة السابعة من مفاوضات توحيد الجيش الليبي،بحضور ممثلين عن الجهتين، الغربية والشرقية. وأسفر ختام اجتماعات الوفود العسكرية الليبية عن مسودة مشروع مقترح لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وتضمنت المسودة بنودا عديدة.

وتعمل مصر على تعزيز تشكيل جيش ليبي قادر على استعادة تماسك ليبيا من الداخل وحماية حدودها.وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري،أعرب أمام الاجتماع الوزاري الـ12 لآلية دول جوار ليبيا،الذي إستضافته العاصمة السودانية الخرطوم،أواخر نوفمبر الماضي،عن ثقته بأن مشروع توحيد الجيش الليبي، والذي يحظى بتوافق الأطراف الليبية والدعم الأممي باعتباره جهدا وطنيا ليبيا خالصا، هو محل اهتمام وتأييد متواصل من قبل دول الجوار؛ بما يسمح بالإسراع في تنفيذه، ويعود على دول وشعوب المنطقة بالخير والنفع والاستقرار.


** تأمين الحدود

وفي ضوء الحدود المشتركة الممتدة بين البلدين، وما شهدته مصر من محاولات تسلل، والهجمات الإرهابية المنظمة التي عكست وجود تنسيق بين التنظيمات الإرهابية في مصر وليبيا، تعمل القاهرة على تأمين حدودها الغربية مع ليبيا،التي تعد منفذا خطيرا لتهريب الأسلحة والذخائر إلى الأراضي المصرية، لدعم الجماعات المتشددة التي تشن هجمات على قوات الأمن لا سيما في شبه جزيرة سيناء.

وكشف السفير السوداني في روسيا نادر بابكر أن بلاده ومصر تعتزمان تشكيل قوة مراقبة مشتركة تعمل على طول الحدود مع ليبيا، لمنع تهريب الأشخاص والأسلحة منها.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية،عن السفير السوداني في موسكو قوله:"لدينا تعاون جيد جدا مع مصر. نحن نخطط لتشكيل جيش مراقبة مشترك أو قوات مراقبة لحماية الحدود ووقف تسلل الإرهابيين والأشخاص الذين يستخدمون هذه المنطقة لنقل الأشخاص بشكل غير قانوني… أحيانا يتم هناك تهريب الأسلحة ونقل الإرهابيين ويجب عليك بذل كل جهد لضمان وضع الحدود الليبية مع الدول المجاورة، تحت مراقبة جيدة".

وشهدت الحدود المصرية الليبية خلال السنوات الأخيرة محاولات إختراق متكررة قام بها العشرات من الإرهابيين المدججين بالأسلحة وعربات الدفع الرباعي عبر دروب الصحراء الغربية، لكن نجاح القوات المسلحة المصرية وخاصة سلاح الجو الممثل في القوات الجوية في إحباط جميع هذه العمليات، أنقذ الداخل المصري من كوارث كانت يمكن أن تحدث لو لم يتم التصدي لهذه العمليات الإرهابية.

وبالتوازي مع ذلك، تعمل الدبلوماسية المصرية على الإجتماع بالنخب السياسية الليبية المختلفة،وشارك وزير الخارجية سامح شكري في العديد من الاجتماعات والتقى بالعديد من المسؤولين العرب والأجانب مؤكدا على ضرورة العمل جنبا إلى جنب لإنهاء الأزمة دبلوماسيا.كما أعربت القاهرة في بشكل متواصل على دعمها لجهود الأمم المتحدة لإنهاء الأزمة الليبية، باعتبارها الإطار الوحيد لتسوية الصراع الدائر هناك.