فشلت كل مساعي المصالحة الوطنية في ليبيا على مدار الأعوام الماضية، في الانتقال بالوضع الليبي من حالة الفوضى والتردي الأمني إلى الاستقرار وإعادة البناء.وجاء اجتماع أبو ظبي الأخير ليفتح الباب أمام سبل الخروج من الأزمة، وباتت الانتخابات الخيار الأمثل في تحقيق المنشود خاصة في ظل الدعم الذي تحظى به.

إلى ذلك، بحث المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة مع رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، مدى جاهزية المفوضية لتنفيذ الاستحقاقات الانتخابية المُزمع تنفيذها خلال العام.وجاء ذلك، خلال لقاء جمع الطرفين بمقر المفوضية بالعاصمة طرابلس الخميس، بحسب بيان نشرته المفوضية على صفحتها في فيسبوك.

وتطرق الاجتماع إلى التفاصيل الفنية الدقيقة الخاصة بما هو مطروح من استحقاقات انتخابية على الأطراف السياسية، وذات العلاقة بخطة الأمم المتحدة للخروج بليبيا من أزمتها السياسية.وقال السائح إن المفوضية وحدها من يُقرّر مدى ملاءمة البيئة الانتخابية لتنفيذ أي استحقاقات انتخابية يطالب بها الليبيون.

واستدرك قائلًا:"لكن في الوقت نفسه، المفوضية ملتزمة بمبدأ الحياد والوقوف على مسافة واحدة بين كافة الأطراف السياسية".وبين بأن"هذا الالتزام لا يعني عدم انحيازها لإرادة الشعب الليبي الذي اختار الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات حُرَّة ونزيهة، كقاعدة ينطلق منها في ممارسة حقوقه السياسية، وأساس لبناء دولة ليبيا الجديدة.

وأعلن رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا عماد السائح، ، مطلع فبراير الماضي، إن المفوضية جاهزة لإجراء عملية الاستفتاء على الدستور خلال العام الحالي في حال توفر الدعم. وأضاف السائح، في تصريحات تليفزيونية، أن الاستفتاء متوقف على تمويل حكومة الوفاق الوطني للعملية والاستعدادات الأمنية في المدن الليبية.

ولفت السائح إلى أن المفوضية تنتظر استلام تعديلات بعض مواد قانون الاستفتاء من مجلس النواب، مضيفاً أن حكومة الوفاق قررت دراسة توفير ميزانية لإجراء عملية الاستفتاء واستحقاقات العمليات الانتخابية المنتظر إجراؤها هذا العام.

وتسعى الأمم المتحدة بدعم من قوى غربية منذ نحو عامين لتنظيم انتخابات كوسيلة لإنهاء ثمانية أعوام من النزاع، وانقضى موعد مقترح لإجراء الانتخابات في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي بسبب الفشل في إحراز تقدم في حل الخلافات بين الطرفين المتنازعين في البلد الذي تسوده انقسامات شديدة.

وأعلن فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، الثلاثاء، إن ليبيا ستجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية بحلول نهاية العام.وأضاف السراج أنه التقى مع حفتر "من أجل حقن الدماء والوصول إلى صيغة تجنب بلادنا الصراع والتصعيد العسكري"، دون الكشف عن اي تفاصيل أخرى.

وفي 27 فبراير/ شباط الماضي، عقد اجتماع في أبوظبي، بدعوة من المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، حضره القائد العام للجيش الليبي ورئيس حكومة الوفاق، واتفق الطرفان، حسب بيان البعثة الأممية، على ضرورة "إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة، وسبل الحفاظ على استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها".ويعد هذا اللقاء الثاني للرجلين بالإمارات، في محاولة لإيجاد حل للأزمة الليبية الممتدة لسنوات.

وجاء اللقاء في أعقاب توتر كبير بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي على خلفية العمليات العسكرية التي أطلقها الأخير في جنوب البلاد بهدف انهاء الفوضى والقضاء على التنظيمات الارهابية والعصابات الأجنبية التي استباحت الأراضي الليبية.وقوبل هذا التحرك برفض من حكومة السراج التي سارعت لمحاولة عرقلة تقدم القوات المسلحة الليبية ووصل الأمر حد الاشتباك بين قوات الطرفين.

ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، باللقاء الذي جرى في الإمارات، برعاية الممثل الخاص له في ليبيا، غسان سلامة، بين السراج وحفتر.وأثنى غوتيريش على الطرفين لما أحرزاه من تقدم، لاسيما الاتفاق على إنهاء المراحل الانتقالية في ليبيا، عبر انتخابات عامة.

فيما رحبت حكومات أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا في بيان لها، بعقد اجتماع أبوظبي بقيادة الأمم المتحدة، بين السراج وجفتر.وأشاد البيان بجهود الإمارات لتسهيل هذا الاجتماع، مرحبا بإعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بإمكانية التوصل إلى اتفاق سياسي، ينهي المراحل ألانتقالية من خلال إجراء انتخابات عامة.

ومن جهتها، ثمنت الحكومة الألمانية جهود رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا، غسان سلامة، في إنجاح اللقاء الذي جمع بين رئيس المجلس الرئاسي والقائد العام للجيش الليبي، في أبوظبي، داعية مختلف الأطراف السياسية الليبية، إلى التوصل لحل سياسي، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وتدفع العديد من الدول نحو اجراء انتخبات في ليبيا لاخراجها من الأزمة التي عصفت بها منذ نهاية 2014 سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ، حيث حظيت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بدعم أممي ودوليا واسع، وتسارعت العديد من الدول إلى دعم مشروع الأمم المتحدة الانتخابي في ليبيا، والذي يحمل عنوان "تعزيز الانتخابات من أجل الشعب الليبي".وقدمت العديد من الدول الأوروبية دعما ماليا لهذا المشروع الأممي.

ويهدف مشروع الأمم المتحدة للمساعدة الانتخابية، الذي سينفذ عن طريق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، إلى تعزيز قدرة المفوضية على إدارة عمليات انتخابية تتماشى مع أفضل الممارسات والمبادئ المعترف بها دوليا، ولضمان مصداقية العمليات الانتخابية وذلك من خلال بناء قدرات المفوضية وضمان الشمولية وتثقيف الناخبين، ورفع الوعي بأهمية المشاركة في الانتخابات.

ومع التطورات التي تشهدها الساحة الليبية، تطرح مسألة إجراء الانتخابات موجة من التساؤلات عن إمكانية تنظيم هذه الاستحقاقات السياسية ومدى نجاحها في إعادة اللحمة للمشهد السياسي في ليبيا.ويذكر أن آخر انتخابات، شهدتها ليبيا، جرت في يونيو عام 2014 وتوجت بانتخاب أعضاء مجلس النواب المنعقد حاليا في مدينة طبرق بدل مدينة بنغازي بسبب الحرب بالمدينة.

وعلى وقع الأزمات التي يتخبط فيها المشهد الليبي منذ سنوات، يأمل الليبيون في فض الصراع على الشرعية والسلطة الدائر بين الفرقاء، خاصة مع بروز توافقات أولية بشأن الاستحقاقات الانتخابية المدفوعة سياسيا من قبل دول الجوار الليبي تونس والجزائر ومصر التي تأثرت بشكل كبير جراء الأزمة في ليبيا.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه بعض المتابعين للشأن الليبي أهمية إجراء انتخابات مبكرة في أقرب الآجال لإخراج هذا البلد العربي من الأزمات التي يعيش على وقعها منذ سنوات، يرى البعض الآخر، أن اتسام الوضع الليبي الراهن بالتعقيد، والفوضى التي تسود البلاد منذ العام 2011 وسط تنازع السلطة وتهديدات المليشيات المسلحة وتهريب الأسلحة والبشر، تحول دون إنجاز انتخابات ناجحة.