لا نقرر حقيقة ولا نأتي بما ليس معروفا، إذا ما قلنا أن الحرب العدوانية الشرسة ضد ليبيا التي نشهدها، هي في القسم الأعظم منها من صناعة التضليل الإعلامي، وهي حرب نفسية، وأن القنوات الفضائية الأخوانية أو الدائرة في فلك المال النفطي القطري...، والمصنوعة في أقبية المخابرات التركية، هي أدوات الإرهاب الأولى على الشعب الليبي. لقد صار موضوع تشويه صورة ما يحدث في ليبيا بمثابة حملة مستمرة، على شكل موجات، ما أن تخمد تداعيات إحداها حتى نفاجأ بأخرى جديدة لا تحفل بالحقائق، ولا تأبه لتناقضها مع ما ورد في موجات سابقة. وقد تحوّلت حملات التضليل الإعلامي هذه إلى ظاهرة إعلامية فريدة... وأزعم أنني من المتابعين للشؤون الليبية، وقد لاحظت كما لاحظ الجميع كيف يمارس إعلام مسيلمة، مختلف أساليب الدجل والتضليل لخلق صور مغايرة عن الأحداث والتطورات في ليبيا، للتغطية على جرائم الإرهابيين والتعويض عن فشلهم في الميدان من جهة وتبرئتهم من الجرائم التي يرتكبونها من جهة أخرى، فاخترعت صور وفبركت أحداث عن الحرب في ليبيا، ونُسبت صور وأحداث جرت في مناطق بعيدة إلى ليبيا، كما استخدمت تقنيات متطورة في فبركة الصور والأحداث لتعتمد لاحقاً في تقارير وشهادات منظمات دولية.

فهذا الإعلام الفاجر بافتراءاته واختراعاته الساقطة ورواياته ودسائسه الرخيصة بات أقرب إلى بيت العنكبوت في وهنه وضعفه، بحيث لا يحتاج أي متابع عادي لكثير عناء كي يكتشف كذبه، ويعرف خلفيات العاملين فيه ممن تمتلئ سيرهم الذاتية بقصص الارتزاق وتأجير الضمائر وبيع المواقف.‏ وهنا لابد من القول إن الحرب التي يخوضها الجيش الوطني الليبي، هي حرب إعلامية تضليلية نفسية بالدرجة الأولى. والحرب النفسية تتمّ باستعمال الدعاية والتفنن بأساليبها وحيلها، وهي تحتاج إلى وقت طويل لضمان تأثيرها، إذ إن تأثيرها تراكمي عبر استغلالها للثغرات الضعيفة وانتهازها للفرص الملائمة... وتؤدي "الحرب النفسية"  دوراً محركاً وعميقاً في الصراع الليبي الراهن. وترتبط الحرب النفسية بالإعلام ارتباطاً وثيقاً، لما لوسائل الإعلام من تأثير كبير في حالات الارتباك والخوف والبلبلة وهي من الأهداف الرئيسية لهذه الحرب.

وتبنى الحرب النفسية على ثلاثة مقومات هي: الإشاعة وافتعال الحوادث والرعب.

وتتبع أساليب عديدة ومتجددة منها:

1ـ محاولة خداع الخصم بواسطة الاقتراب من عقله.

 2 ـ بث الفرقة والانقسام والفوضى في المجتمع.

3 ـ اصطناع التوتر النفسي عند الخصم واستغلاله.

وتعتمد "الحرب النفسية" على استخدام الهوة بين الشعور واللاشعور، فتعمل هذه الحرب على مخاطبة الحاجات الدفينة الخفية وغير المتحققة للأفراد والمجتمعات. وهنا تبرز أهمية الإعلام بشتى صوره، والذي يمكن أن يكون  سلاحاً ذا حدين،  فمنه ما هو مسلط من قبل الخصم وهدفه إضعاف التركيز على القضايا الأساسية وتشويه هذه القضايا وبث الاضطراب حيالها، والتأثير السلبي في القيم والأفكار، ومنه ما يستطيع تكريس عوامل التوعية، وتكريس المناعة، وتلافي نقاط الضعف. وهنا لا بد من التأكيد والتذكير بأساسيات إعلامية في مشهد الحرب الليبية.

الشعب الليبي يخوض حرباً ضد جيش من الإرهاب وحلف يدعمه، وطبيعة الحرب وطبعها أن تربح معارك وتخسر معارك، لكن لا يجوز أن تخسر الحرب. وقد يقول قائل، أنّ الجيش تقهقر... انهزم... وانسحب...! نعم انسحب، وهذا شأن كل الحروب، فلا حرب من دون خسائر، وحتى في إطار تحليلها يجب الإحاطة بالمشهد كاملاً أي ما هي أعداد الإرهابيين الذين هاجموا والدعم الذي قُدّم لهم داخلياً وخارجياً؟ وما الثمن الذي دفعه أولئك الإرهابيون، وما الجدوى  من البقاء أو الإخلاء أو تغيير التكتيك، وما الأولوية حسب مخاطر التجميع الإرهابي والمنطقة والجغرافيا وتأثيرها؟ وطبيعة الإعلام والإعلان عن تفاصيل المعارك العسكرية كما السياسية محكوم في بعض  جوانبه بالتكتيكات، وإن بديهيات المعارك والحروب هو استخلاص النتائج في الميدان وتجاوز نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوة والمكافأة والحساب وهذا ما حصل ويحصل في المعارك التي يخوضها الجيش الليبي لتطهير ليبيا من كل الميليشيات الأخوانية الإرهابية.

ولا يغيب على أذهاننا ونحن نحلل الوضع العسكري في ليبيا، أنه يجب علينا التمييز بين التقييم العسكري لكل معركة والذي يتم في الدوائر والحلقات العسكرية الصرف وبين التقييم الإعلامي، حيث يبقى الإعلام محكوماً بإظهار الحقيقة وهي ضرورة والحفاظ على السرية العسكرية للخطط العسكرية التي لا تنشر وبيانات القيادة العامة والناطق باسم القوات المسلحة الذي يأتي معبراً ودقيقاً ومختصراً.

اليوم ليبيا تقف على مفترق طرق خطر في تاريخها، يتشعب الطريق في مسالك الأضاليل الإعلامية الشائكة التي تطول بنيتها والتي لم تشهدها البلاد من قبل، حيث تتعرض لأشكال مختلفة من الحرب النفسية، ولا يخفى على أحد ما تعيشه ليبيا حالياً من غزو وحرب نفسية تركية قطرية واستعمارية تقودها أجهزة الإعلام الأخوانية بالتعاون والتوثيق مع أجهزة الإعلام في الدول الاستعمارية التركية والقطرية و الغربية لاسيما الأمريكية منها، والتي تركز على عواطف وعقل الانسان الليبي لتقنعه بشكل غير مباشر بأن آفاق كفاحه ومقاومته للاحتلال والعدوان التركي الاستعماري مسدودة. وتتصاعد اليوم الحرب النفسية المعادية ضدّ ليبيا وجيشها الوطني وشعبها، ضدّ صمودها ومواقفها الوطنية، باستخدام أحدث الوسائل والخدع المضللة، لكن الوعي الذي يتحلى به الشعب الليبي وإدراك أهداف تلك الحرب، أفشلها في السابق وسيفشلها في القادم من الأيام، ولن يمكّن ميليشيات ومرتزقة الأخوان المدعومين من تركيا وقطر والغرب...، من الوصول إلى غاياتهم في إسقاط ليبيا وجعلها محتلة بيد الأتراك....

ومثل هذا النوع من الحرب النفسية ينبغي مواجهته واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهته، باستخدام وسائل الحرب النفسية ذاتها، وفي المقدمة منها الإعلام الذي تقع عليه مسؤولية كبيرة كوسيلة من وسائل الدعاية المضادة، ويضاف إلى ذلك:

1 ـ وجود منهاج توعية شامل يستهدف تنمية الشعور بالمسؤولية لدى المواطنين الليبيين، مع توضيح دقيق للدور الخطير للميليشيات والمرتزقة والإرهابيين، وإيضاح وسائلهم وأساليبهم التخريبية.
2 ـ التأكيد على ترسيخ الوحدة الوطنية، وقطع الطريق على محاولات زرع بذور الفرقة، وقد أثبتت الأحداث في العالم أن الشعب المفكك الأواصر من السهل اختراقه.
3 ـ اتخاذ تدابير ناجعة لمواجهة الإشاعة، من أهمها إطلاع الشعب الليبي على ما يجري على حقيقته، بعيداً عن أساليب التمويه التي سرعان ما تكتشف.
4 ـ وضع سياسة وطنية تتصدى لمحاولات إشاعة عوامل الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن، وبخاصة في مجال الإعلام، لأن هذه المحاولات ورقة رئيسية، يتم اللعب عليها بمهارة، لاستغلال نقاط الضعف في المجتمع الليبي.

إن الحرب النفسية التي تتعرض لها ليبيا ليست دبابات ومدافع وطائرات مسيرة فقط، بل هي استغلال وسائل ثقافية ونفسية واجتماعية، لتغيير العقول والمفاهيم والقناعات...، وللأسف فإن نخبا ثقافية وإعلامية ليبية يعول عليها تسممت بالإحباط نتيجة مواظبتها على الإصغاء للضخ الإعلامي اليومي المروج لحالة انسداد أفق الحلول للمعضلات التي تعاني منها ليبيا، فكيف إذا كان المتلقي إنسانا محدود الوعي والفهم لما يجري. إن النهش والمغالاة والتبشير بالمخاطر صارت منهجا مستفحلا في الوجبات المعرفية التي يتلقاها المواطن الليبي عبر وسائل الإعلام، وهذا يختلف في جوهره من إمكانية تناول الواقع الذي يعيشه! إن أغلب المراسلين الإعلاميين مصابون بمرض رواية (الفيلة التي تطير) إرضاء لرأس وسيلة الإعلام السياسي، وهكذا تكون المشكلة الإعلامية قد انتشرت في أكثر من رأس واحد، الوضع الذي يجعلنا تحت مخاطر التضليل والكذب العام، وهذا هو أحد رؤوس المشكلة السياسية التي تعاني منها ليبيا.

خلاصة الكلام: لا أعتقد أن أحداً بيننا يقلل أو يمكن أن يقلل من أهمية العامل النفسي في كسب المعارك السياسية وغير السياسية، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة، والأطماع المشبوهة في ليبيا، أمريكية كانت أم تركية... ما زالت تغذيها هذه القواعد النفسية التي كان للمستر كوردل هول الفضل في ابتكارها في أربعينات القرن العشرين، وصارت في أيامنا هذه جزءاً من سياسة استعمارية جديدة، فرضت نفسها على العالم في عصر العولمة، أحياناً بقوة السلاح، ولكن دائماً بقوة الإعلام.‏‏

كاتب صحفي من المغرب