أمام استمرار الصراع السياسي في ليبيا ما انجر عنه عدم الاستقرار الامني بالتالي تعطّل الوصول إلى حل سياسي، فقد تضاءلت فرص إمكانية البدء في مناقشة ملف إعادة إعمار البلاد في الوقت الراهن على خلفية الأزمات السياسية إلا أنه يبقى أحد أهم الملفات التي تشغل الداخل و الخارج.
وتحتاج ليبيا مئات المليارات إلى إنفاقها من أجل إصلاح الضرر الذي وقع في قطاعات عدة تضررت خلال العشر سنوات الأخيرة، بسبب الإرهاب وحالة الصراع، ما يجذب أنظار الكثير من الأطراف الدولية، التي أبدت رغبتها في المساهمة في تنفيذ تلك المشروعات ضمن خطة إعادة إعمار البلاد.
وقدر منتدى اقتصادي عقد في إيطاليا، أغسطس الماضي، حاجة ليبيا إلى إنفاق نصف تريليون دولار، على عدة سنوات، من أجل تنفيذ مشروعات في البنى التحتية والطاقة والمياه والصحة وغيرها من القطاعات، إضافة إلى استكمال مشروعات أخرى تعطلت قبل 11 سنة.
وتصطف الشركات من عدة دول بينها فرنسا وألمانيا وتونس ومصر وإيطاليا، للفوز بعقود إعادة بناء البلاد، كما أعربت كل من الصين والولايات المتحدة وروسيا عن استعداد كل منها للمساهمة في تلك العملية، وذلك خلال محادثات رسمية لمسؤوليها مع نظرائهم الليبيين.
وتختلف التقديرات داخليا بخصوص "فاتورة الإعمار"، إذ أصرح وزير الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج في وقت سابق، بأن الأمر سيكلف 200 مليار دولار؛ وذلك بناء على الدراسات المحلية، وأخرى أعدها البنك الدولي، طارحا أسماء دول "مصر وإيطاليا وتونس والجزائر وفرنسا" كشركاء في تنفيذ تلك المشروعات.
بينما توقع وزير الدولة للشؤون الاقتصادية بالحكومة، سلامة الغويل، أن تبلغ قيمة التمويل المطلوب لإعادة إعمار ليبيا نحو 500 مليار دينار (111 مليار دولار)، خلال السنوات العشر المقبلة، مؤكدا سعي بلاده إلى الاستفادة من تجربة مصر في هذا السياق، إذ يرجح أن تحوز شركاتها على مشروعات بقيمة 77 مليار دولار.
وقدرت دراسة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة "الإسكوا"، أن تستأثر دول جوار ليبيا بـ 160 مليار دولار من قيمة المشروعات المخصصة لإعمار ليبيا، خلال أربع سنوات، ما يسهم في خفض معدل البطالة في تونس بنحو  6%، و9% في مصر و14% في السودان.
وينتظم بمدينة بنغازي شرقي ليبيا أول معرض مصري مخصص لمشروعات إعادة إعمار ليبيا، خلال الفترة من 23 إلى 27 مايو الجاري، بمشاركة العديد من الشركات والجهات المصرية والليبية الفاعلة في ملف إعادة الإعمار.
المؤتمر الذي يحمل اسم "شركاء العمران من أجل إعادة إعمار ليبيا"، يشهد حضور شركات وجمعيات أعمال وهيئات مصرية عديدة، أبرزها الهيئة العربية للتصنيع المصرية، ويدور وسط آمال بأن يحقق إعادة الإعمار مصالح مشتركة للبلدين، مع الاستفادة من الخبرة المصرية في البنى التحتية ومشروعات التنمية والتعمير.
ويقول رئيس الجمعية المصرية الليبية لرجال الأعمال ناصر بيان، إن الملتقى يمثل فرصة للاتفاق على خطط تنفيذية بشأن إعمار ليبيا، استنادا إلى الهدوء الأمني الذي تشهده المنطقة الشرقية بدعم من الجيش الوطني الليبي.
ويبدو أن الشركات المصرية المشاركة في ملتقى إعادة الإعمار في بنغازي، ستدعم إعادة تشغيل المصانع المتوقفة، إلى جانب إعادة تأهيل البنية الأساسية، وهو ما أكده الفريق عبد المنعم التراس، رئيس الهيئة العربية للتصنيع في مصر، خلال كلمته في افتتاح الملتقى.
وقال التراس، في بيان، إن الهيئة ستشارك بشركاتها ومصانعها في إعادة إعمار ليبيا، لافتًا إلى أن الملتقى يعد استمرارًا لنقل التجربة المصرية في البناء والتنمية إلى ليبيا.
تونس ربما تكون أكثر البلدان المهتمة بالاستثمار في ليبيا واستعادة نفوذها، لكن خبراء ربطوا بين حجم المبادلات التجارية المنخفض حسب نشرة المعهد الوطني للإحصاء في مؤشرات إحصائية عن الاشهر السبعة الأولى من سنة 2021 وبين تراجع حضورها الاقتصادي، متوقعين ألا تتجاوز الأرقام العامة 550 مليون دولار سجلت في 2019 وهي إحصاءات لا تزال بعيدة عن أرقام العام 2010، والأهم حسب متابعين تونسيين أنها بعيدة كلياً عن الأرقام التي تحققها مصر في مبادلاتها مع ليبيا.
وفي الجزائر، أعلن مسؤولون في شركة "كوسيدار" الجزائرية المتخصصة في أشغال البناء والطرقات والسدود أنها بصدد الدخول في مشاورات لتقييم فرص الاستثمار بصفقات مع ليبيا.
واستبقت شركة "سونلغاز" الحكومية الوضع وتمكنت من الظفر بعدة عقود مع شركة الكهرباء "جيكول" لبناء محطة كهربائية بطرابلس، بطاقة 160 ميغاوات، عبر تأجير 8 توربينات تعمل بالغاز، في وقت أعلن عن التحضير لمد الكهرباء إلى ليبيا عبر الشبكة التونسية.
إلى ذالك،يرى مراقبون أنه في نهاية المطاف ستكون العقود المهمة لإعادة الإعمار من نصيب الشركات العبرقطرية نتيجة لإمكانياته الكبرى و وزن دولها الأم في الساحة الدولية حيث لن تتمكن دول الجوار إلا من حصد الفتات أو تحسن المبادلات التجارية و التعاون الإقتصادي إثر إستقرار الوضع الأمني.