بعدما قررت ثلاث نقابات تعمل في مجال التربية بالجزائر الدخول مجددا في إضراب مفتوح يشمل الأطوار الابتدائية والمتوسطة والثانوية تكون البلاد على موعد مع موجة اضطرابات تزامن حدثا مهما يفصله أقل من شهرين وهو الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 17 ابريل 2014 ، الأمر الذي ربطه متتبعون بحملة ضغط جديدة تمارسها بعض الشرائح العمالية للضغط على السلطات في هذا الوقت الحساس لتلبية مطالبها الاجتماعية.

وجددت نقابات التربية مواصلة حركة الإضراب في المدارس للأسبوع الرابع على التوالي رغم قرار القضاء الجزائري بعدم مشروعيته ، و أعلنت ثلاث نقابات رئيسة عودتها للإضراب وهي النقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني (السنابست)  و الاتحاد الوطني لعمال التربية و التكوين و  الإتحاد الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي و التقني (كنابست) ما جعل البرنامج السنوي يلوح بتغيير جذري سيتحمله التلاميذ والطلاب بدرجة أكبر، من خلال إلغاء بعض العطل الفصلية و إمكانية تأجيل امتحانات نهاية السنة الدراسية 2013-2014 بسبب استحالة استدراك ما تأخر من دروس. وبالمقابل جدد وزير التربية الجزائري رفضه لبعض المطالب الأساسية للإضراب كالتي تعلقت بالترقية دون وضع شروط لها وهو ما وصفه الوزير "بخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها" لأنه من غير المعقول في نظره ترقية معلم يملك مستوى ابتدائي بدون شرط أو بدون أن يستفيد من تكوين وفق ما يقتضيه ترتيب التوظيف العمومي بالجزائر.

وليس قطاع الصحة بالجزائر بأحسن حالا ، فالأطباء و عمال القطاع الشبه الطبي يلوحون هم بدورهم بالعودة للإضراب الذي شل المستشفيات بالبلاد فترات متقطعة من السنة الماضية بعدما لم تستجب الجهات المعنية حسبهم إلى مطالبهم والتي تم الاتفاق عليها بين الفرع النقابي العام وممثلي وزارة الصحة الجزائرية أو تلك التي تسير ببطء في التنفيذ. كما يتذكر الجزائريون الوقفة الاحتجاجية الكبيرة لأعوان "الحرس البلدي" وهم رجال تطوعوا لمواجهة الجماعات المسلحة سنين الإرهاب بالجزائر والذين وجدوا أنفسهم دون تأمين ونظام للتقاعد أو مواصلة العمل ضمن ألوية الجيش أو غيرها من وحدات حفظ النظام والأمن، وقاموا بمسيرتهم الراجلة من محافظة البليدة إلى العاصمة الجزائر (على طول 50 كلم) والتي صدتها السلطات بالمياه الساخنة والتعزيزات الأمنية عبر مداخل عاصمة البلاد التي شلت بها الحركة جراء ذلك. وكان أعوان "الحرس البلدي" قد اعتصموا شهر ماي الماضي بالقرب من قبتي البرلمان الجزائري بغرفتيه طيلة شهر كامل في محاولة للفت الانتباه لانشغالاتهم.

وخلقت مشاريع مقترحة بالبرلمان الجزائري حاولت تشكيل نظام موحد للأجور يحقق نوعا من التوازن في كل القطاعات نوعا من الردود الرافضة له خاصة من القطاعات المستفيدة الآن من هذا الخلل كقطاع الطاقة الذي يعادل فيه دخل عون امن عادي أو منصب إداري بسيط ضعف ما يتقاضاه عمال بالتربية أو بالصحة متخرجون بشهادات عليا.

الإضراب وقت المواعيد المهمة لإحراج السلطات

بات في يقين كثير من الجزائريين أن اختيار المواعيد المهمة كالاستحقاقات الانتخابية لطرح مجمل انشغالاتهم يرمي لحمل السلطات على تحقيق أبرز المطالب  أو أغلبها ، خاصة وأن ضغوطا سابقة دفعت بالحكومة إلى مجاراة بعض المطالب ، فعملية إلغاء الفائدة على القروض الربوية التي كانت المصدر الأساسي لتمويل آليات دعم مشاريع الشباب بالموازاة مع أحداث محافظة "ورقلة" الجنوبية عام 2013  تؤكد ذلك، كما تؤكده أيضا عمليات الرفع في أجور المستخدمين في قطاعات التربية والجماعات المحلية والبريد والمواصلات وغيرها قبل سنتين بالموازاة مع أحداث الربيع العربي في بعض البلدان العربية منذ بدايات عام 2011. وترى تحاليل اقتصادية محلية أن السلطات لم تخسر شيئا في ميزانها المالي جراء ذلك، على عكس ما تداولته أوساط رسمية بوزارة المالية وقت عرض البرنامج التكميلي لسنوات 2011 و 2012 و 2013 أمام البرلمان من خلال القول أن الزيادات في الأجور ذبذبت التقديرات في إعادة برمجة الميزانيات السنوية، ولعل استفادة قطاعات كالجيش والتعليم العالي والصحة من زيادة في موازناتها اكبر دليل على ذلك. كما أن فائض الربح للدولة الجزائرية من المحروقات -المصدر الأساسي للدخل بالبلاد- ما زال يحقق أرقاما قياسية انعكس على الحالة الاقتصادية للبلاد والتي زكتها إحصاءات محلية ودولية كتقرير البنك العالمي الأخير. و تظل تلك الأموال الفائضة من تقدير نسبة الاحتياجات العامة للبلاد المرتكزة على سعر 37 دولارا للبرميل مطمع أصوات الداخل والخارج كصندوق النقد الدولي الذي استفاد  من قروض الجزائر عام 2013 وهو الذي كان يدينها قبل عقود من الزمن. وهذه الزيادات والفوارق المالية الضخمة لا يستطيع العمال والإجراء بالجزائر تصور حالتهم الصعبة في بعض الأحيان دون الاستفادة منها وهو ما يفسر تلك الإضرابات المتكررة.