أعلن رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ،استقالته استجابة لدعوة الرئيس قيس سعيد التي وجهها له في وقت سابق، الأربعاء،وليقطع الطريق أمام تحركات حركة النهضة لسحب الثقة من حكومته بعد أن قدمت لائحة برلمانية بذلك صوت عليها 105 نواب بينهم كتل كل من حركة النهضة (54 مقعدا) وقلب تونس (27 مقعدا) وائتلاف الكرامة (حليف النهضة 19 مقعدا).
وجاء نص الاستقالة، كالتالي: "اعتبارا للمصلحة الوطنية ولتجنيب البلاد مزيداً من الصعوبات واحتراما للعهود والأمانات وتكريسا لضرورة أخلقة الحياة السياسية، وحتى نجنب البلاد صراع المؤسسات، قدم اليوم رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية استقالته، حتى يفسح له طريقا جديدة للخروج من الأزمة، كما عبر له أنه سيواصل تحمل مسؤولياته كاملة، ويحذر رئيس الحكومة كل من تسول له نفسه الإضرار بأمن البلاد أو بمصالحها الحيوية، من كون القانون سيطبق عليه دون أي تسامح ودون استثناء لأي كان".


وتأتي استقالة الفخفاخ على خلفية شبهات فساد وتضارب المصالح التي تلاحقه وما ترتب عنها من تصاعد للخلافات بين مكونات المشهد السياسي.ونفى الفخفاخ الاتهامات بانتفاع شركة يملك فيها حصصاً بعقد مع الدولة فيما كان في السلطة، وأعلن في الوقت نفسه "التخلّي" عن المساهمة في تلك الشركة.
وأعاد الفخفاخ بهذه الخطوة المبادرة دستوريا إلى الرئيس قيس سعيد ليقترح مرشحا جديدا لرئاسة الحكومة،حيث تعد استقالة رئيس الحكومة وفق الفصل 98 من الدستور التونسي استقالة للحكومة بكاملها, وتقدم الاستقالة كتابة إلى رئيس الجمهورية الذي يعلم بها رئيس مجلس نواب الشعب.
ويمكن لرئيس الحكومة أن يطرح على مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها،ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة.وفـي الحالتين يكلف رئـيـس الـجـمـهـوريـة الشخصية الأقدر لتكوين حكومة جديدة.
وقطعت استقالة الفخفاخ الطريق أمام مناورات حركة النهضة التي تقف الائحة البرلمانية لسحب الثقة من رئيس الحكومة.وقالت الحركة في بيان الأربعاء إنها تتبنى "خيار سحب الثقة من السيد رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ويكلف رئيس الحركة راشد الغنوشي بمتابعة تنفيذ هذا الخيار بالتشاور مع مختلف الأحزاب والكتل والنواب بمجلس نواب الشعب".
ووجدت النهضة في شبهة تضارب المصالح التي تتعلق بالفخفاخ الفرصة الأمثل لتشديد الضغط عليه.حيث حاولت الحركة إدخال حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة، وهما حليفاها داخل البرلمان، للحيلولة دون الإطاحة برئاسة زعيمها للمجلس النيابي.ورفض الفخفاخ هذه الإملاءات حيث أكد أن الحكومة متماسكة بفريقها الحالي ولا تحتاج إلى لاعبين سياسيين جدد.
وقال الفخفاخ خلال اجتماعه بممثلي المنظمات الوطنية في البلاد، إن تونس لم تعد تحتمل مزيدا من الإرباك والمناورات السياسية، مشيرا إلى ضرورة إنجاز الاستحقاقات الاجتماعية العاجلة بعيدا عن الصراعات الحزبية.وفى أخر تصريحات للإلياس الفخفاخ قبل استقالته قال: تعرضنا إلى مساع حثيثة من قبل حركة النهضة غايتها إدخال تعديلات جوهرية في طريقة عملنا، وأضاف رئيس الحكومة التونسية، أن تصرفات حركة النهضة أضعفت انسجام الحكومة.


وتابع رئيس الحكومة التونسية، أن دعوة حركة النهضة إلى تشكيل حكومة جديدة تعتبر انتهاكا صارخا للعقد السياسي الذي يجمعها مع مكونات الائتلاف الحكومي، لافتا إلى أن دعوة حركة النهضة تشكل استخفافا بالاستقرار الحيوي لمؤسسات الدولة وباقتصاد البلاد المنهك.وقال الفخفاخ إن حركة النهضة أجهضت جهود الحفاظ على الائتلاف الحكومي بتونس،مضيفا أن تدخلات النهضة أربكت عمل حكومة تونس وقوضت الاستقرار.
ورفض الرئيس التونسي قيس سعيد إجراء أي مشاورات لتشكيل حكومة جديدة ما دام رئيس الوزراء الحالي إلياس الفخفاخ لم يقدم استقالته أو لم توجه له لائحة اتهام،ليقطع بذلك الطريق أمام مناورات النهضة ومحاولاتها الضغط على الفخفاخ والأحزاب الداعمة لبقائه على رأس الحكومة، ومساومتها باستمرار الوضع الحكومي مقابل التخلي عن التحركات لعزل رئيس الحركة راشد الغنوشي من منصبه كرئيس للبرلمان.
وشهدت التطورات الماضية حصول توافق واسع بين عدد من الاحزاب من بينها حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب شريكي الحكم لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.لكن النائب عن التيار محمد عمار اكد في تصريح لاذاعة " أي اف ام" الخاصة ان القرار لا علاقة له بالمسار الحكومي وان لائحة سحب الثقة من الغنوشي جاهزة قبل التطورات السياسية الحاصلة ولا علاقة لها بالمجريات الأخيرة.وقال ان القرار ياتي ردا على الخروقات التي ارتكبها الغنوشي وعدم خضوعه للنظام الداخلي المحدد لمهام رئيس البرلمان.


وقالت رئيسة الحزب الدستوري الحر، النائبة عبير موسي،أن عدد الإمضاءات على لائحة سحب الثقة من الغنوشي بلغ 85 نائباً، مستغربة عدم إيداعها في مكتب ضبط البرلمان،واستغربت موسي في تدوينة على صفحتها في فيسبوك، عدم إيداع هذه العريضة حتى الآن مكتب المجلس، متسائلة: "لماذا هذا التأخير ومن وراء التعطيل".
قالت "إمضاءاتنا جاهزة منذ يناير الماضي، وانتظرنا حتى تقتنع أغلب الكتل البرلمانية المدنية ولم نتوقف عند الشكليات ولم نخض حرب زعامات، وترفّعنا على كل الأحقاد ووضعنا مصلحة تونس وأمن شعبها فوق كل اعتبار، وما زلنا إلى الآن في انتظار الإيداع الرسمي لها بمكتب البرلمان".
وأصبح الغنوشي مصدر توتر كبير داخل المؤسسة التشريعية الأولى في تونس منذ توليه رئاستها وهذه ليست المرة الألى التي يتم فيها المطالبة بتنحيه من منصبه بسبب تجاوزات دبلوماسية في السابق وإدارية تكررت أكثر من مرة في خرق واضح لأبسط قوانين البرلمان.وتطالب كتلة الحزب الدستوري، بتنحي الغنوشي من رئاسة البرلمان منذ شهر يناير الماضي، حيث ترى في بقائه على رأس البرلمان خطرا على الأمن القومي وتهديدا لمصالح تونس، وفتح الباب للتمكين الإخواني من مفاصل الدولة التونسية.
وأربكت محاولات حركة النهضة توظيف سيطرتها على البرلمان لدعم التدخل التركي في ليبيا المجاورة سياسة تونس الخارجية في الملف الليبي حيث اتهم الغنوشي بممارسة دبلوماسية موازية ليست من مهامه.وهو ما دفع الرئيس التونسي قيس سعيد الذي من ضمن صلاحياته المحدودة العلاقات الخارجية والدبلوماسية للبلاد للتدخل لوضع حد لتلك المحاولات.


وتتواصل اضطرابات المشهد السياسي في تونس والتي من شانها أن تزيد متاعب الاقتصاد الذي تكافح تونس لإنعاشه خصوصا مع الوضعية الحرجة للمالية العمومية.ويوم الاثنين قال وزير الاستثمار التونسي إن بلاده تتفاوض مع أربعة بلدان لتأجيل سداد ديون في خطوة تظهر مدى الصعوبات المالية للبلد الواقع بشمال أفريقيا.