اندلعت معارك طاحنة،خلال اليومين الماضيين، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة بين الميليشيات الرئيسية في العاصمة الليبية، وهي "اللواء السابع مشاة" من جهة، ومن جهة أخرى "ثوار طرابلس" ومعها "قوات الدعم المركزي" في أبو سليم، وكتيبة "النواصي".والتي تتبع جميعها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج.

وعلى الرغم من الإعلان عن وقف مؤقت لإطلاق النار،فإن دائرة الإشتباكات المسلحة بين الميليشيات تتوسع مع إنضمام أطراف جديدة للصراع مقابل عجز حكومة الوفاق عن فرض سلطتها وقراراتها، وهو ما ينذر بعودة ليبيا إلى مربع الاقتتال وإفشال الجهود الرامية إلى إيجاد مخرج سياسي للأزمة الراهنة.


** عودة صلاح بادي

وفي تطور جديد، أصدرت مجموعة مسلحة يقودها صلاح بادي عضو المؤتمر الوطني السابق، والقيادي في عمليّة فجر ليبيا، أمس بيانا قالت فيه إنها ستنطلق في عملية تطهير للعاصمة ممن سمتهم "المليشيات التي أفسدت الأرض والنسل".وأضاف البيان، أن" العملية ليست وراءها أي أهداف سياسية بقدر ما تهدف إلى رفع سطوة المليشيات ونهب المال العام،والحفاظ على مؤسسات الدولة".

وتداول نشطاء على مواقع التواصل مقطع فيديو لصلاح بادي؛ ظهر فيه وسط جمع من أنصاره، يتحدث عن ليبيا، وعن مؤامرات دولية وداخلية للضرر بالبلاد، كما تحدث فيه عن خروجه النظيف من طرابلس، على حد تعبيره. 

وزعم بادي أنه عازم على العودة إلى طرابلس لـ"إنقاذ النساء من طوابير المصارف و نجدة الأهالي مما أذلهم" حسب وصفه.

وقال بادي:"ندعو كل حر في قلبه ذرة مروءة ونخوة أن يقف وقفة رجل حتى تخليص العاصمة من هؤلاء الفاسدين"، مواصلاً:"إلى أهلنا في طرابلس كنا معكم وخرجنا من العاصمة ونحن نظيفين، ولن يبقى في طرابلس بإذن الله إلا أناس نظيفين أما من يتواجدون الآن ليس أمامهم إلا خيارين إما تسليم أنفسهم أو مواجهة جزائهم ونحن سنرفع هذا التشويه الذي طال ثورة 17 فبراير".

ويثير ظهور بادي المزيد من الشكوك حول خارطة الصراع الحالية بطرابلس، فهو من أبرز قادة عملية "فجر ليبيا" التي سيطرت على طرابلس نهاية عام 2014، وبقيت فيها إلى وحين إخراجها من العاصمة، وهو ما تم بعد قتال عنيف في شهر مارس/ آذار من عام 2017 ضد قوات حكومة الوفاق، إذ اضطرت الكتائب الموالية لحكومة الإنقاذ لمغادرة طرابلس، بما فيها "لواء الصمود" الذي يقوده بادي.

لكن بادي سرعان ما عاد للمشهد،حين هدد في مايو 2017، بتحرير طرابلس في عملية عسكرية خاطفة لن تستغرق أكثر من 72 ساعة، على حد قوله،فيما أعلنت "حكومة الإنقاذ"،حينها أن هدف العملية هو تطبيق قرار المؤتمر الوطني العام الليبي بإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة.


** تحالف

وأظهرت كلمة صلاح بادي المرئية، التي تداولتها منصات التواصل الاجتماعي،الثلاثاء، بشكل واسع انخراط قوات فجر ليبيا السابقة التي يعتبر "بادي" أبرز قادتها في الصراع الدائر، كما يؤشر إلى وقوف المفتي المعزول الصادق الغرياني وقوى المؤتمر الوطني السابق وراء الميليشيات المهاجمة لطرابلس حالياً.

فبحسب مواقع التواصل الاجتماعي، فإن بادي ظهر بمنطقة تاجوراء في ضيافة كتيبة الرحبة، الموالية لحكومة الإنقاذ بالمؤتمر الوطني السابق، وظهر في الفيديو المنتشر من يؤكد على أن تصويره تم يوم 28 أغسطس/ آب، مما يعني أنه نشر فور تصويره ليلة الثلاثاء.

وبدوره، كشف الناشط السياسي من مدينة مصراتة حسن شابه، في تصريح خاص لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، أن انضمام عضو المؤتمر الوطني السابق صلاح بادي، إلى قوات "ترهونة" أكد على تحالف المفتي مع الكانيات "قوات اللواء السابع". 

وتابع شابه قائلا، إن "المعركة أصبحت الآن واجبة ولازمة"، مشيرا إلى أن "اليوم هو أخر فرصة لحكماء ترهونة لسحب أبناءهم وترك القوات المتخندقة من تحالف المفتي يواجهون الموت أو السجن، فقوات طرابلس ستبدأ معركة الحسم وطرد المعتدين"، على حد تعبيره.

من جانبه، قال حراك شباب العاصمة، "إن ما تشهده مدينة طرابلس من اتساع لرقعه الاشتباكات بين الأطراف المتنازعة وظهور بعض الأشخاص مجددا في المشهد ما هي إلا محاولات من جماعات الإخوان والمقاتلة لإحياء نفوذهم من جديد داخل العاصمة وفرض سياسة الأمر الواقع بحجة حماية أهل العاصمة وتوفير الأمن والأمان".

واستنكر الحراك في بيان له،الأربعاء 29 أغسطس/آب، إعلان صلاح بادي،توجهه برفقة قواته وآلياته العسكرية إلى العاصمة طرابلس، مشيرا إلى أنه أحد الأشخاص الذين يسعون للظهور مجددا عبر تلك الأحداث.أكد الحراك،أن الفئات المتقاتلة تناسوا ما صنعت أيديهم في سالف الأيام من خراب ودمار وما خلفوه من ضحايا المدنيين داخل طرابلس، مشيرا إلى أنهم في حقيقة الأمر يسعون لتكرار المشهد وبسط نفوذهم داخل العاصمة حتى يستمرو في تنفيذ مشروعهم المؤدلج.


** جرائم صلاح بادي

ويعتبر صلاح بادي أحد أبرز قيادات عملية "فجر ليبيا"، كما تقدم لانتخابات المؤتمر الوطني عام 2012 تحت مظلة حزب العدالة والبناء الإخواني، وأصبح نائبًا بالمؤتمر الوطني. وقاد عمليات فجر ليبيا التي تبنتها جماعة "الإخوان". 

وبادي يحمل رقم 71، ضمن قائمة الإرهاب، التي أعلنها مجلس النواب، وشملت أكثر من 75 إرهابيا متورطين في جرائم حرب داخل ليبيا.

أول جرائم بادي كانت حملة عسكرية على مدينة تاورغاء وكان الهدف من ورائها تهجير الأهالي المقيمين فيها بحجة مساندتهم للقذافي إبان الثورة الليبية، حيث تم بالفعل تهجير المدينة بأكملها واعتقال كل شبابها وقتل من يعترض على ترك منزله، ليطلق عليها الليبيون في هذا الوقت مدينة "الأشباح".

معاناة تاورغاء ما زالت مستمرة حتى الآن وجميع أهلها يعيشون في مخيمات داخل بعض المدن الليبية، حيث إن جميع محاولات الصلح فشلت وسط تعنت تنظيم الإخوان ورفضه رجوع الأهالي للمدينة مع استمرار اعتقال ذويهم.

وفي عام 2012 أصدر ما يسمى المؤتمر الوطني، قرارا عسكريا جديدا حيث طالبت صلاح بادي ومليشياته المتمثلة في القوة الثالثة مصراتة بالتحرك تجاه مدينة بني وليد ودخولها بالقوة، والقبض على من أسمتهم "أزلام النظام السابق" لتبدأ كارثة جديدة تقودها مليشيات مصراتة.

الحرب، التي استمرت عدة أسابيع، نجم عنها تفجير البنية التحتية بالكامل للمدينة والقبض على شبابها فضلا عن سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء القصف العشوائي وسط اتهامات أن سبب هذه الحرب كان لتصفية حسابات قبلية قديمة.

وأثار فشل تنظيم الإخوان في الانتخابات البرلمانية عام 2014 هلع قياداتها ومنعت مجلس النواب الجديد من انعقاده داخل العاصمة طرابلس، وقالت إنها متمسكة بحقها في حكم ليبيا.

إلا أن وجود كيان عسكري تابع لمدينة الزنتان، والذي كان يؤيد حينها مجلس النواب، ويطالب بانعقاده داخل طرابلس، أدى إلى إعلان الإخوان الحرب ضده في محاولة لطرده من طرابلس حتى تصبح القوات العسكرية في العاصمة هي قوات مصراتة فقط.

وبالفعل بدأت الحرب تحت قيادة صلاح بادي، والذي ظهر بجوار مطار طرابلس وقواته تقوم بقصفه، لينجم عن ذلك تدمير مطار طرابلس بالكامل وتدمير خزانات النفط والاستيلاء على جميع المؤسسات الموجودة في العاصمة.


** تهديدات الإخوان

ويأتي ظهور بادي،في أعقاب تهديدات أطلقها رئيس حزب العدالة والبناء في ليبيا "محمد صوان"، الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين الليبية، الثلاثاء 28 أغسطس/آب،ب اللجوء إلى الحلول الصعبة إذا ما نفذ رئيس البرلمان عقيلة صالح تهديداته بالمرور إلى انتخاب رئيس مؤقت للبلاد وتأجيل الانتخابات البرلمانية وكل ما يتعلق بإصدار الدستور.

وانتقد صوان، تصريحات رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، والتي قال فيها إنه إذا لم يتوافر النصاب في جلسة النواب المقررة الاثنين المقبل، سيتم تفعيل قرار المجلس رقم 5 لسنة 2014 والاتجاه إلى الانتخابات الرئاسية مباشرة. وقال صوان في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر إن "ما قاله عقيلة صالح حول ذهابه إلى انتخابات رئاسية إذا لم يتوافر النصاب في الجلسة القادمة قول عجيب وغريب".

وقال رئيس حزب العدالة والبناء في ليبيا،"لا بد أن يعي عقيلة بأن عبثه بمجلس النواب وعرقلته لكل جهود الأطراف المحلية والدولية تجاوزا كل الاعتبارات، وأن يعي أيضا بأنه لا يمكن العودة إلى الوراء، وأن الشعب الليبي لن ينتظر طويلا، وأن الحلول الصعبة ستطرح وستكون آخر الدواء".

ولم يكشف صوان عن طبيعة هذا الحل الصعب الذي يتحدث عنه،فيما فسره البعض على أنه تهديد باستخدام القوة على غرار عملية فجر ليبيا التي أعقبت خسارة الإسلاميين لإنتخابات 2014،حيث يخشى إخوان ليبيا والتيار الإسلامي عموما،بحسب مراقبين، الانتخابات وخاصة الانتخابات الرئاسية، وهو ما تعكسه محاولاتهم المستمرة لتأجيلها من خلال المطالبة بإجرائها وفقا للدستور الذي يتطلب صدوره وقتا طويلا.

على مدار السنوات التي أعقبت إندلاع الأزمة، ترسّخ وجود الميليشيات السلحة في ليبيا وخاصة في العاصمة طرابلس،بحسب الانتماءات الجهوية أو الأيديولوجية، حتى أصبح منها الذراع العسكرية لمدن بعينها، أو لجماعات إسلامية بذاتها. وبعضها بات يستخدم في حراسة المسؤولين، وكبار السياسيين، وصولاً إلى نوع أخير يمتهن الخطف والسرقة والحرابة، وفي أحسن الأحوال يتاجر في البشر.

وفي المشهد الليبي،الذي تغلفه الفوضى وتتكلم فيه لغة السلاح،سالت دماء الكثير من أبناء ليبيا وضاعت حقوقهم وسط غياب القانون، وباتت هذه الجماعات والزمر المسلحة كابوساً ثقيلاً يجثم على صدور المواطنين. ويجمع المراقبون على أن العاصمة الليبية أسيرة الميليشيات، وأن تحريرها سيكون خطوة هامة في تحير ليبيا بالكامل وعودة الاستقرار والأمن لربوع هذا البلد.